من سجادة الصلاة والفانوس والقلم الرصاص لــ«الثوم واللب والممبار» «كُـلـه صِـيـنـى»
تحقيق: بسمة أبو العزم
«اللبن من البقرة صينى.. الضحكة اللى فى وشى صينى، والملح اللى فى مشى صينى».. بتلك الكلمات لخص الشاعر أيمن بهجت قمر، فى الأغنية، التى قدمها المطرب هشام عباس، فى فيلم «ابن القنصل»، حال الاقتصاد المصرى، الذى أغرقه التنين الصينى بالمنتجات التافهة والرديئة بداية من الأستيكة والبراية، مرورا بالفوانيس والأحذية واللب والثوم حتى أصبح فى الأسواق المصرية «ممبار صينى».
ورغم نجاح عدد من القرارات الحكومية فى تقيد وتقليص استيراد السلع الصينية، إلا أن «مافيا التهريب» استطاعت إيجاد «ممر آمن» للمنتجات، التى لا يكاد يخلو سوق فى مصر المحروسة منها، ففى ظل النقص الحاد فى العملة الصعبة نجد فى الأسواق مئات المنتجات الصينى، وبالأرقام يتضح أن مصر تستورد بنحو ١١ مليار دولار منتجات صينية بخلاف الكميات المهربة، وللأسف هناك أنواع عديدة من السلع لا تستحق إهدار عملتنا الصعبة عليها، فـ«قوائم التصدير»، تضم مثلا سلع من نوعية «اللب والثوم والاستيكة والبراية والقلم الرصاص»، حتى مستلزمات العبادة لم تنجو هى الأخرى من «فم التنين الصينى»، والذهب كان له نصيب من الأمر، وصولا فى النهاية إلى منتجات «غشاء البكارة الصينى»، التى أصابت الأسر المصرية بالرعب.
ومؤخرا.. لا حديث فى الشارع المصرى يعلو على حديث «الممبار الصينى»، وهو ما أكده محمد شرف، نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية بقوله: الممبار الصينى متواجد فى السوق المصرى منذ أربع سنوات ولم يتحدث عنه أحد، لكن حاليًا بعد ارتفاع سعر الممبار البلدى زاد الإقبال عليه باعتباره الأرخص، وفى النهاية لا يستطيع الممبار الصينى منافسة المصرى فلكل صنف زبونه، كذلك الإنتاج المحلى لا يكفى بسبب نقص الثروة الحيوانية، وبالتالى الصينى يغطى الفجوة.
نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، تابع حديثه قائلا: بغض النظر عن انتشار المنتجات الصينى لسد الفجوة الناجمة عن نقص الإنتاج المحلى إلا أن ظاهرة انتشار المنتجات الصينى عديمة الفائدة فى طريقها للزوال، فبالفعل قرارات وزارة الصناعة والتجارة الخارجية لتنظيم الاستيراد، بدأت تؤتى بثمارها، حيث إن عشرات المستوردين أصبحوا مضطرين للتخلى عن استيراد المنتجات عديمة الجدوى والرخيصة من الصين بعد التعويم وارتفاع سعر الدولار، وهناك من اتجه بالفعل للتصنيع المحلى، وهو ما يشير إلى أننا على أعتاب عصر جديد نتحرر فيه من عبودية المارد الصينى.
فى ذات السياق قال يحيى السنى، رئيس شعبة تجار الخضر: نحن نعيش حالة غريبة من التناقض الشديد، فمصر تمتلك أرخص وأجود أنواع الثوم على مستوى العالم، وتم ذكره فى القرآن الكريم، وللأسف يتم تصديره للخارج للحصول على العملة الصعبة، وبالتالى تحدث فجوة تدفعنا لاستيراد الثوم الصينى لتغطية النقص خاصة فى فصل الشتاء، وبالفعل وصل مؤخرا سعر الكيلو الصينى ٦٠ جنيها، ويضطر البعض لشرائه بسبب نقص المحلى، الذى يحين موعد حصاده عقب شم النسيم مباشرة.
وعن الفاكهة الصينى المتوافرة فى الأسواق المصرية، أوضح «السنى» أن التفاح الصينى، كان متوافرًا فى السوق المصرى، لكن بعد ارتفاع سعر الدولار توقف المستوردون عن شرائه، ولا يوجد أى صنف صينى بالخضر والفاكهة سوى الثوم.
من جهته قال هانى المنشاوى، من كبار مستوردى الأسماك: مصر أصبحت خالية من السمك الصينى بعد تعويم الجنيه فأصبح هناك نوع من تقنين الواردات، حيث ارتفعت أسعارها بشدة ما دفع أغلب المستوردين لمقاطعتها، إضافة لاقتراب إنتاج مزارع القوات المسلحة والتى من شأنها توفير أسماك ذات قيمة غذائية عالية منها الوقار والدنيس والقروس، وبالتالى أعماله الجيدة ستطرد العملة السيئة.
وواصل حديثه: الجمبرى الصينى نال شهرة واسعة منذ عدة سنوات لانخفاض سعره فهو لم يكن «دود»، كما ادعى البعض لكنه نوعيه رديئة من الجمبرى فسعر الكيلو يتراوح بين ٤٠ حتى ٦٠ جنيها جملة لكن أثناء التسوية كان «يكش» فينخفص إلى نصف الحجم، أيضا كانت هناك نوع من أسماك الباسا الصينى وهو الهورس ماكريل وكان سعر الكيلو يتراوح بين ٨ إلى ١١ جنيهًا، وبالفعل أغرقت الأسواق المصرية الشعبية لكننى كنت أحاربها لأنها سمكة ملوثة وغير جيدة مثل القراميط، لكنها حاليا لم تعد متوافرة بالأسواق، ورغم من تواجدها بالصين إلا أن مصدرها الأساسى فيتنام وهناك العديد من المصدرين الفيتناميين يتوسلون إلينا لاستيراد تلك السمكة دون استجابة مصرية.
«حتى مسليات الغلابة صينى»، بهذه العبارة بدأ محمد البرجى، مستورد مسليات، حديثه وأكمل قائلا: اللب الصينى يكتسح الأسواق المصرية منذ عشرة سنوات فمصر أكبر دولة عربية تستورده ، وهو يسمى بلب عباد الشمس الصينى وكان سعر الطن قبل التعويم ١٥٠٠ دولار ، أما حاليا فقامت الصين بتخفيض أسعارها حتى لاتفقد أكبر زبائنها وسعر الطن أصبح ١٠٥٠ دولار ليتراوح سعر الكيلو بين ٢٢ إلى ٢٥ جنيها ، والغريب أن لب عباد الشمس المصرى كان يتوافر بالصعيد ويتسم بحجمه الصغير لكن بعد دخول الصينى إلى مصر بحجمه الكبير اكتسح الأسواق فانخفض إنتاج لب عباد الشمس المصرى حتى اللب السوبر المصرى هو الآخر تأثر استهلاكه بقوة أمام الصينى.
وأضاف: السودانى الصينى منتشر بالأسواق المصرية رغم توافر كميات كبيرة من السودانى البلدى، والذى نصدره أحيانا، لكن انخفاض سعره يدفع محدودى الدخل لشرائه فيتراوح سعره بين ١٧ إلى ٢٥ جنيهًا، أما السودانى المصرى فيتراوح بين ١٥ حتى ٣٥ جنيها للكيلو.
أطفالنا الأكثر احتكاكا بمنتجات المارد الصينى بداية بألعابهم وللأسف أغلبها مهربة ومجهولة المصدر، ولاتخضع لأى مواصفات قياسة، فبمجرد التحاق الطالب بالمدرسة يشترى كافة الأدوات المكتبية الصينى، التى تغرق السوق المصرى خاصة الأستيكة والبراية الصينى، فمصر تستورد بما يعادل ٢٨ مليون جنيه «أساتيك» وأغلبها صينى وبالطبع يبرعون فى صنعها على شكل شخصيات كرتونية تجذب الأطفال، وللأسف لأننا لا نمتلك فى مصر مصنع واحد لإنتاج الأستيكة تركنا لهم الساحة لتنتشر بالأسواق الأستيكة على شكل مطواة، التى أثارت استياء خبراء التعليم فى مصر، وبالتأكيد هذه النوعية من المستحيل طرحها فى بلادهم حفاظا تربية وأخلاق أبنائهم.
من جانبه عقب أحمد أبو جبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية بغرفة القاهرة التجارية، على الأمر بقوله: أغلب مستلزمات الأبناء المدرسية مستوردة من الصين فنجد أن ٩٥ بالمائة من شنط المدارس صينى، أيضا القلم الرصاص والجاف، فمصر تنتج ٦٠ بالمائة من الأقلام الرصاص ونحو ٧٠ بالمائة من الجاف أما بقية الكمية مستوردة من الصين، وللأسف مصر لايوجد بها مصنع واحد لإنتاج البراية والأستيكة فجميعها صينى، أضف إلى هذا هناك كميات كبيرة من الكشاكيل الصينى، وبالطبع تلك المستلزمات المستوردة بشكل رسمى تخضع لرقابة الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات خاصة الأقلام الجاف والرصاص والأحبار، أما المنتجات التى لاتخضع لتلك الرقابة وهى المسطرة والبراية والأستيكة.
وأكمل: الاقتصاد الصينى فرض نفسه عالميا وأغلب الدول الكبرى لها مصانع وتنتج فى الصين سواء الأمريكان أو اليابان وغيرها من الدول، فيتم الإنتاج وفقا للمواصفات، التى يريدها المستورد وبالطبع هنك عمليات تحايل وغش يشارك فيها المستورد فمثلا القلم الجاف واحد، لكن التلاعب فى كمية الحبر، وبالتالى يختلف السعر فإذا كان الاتفاق اكتمال الأنبوبة فيصبح السعر ١١٠ سنتات، أما نصف الكمية فينخفض إلى ٥ سنتات وهكذا وللأسف الزبون يتعرض للغش بأشكال متنوعة فى أغلب السلع الصينى.
وفيما يتعلق بلعب الأطفال، أشار «أبو جبل» إلى أنها تخضع لقرار ٤٣ لسنة ٢٠١٦، ونظرا لعدم تسجيل المصانع الموردة حتى الآن، فبالتالى هناك توقف عن استيراد الألعاب، ورغم ذلك فإن الألعاب الصينى المهربة تملأ الأرصفة، وللأسف لاتخضع لأى مواصفات قياسية.
على صعيد آخر توقع محمود العسقلانى، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، اختفاء كافة المنتجات الصينى التافهة خلال بضعة أشهر ، حيث قال: المتاح بالأسواق حاليا كميات محدودة وهناك توقف عن استيراد العديد من البضائع الصينى بسبب القرارات الإصلاحية الأخيرة وعلى رأسها القرار رقم «٤٣» وأول الأصناف الصينى التى فى طريقها إلى الزوال «الطراطير» الصينى، وآخر كميات فى مصر التى تم طرحها فى الكريسماس ومنذ هذا التاريخ لم تأت إلى مصر كميات جديدة، أيضا آخر كميات من الأعلام المصرية الصينى تم بيعها أثناء الاحتفال ببطولة إفريقيا الأخيرة، وتجرى حاليا محاولات لتصنيع تلك المنتجات فى مصر ، أيضا العديد من لعب الأطفال الصينى، فالقرد أبوطبلة والعروسة، التى تغمض عيونها وتفتحها يختفيان بشكل تدريجى.
تساءل «العسقلانى» أين القلم الجاف الفرنساوى المصنع فى مصر؟.. وأكمل: حاليا الأقلام الصينى المنتشرة حتى الأكلة المصرية الشهيرة الملوخية يتم طهيها بالثوم الصينى وللأسف ليس له نكهة الثوم المصرى.
«العسقلانى»،أنهى حديثه بنرة متفائلة، حيث قال: الإجراءات الاقتصادية الأخيرة ضربت مصالح تجار هدايا الفلانتين فى مقتل فبأى منطق نستورد دبدوب صينى أحمر بملايين الدولارات فى ظل الوضع الاقتصادى الراهن، فالاستيراد على مدار السنوات الماضية، كان سفيها وهناك استسهال للاستيراد بدلا من الإنتاج، فكانت الصين صاحبة نصيب الأسد وللأسف بسببها أغلقت العديد من المصانع الوطنية أبوابها فمثلا الزجاج بكافة أشكاله سواء أكوابا أو ألواحا نستورده من الصين، ما أدى لإغلاق مصنع النصر للزجاج وتشريد العمال، لكن العام الماضى عاد المصنع المصرى للإنتاج وقام أحد مستوردى الزجاج الصينى بتمويل الإنتاج بالمصنع وحاليا يصدر للمغرب ، وبالتالى يجب تشجيع القرارات المقيدة لاستيراد السلع التافهة وغير جيدة الصنع سواء صينى أو من أى دولة أخرى، فآن الأوان لتشجيع الإنتاج المحلى فلماذا لا يأتى المستثمر الصينى لفتح مصنعه فى مصر بما يعمل على تشغيل عمالة مصرية وضمان إنتاج سلع بجودة مرتفعة؟!
من جانبه حذر د. صلاح الجندى، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة من العجز الشديد بالميزان التجارى، وقال: مصر تستورد ٧٠ بالمائة من احتياجاتها من الخارج وعلى رأس الدول المصدرة الصين، وللأسف أغلب وارداتنا منهم سلع استفزازية وغير أساسية، فنحن دولة مستوردة كيف نستورد سجادة الصلاه والفانوس ونحن فى أمس الحاجة إلى الدولار واليورو، وبالتالى يجب على الحكومة المزيد من تقليص الاستيراد واقتصاره على السلع الأساسية، والتى ليس لها بديل محلى.