في مئوية الزعيم ناصر.. كيف طوّع الفن سلاحًا تنمويًا (1 ـ 5)
تحل اليوم مائة عام بالتمام والكمال على مولد الرئيس جمال عبد الناصر، وفي تلك
الذكرى العطرة لزعيم خلدته أعماله نلقي الضوء على علاقته بالفنون ، وخصوصاً الطرب
والغناء، فهو أول رئيس ازدهرت الفنون في عهده ، واستطاع أن يطوع الفن لخدمة مصر،
وأن يكون سلاحاً للتنمية ودعم الجيش وشد أزر الشعب في الأزمات ، ويكون الفن أيضاً
نسمات الفرح وقت الإنجازات.
ومن يرصد ذلك الجانب في حياة الرئيس عبد الناصر ، يجده قد استعان بصوت أم كلثوم
وجعلها سفيراً غير معلن لتوطيد الصداقات مع الملوك والأمراء من خلال ما أحيته
من حفلات في شرف استقبالهم ، بل كان شدو أم كلثوم هدية ناصر لضيوف مصر ، وفي
السطور التالية رصد لعلاقة الرئيس جمال عبد الناصر بالفنون ، وكيف ساند الفن الثورة
والجيش وكيف ازدهرت الفنون في عهده.
دموع أم كلثوم في أول لقاء
بدأت علاقة الضابط الشاب جمال عبد
الناصر بأم كلثوم عند محاصرته وباقي الضباط والجنود في الفالوجا عند مأساة فلسطين 1948
عندما تابعت هي باهتمام بالغ أبطال الفالوجا بعد صمودهم الأسطوري في مواجهة العدو،
وأصرت أن ترسل إليهم إشارة في موقعهم عن طريق وزير الحربية تحييهم فيها وتشد أزرهم
، فسعدوا بتلك الإشارة وطلبوا من القيادة أن تبث لهم إحدى أغنياتها على موجة
يستطيعون استقبالها على أجهزتهم وما أن لبت القيادة طلبهم حتى صاحوا فرحين بصوت أم
كلثوم الذي زادهم قوة وإصراراً على صمودهم وعند عودتهم للقاهرة دعتهم أم كلثوم إلى
حفل شاي في حديقة منزلها .. وتروي أم كلثوم ذكرى ذلك اليوم في مقال لها بمجلة
الهلال عام 71 في الذكرى الأولى لرحيل ناصر بأن وجهت الدعوة لأبطال الفالوجا
لتناول الشاي في منزلها وأيضاً وزير الحربية الذي اعتذر .. وفي الموعد المحدد يصل
ناصر ضمن أبطال الفالوجا إلى منزل أم كلثوم حيث قابلتهم وصافحتهم فرداً فرداً والدموع تغمر عينيها من شدة الفرح بنجاة الأبطال الصامدين وعودتهم سالمين.
وأعدت
لهم إذاعة داخلية بحديقة منزلها ليستمعوا إلى ما يحبونه من أغانيها .. وفي اللقاء
بدأ قائد المجموعة السيد طه الملقب بالضبع الأسود يسرد بعض البطولات التي قام بها
الضباط والجنود وقت الحصار وكان في مقدمتهم الضابط الشاب جمال عبد الناصر الذي همت
لمصافحته وشدت على يده وتأملت في عينيه بريق الصمود وعمق الإيمان والوطنية
واستبشرت بأن يكون له شأن كبير، وكانت أم كلثوم قد غنت نشيد الشباب (نادى المنادى)
من نظم أحمد رامي عام 1948 بمناسبة حرب فلسطين.
في ليلة الثاني والعشرين من يوليو 1952
تحديداً بعد آذان الفجر دق جرس التليفون في حجرة أم كلثوم بالأسكندرية حيث كانت
تصطاف وإذا بصوت ابن اختها وكان ضابطاً بسلاح المشاة يبشرها بتحقق أملها ، فقد
قامت الثورة وطلب منها أن تتابع الإذاعة .. هرولت أم كلثوم إلى الراديو لتسمع
البيان الأول يلقيه الضابط أنور السادت ، بدأت تتنفس نسمات الحرية وفي قلبها
أزاهيج الفرح، وبسرعة حزمت حقائبها للعودة للقاء الضباط الأحرار في القاهرة، ومن
الطائرة إلى قصر القبة حيث قيادة الجيش .. سارت أم كلثوم في الردهة الموصلة إلى
حجرة الضباط وهي تستشعر بأنها تعرف أحداً منهم .. ودخلت عليهم وصافحتهم مهنئة وهي
تقلب وجوههم لتؤكد صدق إحساسها وصاحت في داخلها .. نعم هم الوجوه الحبيبة المؤمنة
أبطال الفالوجا التي التقت بهم منذ أربع سنوات في بيتها وتقع عينيها على الضابط
جمال عبد الناصر لتصافحه للمرة الثانية وقد ازداد في عينيه هذه المرة بريق العزيمة
والنصر.
تعمدنا سرد أول لقائين لناصر بأم كلثوم من أجل إظهار رسوخ صورة أم كلثوم في
ذهنه مما جعله يتأكد بأنها أول فنانة يجيش قلبها بعاصفة من الوطنية وحب مصر وجيشها
، علاوة على تأكده من تملك أم كلثوم لأفئدة الشعب المصري وهي الوحيدة القادرة على
جمع الأمة العربية .. فكانت ذخيرته المعنوية وسفيرة الكلمة التي ساندته معنوياً
فترة حكمه وساندت مصر بما جمعته من نقود وذهب في حملتها الغنائية من الدول العربية
ومحافظات مصر لصالح المجهود الحربي وتسليح الجيش .. وكانت أول تحية من أم كلثوم
لناصر ورجال الثورة بأن غنت لهم أنشودة
صوت الوطن (مصر التي في خاطري) من نظم أحمد رامي الذي كلفته بصياغة تلك
الأبيات لتشدو بها في حفل 30 أكتوبر 1952 لأول مرة .. وفي نفس الحفل أعادت غناء
قصيدة مصر تتحدث عن نفسها حيث غنتها من قبل في 6 ديسمبر 1951 بمناسبة أحداث القنال
.
يتبع ...