رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«رجل السلام» أم صانع الأزمات؟.. حصاد عام 2025 لـ«ترامب»

28-12-2025 | 15:55


دونالد ترامب

محمود غانم

«أنا رجل سلام».. بهذه العبارة حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقديم نفسه خلال العام الأول من ولايته الثانية في البيت الأبيض منذ يناير 2025، لكن التساؤل يبقى: هل كان القول موازيًا للفعل؟ فبينما يتغنى بإنهاء ثمانِ حروب، على رأسها حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، يغفل الإشارة إلى أن إسرائيل استأنفت عدوانها خلال عهده وبضوء أخضر منه، وحتى بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار الثالث حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، لم تتوقف خروق إسرائيل المتكررة، على مرأى ومسمع من واشنطن.

أما الحروب السبع الأخرى، فهي حسب زعمه تشمل مناطق عدة: كمبوديا وتايلاند، كوسوفو وصربيا، الكونغو ورواندا، باكستان والهند، إسرائيل وإيران، ومصر وإثيوبيا، بالإضافة إلى أرمينيا وأذربيجان.

على الصعيد العملي، برز الدور الأمريكي في وقف الحرب بين إسرائيل وإيران بعد الضربة العسكرية التي سمح بها ضد مواقع إيرانية محصّنة، ثم قاد لاحقًا إلى وساطة أسفرت عن وقف إطلاق النار برعاية واشنطن والدوحة.

كما شاركت الولايات المتحدة في رعاية اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، في محاولة لإنهاء صراع طويل على الحدود الشرقية للكونغو.

أما الوساطة بين الهند وباكستان، فلا تزال محل جدل، إذ رحبت باكستان بالدور الأمريكي، بينما نفت الهند أي تدخل خارجي في قرار وقف إطلاق النار.

كذلك أسهم الرئيس الأمريكي في التوصل إلى اتفاق بين أرمينيا وأذربيجان أنهى عقودًا من النزاع حول إقليم ناجورنو كاراباخ.

وفي ما يتعلق بالاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلاند، ساهمت واشنطن في البداية بتجميد القتال، إلا أن المعارك استؤنفت بين الجانبين مؤخرًا.

وفي المقابل، تتضاءل المساهمات الأمريكية في ملفات أخرى، مثل صربيا وكوسوفو، حيث نفت بلجراد أي خطط للحرب، رغم تأكيد كوسوفو رواية ترامب.

أما أزمة مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، فلم تثمر تدخلاته عن تسوية أو اتفاق ملموس حتى الآن.

وبذلك، يمكن القول إن سجل ترامب يتوزع بين نجاحات ملموسة في تهدئة بعض النزاعات، وتأثير موضع جدل في أخرى، ومبالغات واضحة في ملفات لم تصل بعد إلى مرحلة الحل أو التقدم الفعلي.

وفي المقابل، سلك ترامب النهج العسكري في مناسبات عدة، من بينها استهداف جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، وشن ضربات ضد إيران، متجاوزًا المسار الدبلوماسي.

 

ترامب بين وقف هش في غزة وتعثر التسوية بأوكرانيا

وفي هذا السياق، سينصب التركيز على نجاحات الرئيس الأمريكي في ملفي حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة والحرب الروسية في أوكرانيا، باعتبارهما من أكثر الملفات تعقيدًا، وبحكم إعلانه مسبقًا القدرة على إنهائهما خلال فترة وجيزة.

في ملف غزة، أسفرت الخطة التي تقدم بها ترامب شخصيًا عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر الماضي، ليكون الاتفاق الثالث منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023.

وقبل توليه السلطة بيوم واحد، في 20 يناير 2025، كان الاتفاق الثاني لوقف إطلاق النار قد دخل حيّز التنفيذ بإسهام من إدارته.

لكن إسرائيل، وبدعم من ترامب، تنصلت من الاتفاق في 18 مارس 2025 واستأنفت حرب الإبادة من جديد، مخلفة عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وسط حصار مشدد حال دون دخول الغذاء والماء، فيما وقفت الإدارة الأمريكية موقف المتفرج.

ويعني ذلك أن اتفاق وقف إطلاق النار الثالث القائم على الخطة الأمريكية، والذي لا يزال ينتظر الانتقال إلى مرحلته الثانية، جاء بعد جرائم ارتُكبت بغطاء دبلوماسي وعسكري من واشنطن.

ويُجمع مراقبون على أن هذه الحرب ما كانت لتستمر يومًا واحدًا لولا الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، بما وفره لها من حماية أمام الضغوط السياسية والاقتصادية.

كما أن إسرائيل لا تزال حتى الآن تخرق الاتفاق بشكل يومي، موقعة شهداء ومصابين.

أما في ملف أوكرانيا، فقد بذلت إدارة ترامب جهودًا حثيثة منذ اللحظة الأولى للتوصل إلى تسوية بين موسكو وكييف، غير أن هذه الجهود لم تُسفر عن نتائج ملموسة.

وعلى طاولة المفاوضات، سعت موسكو لفرض شروط أقرب إلى الإملاءات على كييف، فيما رفضت الأخيرة ذلك بدعم أوروبي.

وبين هذا وذاك، تعثرت الوساطة الأمريكية، ورغم الحديث المتكرر في الوقت الراهن عن اقتراب التوصل إلى تسوية، إلا أن الحرب ما زالت مستمرة حتى الآن.

ويُذكر أن الحديث عن تسوية قريبة تكرر مرارًا على مدار العام، ما يعني أن ما يجري ليس مؤشرًا قطعيًا على قرب إنهاء الحرب.

وهكذا يمكن القول إن ترامب نجح شكليًا في وقف حرب غزة عبر اتفاق هش، بعد أن كان يبارك استمرارها، مقابل فشل واضح في الملف الأوكراني الذي لا تزال نيرانه مشتعلة.

 

عدوان أمريكي على اليمن

في مارس الماضي، شنت الولايات المتحدة غارات على أهداف يمنية، بذريعة أن جماعة أنصار الله الحوثية تعرقل الملاحة في البحر الأحمر.

وفي ذلك الوقت، كانت الجماعة اليمنية متوقفة عن استهداف السفن في البحر الأحمر منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار الثاني حيز التنفيذ في قطاع غزة بتاريخ 19 يناير 2025.

وبعد أن منعت إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مطلع مارس، هددت الجماعة اليمنية باستئناف حظر حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

إلا أن الولايات المتحدة، بدلًا من الضغط على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات، قامت بشن غارات على اليمن مساء يوم 15 مارس 2025، وذلك قبل أن تبدأ الجماعة فعليًا باستئناف الحظر.

توقفت هذه الاعتداءات في السادس من مايو الماضي، بموجب اتفاق بين الولايات المتحدة والجماعة اليمنية، يقضي بعدم استهداف الأخيرة للسفن الأمريكية، فيما ظلت إسرائيل خارج نطاق الاتفاق.

ووفق بيانات وزارة الصحة التابعة للجماعة، خلفت الضربات الجوية والبحرية الأمريكية أكثر من 2000 شهيد وجريح نتيجة نحو 1700 ضربة.

 

هجمات على إيران

في يونيو الماضي، نفذت الولايات المتحدة هجمات على ثلاث منشآت نووية إيرانية، هي مواقع فوردو ونطنز وأصفهان، بعد فشل إسرائيل في تدميرها نظرًا لكونها محصنة تحت الأرض.

وجاء الهجوم الأمريكي رغم أن طهران كانت قد عقدت مع واشنطن عدة جولات مفاوضات للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، قبل أن تتوقف المفاوضات إثر الهجوم الإسرائيلي على إيران بموافقة أمريكية.

وردّت إيران على ذلك باستهداف قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، دون أن تتسع رقعة الصراع بين طهران وواشنطن، خاصة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بوساطة أمريكية وقطرية.

 

فنزويلا تحت النيران الأمريكية

بدأت الولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، شنّ هجمات قرب السواحل الفنزويلية، بزعم مكافحة تهريب المخدرات، وفي المقابل، أكدت كاراكاس أن واشنطن تسعى إلى إسقاط النظام الحاكم في البلاد، مشيرة إلى أن العمليات العسكرية أسفرت عن سقوط أكثر من 100 قتيل.

وتزامن ذلك مع حشد قوة عسكرية كبيرة في منطقة الكاريبي، بالقرب من السواحل الفنزويلية، شملت نشر أكبر حاملة طائرات أمريكية في تلك المنطقة.

كما لوّحت واشنطن، في أكثر من مناسبة، بإمكانية تنفيذ ضربات داخل الأراضي الفنزويلية، تحت الذريعة ذاتها.

وفي الإطار ذاته، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا فرض حظر شامل على جميع ناقلات النفط «الخاضعة للعقوبات الداخلة إلى فنزويلا أو الخارجة منها»، مبررًا القرار باتهامات لفنزويلا بـ«سرقة نفط وأراضٍ وأصول أمريكية».

وتبع ذلك شروع الولايات المتحدة في الاستيلاء على عدد من الناقلات النفطية المشمولة بالعقوبات.

وأخيرًا، يمكن القول إن سجل ترامب في 2025 لم يكن كما قدّمه لنفسه، فبينما أعلن أنه جاء لصناعة السلام، بقيت نتائج سياساته متباينة، حيث نجح في تهدئة بعض النزاعات بشكل مؤقت، لكنه فشل في أخرى، بل وارتبط اسمه بتصعيد عسكري في عدة مناطق.

 

رجل صعب التوقع

في غضون ذلك، أكد السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن تقييم فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2025 لا يمكن اختزاله في كونه «رجل سلام» أو «داعمًا للصراعات»، حيث إن سياسته اتسمت بالتقلب وعدم القدرة على توقع قراراته المستقبلية.

وقال بيومي في تصريحات خاصة لـ«دار الهلال»: «لا يمكن وصف ترامب صراحة بأنه رجل حرب أو سلام. مشكلته الأساسية أنه لا يُتوقَّع ماذا سيفعل في الخطوة التالية، فهو يقول الشيء ونقيضه، ولا يُصنَّف كمستمع جيد لمن حوله».

وأضاف أن المؤسسات الأمريكية، وعلى رأسها وزارتا الخارجية والدفاع، تضم مئات الخبراء القادرين على تقديم الرأي والمشورة في قضايا الأمن القومي، غير أن ترامب لم يمنح تلك الآراء القدر الكافي من الاهتمام.

وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن ترامب، منذ اللحظة الأولى لوجوده في البيت الأبيض خلال ولايته الثانية، لم يُبدِ احترامًا كافيًا حتى لحلفاء بلاده التاريخيين، بمن فيهم الاتحاد الأوروبي. وقال لهم بشكل مباشر: «ادفعوا ما عليكم»، كما خاطب بعض الدول العربية بمنطق الحماية مقابل الدفع، وهو الأسلوب الذي وصفه بيومي بأنه «أقرب لأسلوب العصابات السياسية».

وحول علاقة مصر بإدارة ترامب، قال السفير جمال بيومي: «مصر دولة ذات تاريخ وثقل، وبالتالي لا يمكن تجاوزها سياسيًا. وقد لاحظت أنه يمازح الجميع تقريبًا إلا مصر، فالتعامل معها يقوم على الاحترام المتبادل».

وفي سياق الحديث عن ترشح ترامب لجائزة نوبل للسلام، أكد بيومي أن الأمر لا يخضع للتأثير المالي أو النفوذ السياسي، قائلاً: «جائزة نوبل ليست في أيدي أشخاص يمكن شراؤهم أو التأثير عليهم. ولو مُنحت له فستأتي من المؤسسة نفسها إذا رأت أنه يستحق، لا لأنه سعى وراءها».

واختتم السفير جمال بيومي حديثه قائلاً: «ترامب يمتلك القوة والدعم والمال، لكنه يفتقر لعنصر بالغ الأهمية في القيادة السياسية: الاستماع. وهذه الأزمة كانت سببًا في كثير من القرارات المتضاربة خلال عامه الأول».