رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


البابا تواضروس: نرفض التفسيرات التوراتية المتشددة التي تنفي الآخرين وجوديًا ومعنويًا وتجورعلى حقوقهم.. ونرفض العدوان والقهر وندين كل من يحاول تديين الصراع العربي الإسرائيلي

17-1-2018 | 15:55


قال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، في كلمته بمؤتمر «الأزهر لنصرة القدس»، الذي عقد اليوم الأربعاء، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن القدس ليست مجرد مكان به معالم أثرية، وله تاريخ، إنما هي تمثل قيمة خاصة في إيماننا وتطلعاتنا، وذاكرتنا، وآلامنا، وهي أيضا رمز لتلاقى الشعوب بإثرها مع الله فهي المكان التاريخي للوحى الإلهي الكتابي.

وإلى نص كلمة البابا تواضروس الثاني عن نصرة القدس:

أصحاب القداسة والفضيلة والنيافة والسيادة وكل الحضور الكريم، اسمحوا لي أن أحيكم جميعاً باسم الله الواحد، وأود أن أعبر عن محبتي الأخوية الخالصة لحضراتكم جميعاً.

أشكر فضيلة الأمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، على دعوته الكريمة للمشاركة في هذا المؤتمر الهام، الذي يقام تحت رعاية كريمة من سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.

فما أجمل أن نلتقي جميعاً بقلب واحد وفكر واحد من أجل قضية مصيرية هامة كالتي نجتمع بسببها اليوم، ما يجمعنا أيها الأحباء هو المدينة المقدسة زهرة المدائن، القدس ليست مجرد مكان به معالم أثرية وله تاريخ إنما هي تمثل قيمة خاصة في إيماننا وتطلعاتنا وذاكرتنا وآلامنا وهي أيضا رمز لتلاقى الشعوب بأثرها مع الله فهي المكان التاريخي للوحى الإلهي الكتابي وعلى أرضها المقدسة حدث الالتقاء بين السماء والأرض حيث خاطب الله البشر على أرضها أكثر من أي مكان آخر على وجه المسكونة.

للقدس مكانة كبيرة على قلب كل مسيحي، فيها عاش السيد المسيح وصنع معجزاته وكل شبر، وطئت أقدام السيد المسيح صارت له قدسية خاصة.

وبعد خراب أورشليم عام 70 ميلادياً بدأ المسيحيون يعمرون هذه المدينة من جديد وبنيت الكنائس فيها وصارت لها ذكرى مقدسة في جميع القلوب، وأصبح لكل كنائس العالم تقريباً أماكن مقدسة فيها، والمسلمون أيضاً منذ فجر الإسلام يخصون القدس بقدسية خاصة ففيها توجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى وغيره من الأماكن الإسلامية المقدسة.

فاذا كانت القدس تمثل رصيدًا تاريخيًا للشعب اليهودي، فهي تمثل تاريخاً حياً أيضاً وذكريات حاضرة بقوة في وعى ووجدان المسيحيين والمسلمين على حد سواء ومن المؤسف حقاً أن تكون هذه المدينة المقدسة مسرحاً لصراع عبر الأزمنة ويذكر التاريخ أنها تعرضت للحصار عشرين مرة، ودمرت تدميراً شاملاً مرتين وأعيد تشيدها ثمانية عشر مرة كما انتقلت من وضع إلى وضع عدة مرات عبر التاريخ.

وأضاف البابا قائلاً السلام اختيار لا بديل لنا عنه، السلام وثيق الصلة بالدعوة المسيحية حينما جاء السيد المسيح إلى عالمنا صحبته الملائكة بهتاف السلام «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة».

والسلام الدائم لا يأتي إلا باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة، والسلام الحقيقي لن يصبح واقعاً مالم يتوقف العنف ولغة التهديد وتلك الوعود التي قدمت بلا أي مراعاة لمشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين عبر العالم وعبر منطقتنا منطقة الشرق الأوسط.

وأنى على يقين أن شعوب المنطقة جميعاً تتطلع نحو مستقبل أفضل وأكثر عدلاً، وإنصافاً تحيا فيه بتعايش مشترك وفقاً لمبادئ المحبة والسلام واحترام الحقوق.

إن للقدس وضع مميز كمدينة مقدسة مؤهلة أن تصبح واحة سلام تلتقي فيها الصلوات وترتفع منه القلوب نحو السماء ملتمسه المعونة الإلهية ليدرك الناس أفرادًا وشعوبًا ما هو على مستوى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فان قضية القدس وقضية فلسطين كانت ولازالت حاضرة في ضميرها منذ البداية، على سبيل المثال بذل البابا «كيرلس» السادس أثناء الستينيات من القرن الماضي جهدًا كبيرًا في سبيل مساندة القضية الفلسطينية، وخاطب مجلس الكنائس العالمي ورؤساء الكنائس المختلفة كما تواصل مع زعماء الدول وعدد من مسؤولي الهيئات الدولية، وكذلك فعل البابا «شنودة» الثالث الذي عقد مؤتمرًا عالميًا داخل الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة في عام 2005م، حضره فضيلة الإمام الأكبر الشريف وقتها الدكتور سيد طنطاوي، ولفيف من الشيوخ، كما حضره وتابعه ملايين من الشعب العربي وذلك لمناصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حين كانت إقامته محدده في رام الله، موقف لن تنساه ذاكرة الأمة العربية.

وأشار «البابا» يعوزني الوقت أن تكلمت عن الجهود التي بذلها ويبذلها الإباء مطارنة وأساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكذلك أقباط مصر كلاً في تخصصه في المحافل الدولية ومع الهيئات العالمية والمعنية بالأمر.

وموقف الكنيسة الثابت الراسخ في هذه القضية نابع من التزامها بمتطلبات العيش المشترك والمصير الواحد الذي يجمعنا سويًا، ولذا أعلنا مؤخرًا رفضنا التام لما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس، ذلك القرار الذي بحسب ديباجته يؤسس لتهويد القدس ويطمس الطبيعة التعددية للمدينة المقدسة وهو ما نرفضه كلية.

الكنيسة لم ولن تعادى أي كيان أو دين بل هي ترفض التعصب الذى يؤدى إلى الحروب والاضطرابات تلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط عبر سبع عقود.

نحن نرفض العدوان والقهر وندين كل من يحاول تديين الصراع العربي الإسرائيلي كما ندين توظيف الدين لأهداف بعيدة عن مقاصده كما نرفض التفسيرات التوراتية المتشددة التي تنفى الآخرين وجودياً ومعنوياً وتجور على حقوقهم.

القضية لها أبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واختصارها في البعد الديني فقط ينذر بكارثه لذلك نحن نؤكد التزامنا بحقوق المقهورين والمضطهدين والمنفيين في ضوء التاريخ والجغرافيا بل والعقيدة أيضًا.

إننا نقف دوما بجانب كفاح من يناضلون من اجل حريتهم والاعتراف بكرامتهم الإنسانية وإسقاط كل أساليب القهر والعنف.

سيادة وفخامة الرئيس الفلسطيني رئيس دولة فلسطين عرض علينا تاريخاً حافلاً من هذه القضية وما حدث من قرارات بالمئات، أو العشرات صدرت سواء من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أو الجمعية العامة، أو عن مجلس الأمن، وهذه القرارات لم تجد تطبيق على أرض الواقع، ولذلك يجب أن نفكر جيدًا كيف يستعيد هذا الشعب الذي له تاريخ طويل وحضارة أصيلة كيف يستعيد هذه الحقوق؟ وكيف يتعامل مع العقول التي تفكر دون أن تراعى المشاعر مشاعر الملايين من المسلمين والمسيحيين.

بناء على ما سبق فأننا ندعو لدراسة وضع القدس ليس من ناحية التراث الروحي فقط بل من الأولى من ناحية الوضع الإنساني المأسوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني حتى اليوم ذلك الشعب الذي لازال يناضل في سبيل حصوله على حقوقه المشروعة وطالما ارتضى المجتمع الدولي حل الدولتين المتجاورتين فان القدس عاصمة تخدم كل الأطراف المعنية ستكون أمرًا فاصلاَ على أن تكون القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين التي اعترف بها العالم.

اليوم تعود مشكلة القدس لتنادى ضمير العالم فلا يمكن تجاهل مشاعر الملايين في كافة بقاع الأرض، لذا نخاطب كل القوى الفاعلة وكل الهيئات الدولية ونخاطب الضمير الإنساني من فوق هذا المنبر وفى هذا المؤتمر الحيوي لينظر للزوايا الإنسانية للقضايا الفلسطينية لأنهاء هذا المعاناة بإقرار السلام الشامل والعادل الذي يمنح حق تقرير المصير وإقامة هذه الدولة وعاصمتها القدس، والتي يعيش على أرضها الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون في حياة كريمة هذا مع تأكيدنا على حق كل الشعوب بالعيش الحرية والسلام كلنا أمل في أن يكون مؤتمركم الموقر هذا خطوة إلى الأمام لسبيل على طريق استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة والسلام الكامل للجميع وأشكركم كثيرًا .