عيد الشرطة المصرية.. رحلة شرف رسم ملامحها مصطفى وعبد المسيح
كانت منطقه القناه تحت سيطرة القوات البريطانيه بمقتضى إتفاقية سنة 1936 التي كان بمقتضاها أن تنسحب القوات البريطانيه إلى القناه و ألا يكون لها أي تمثيل داخل القطر المصري غير في منطقه القناه المتمثله في (الإسماعيليه - السويس - بورسعيد) فلجأ المصريون شعباً ودوله لتنفيذ هجمات فدائيه ضد القوات البريطانيه داخل منطقه القناه و كانت تكبد القوات البريطانيه خسائر بشريه و ماديه و معنويه كل يوم تقريباً دون كلل او ملل .
و لم يكن يوجد أي تنسيق بين جماعات الفدائيين في بادئ الامر حتى تدخل البوليس المصري لينسق فيما بينهم مما أدى إلى وقوع أضرار أكبر في القوات البريطانيه و كانت مجموعات الفدائيين تتكون من كافه طوائف الشعب المصري من فلاحين و عمال و طلبة جامعات و غيرهم و كانت مدن القناه مقسمة إلى حي افرنجى و حى بلدى و كان يسكن الحى الافرنجى الانجليز أما الحى البلدى فكان يسكنه المصريون .
و بعد كثره الهجمات على قوات الاحتلال قامت القوات البريطانيه بترحيل أهالى الحى البلدى في الإسماعيليه خارج المدينة و هجروهم منها و لكن ذلك لم يؤثر على كفاح الفدائيين و زادت هجماتهم شراسة و ذلك بالتنسيق مع قوات البوليس المصري الأمر الذي فطنت اليه قوات الاحتلال بأن قوات البوليس المصري تساعد الفدائيين فأصدرت قراراً بأن يخرج كافة افراد الشرطه المصرية من مدن القناه و أصدرت أوامرها بأن يتركو تلك المدن من فجر يوم 25 يناير 1952 و عند ذهاب أفراد البوليس المصري إلى مقر عملهم في مبنى المحافظه وجدوا قوات الاحتلال تطالبهم أن يخلو مبنى المحافظه في خلال خمس دقائق مع ترك أسلحتهم داخل المبنى و إذا لم تستجب قوات البوليس لذلك الأمر سيهاجمون مبنى المحافظة .
و كان ذلك الأمر لقائد البوليس المصري في تلك الأونة أو أكبر رتبة كانت موجودة في هذا التوقيت و هو الملازم أول مصطفى فهمى و كان من يحاوره من الجانب البريطانى هو قائد قوات الانجليز في الإسماعيليه فما كان من الملازم أول مصطفى فهمى سوى الرد بعزة و كرامة يندر وجودها إلا في الإنسان المصري و قال له إذا لم تسحب قواتك من حول المبنى سأبدأ انا الضرب لأن تلك أرضى و أنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا و تركه و دخل إلى مبنى المحافظه
و عند دخوله لمبنى المحافظه تحدث إلى جنودة و أيضا إلى الضابط الثاني المتواجد معه في المبني و هو الملازم أول عبد المسيح و قال لهم مادار بينه و بين قائد قوات الانجليز فما كان منهم إلا أن رفضو الاستسلام و قالو سندافع عن هذا المبنى لآخر جندى فينا مع علمهم بعدم التكافؤ بينهم و بين قوات الاحتلال التي تحاصر المبنى بالدبابات و أسلحه أكثر تقدماً من بنادق و رشاشات و قنابل و هم لايملكون سوى بنادق قديمه
و فى تلك الأثناء نادى عامل سويتش التليفون على الملازم أول مصطفى فهمى ليتحدث إلى التليفون و كان المتحدث وزير داخليه مصر في ذلك الوقت و هو فؤاد باشا سراج الدين و تحدث اليه فؤاد باشا و قال انه وصلته معلومات تفيد بأن القوات البريطانيه تقوم بحصار مبنى المحافظه فماذا أنتم فاعلون فرد عليه الملازم أول بكل جأش و روح فدائيه بأنه و جنودة لن يستسلموا مهما كانت العواقب لغايه آخر جندى فما كان من فؤاد باشا سراج الدين إلا أن قال له الله معكم و ينصركم و في مبنى الإسماعيليه عندما انتهت مكالمه فؤاد باشا و خروج الملازم أول مصطفى فهمى من غرفه التليفون فإذا بقذيفة دبابة تدمر تلك الغرفه و يستشهد عامل التليفون و تبدأ المعركه بين الجانبين .
و ظلت الاشتباكات مستمرة و أصيب العديد من أفراد البوليس و إستشهد آخرون فخرج الملازم أول مصطفى فهمى إلى قائد قوات الانجليز و عند خروجه توقفت الاشتباكات و ظن الانجليز ان الجنود سيستسلمون و لكن فوجئ قائد قوات الانجليز بأن الملازم أول مصطفى فهمى يطلب منه إستدعاء المسعفين لاسعاف المصابين و إخلاءهم و لكن قائد قوات الانجليز رفض و إشترط لخروج الجنود المصابيين أن يستسلموا فرفض الملازم أول مصطفى فهمى تلك الفكرة و رجع إلى جنودة و ظلت الاشتباكات سارية و كثرت أعداد المصابين و الذين استشهدوا و كان منهم من فقد يديه أو قدميه أو الاثنين معا و رغم ذلك رفضوا أن يستسلموا.
و في خلال تلك الاشتباكات كان أهل الإسماعيليه يتسللون إلى مبنى المحافظه لتوفير الغذاء و الذخيرة و المسدسات رغم حصار الدبابات الانجليزيه للمبنى و استشهد و أصيب منهم العديد و عند قرب إنتهاء الذخيرة و رفض قوات البوليس الاستسلام قرروا أن يقرأوا الفاتحه و الشهادتين حيث لامفر من الاستشهاد و قال الملازم أول مصطفى فهمى لزميله الملازم أول عبد المسيح أنهم سيقرأون الفاتحه فما كان من الملازم أول عبد المسيح إلا أن قال و أنا سأقرأ معكم الفاتحه .
و كانت تلك لحظه تدل على مدى إقتراب المصريين من بعضهم و عدم اكتراثهم باختلاف الديانة و بعد ذلك طفح الكيل بالملازم أول مصطفى فهمى فقرر أن يخرج و يقتل قائد قوات الانجليز و يتخلص من ذلك الحصار و كان جنوده يجذبونه و يمنعونه من الخروج و لكنه رفض بينما كان كل جندى يتلو الشهادتين حيث أنهم في أي وقت سيستشهدون و خرج الملازم أول مصطفي إلى قائد قوات الانجليز لقتله .
و عندما خرج الملازم أول مصطفى فهمى توقف الضرب كالعادة و أمام مبنى المحافظه فوجئ بضابط بريطاني آخر ذو رتبه أعلى من قائد قوات الانجليز يقوم بتأدية التحية العسكرية له فما كان من الملازم أول مصطفى فهمى إلا أن رد التحية و تبين أن ذلك الضابط هو الجنرال ماتيوس و هو قائد القوات البريطانية في منطقه القناه بالكامل
وتحدث الجنرال ماتيوس إلى الملازم أول مصطفى فهمى و قال له بأنهم فعلو ما عليهم و أنهم صمدوا و دافعو عن مبنى المحافظه ببطولة لم تحدث من قبل و أنهم أظهروا مهارة قتالية غير عادية بإستخدامهم البنادق التي معهم و وقوفهم بها أمام دبابات و أسلحة الجيش البريطانى المتعددة و أنه لا مفر من الاستسلام بشرف مثلما دافعوا عن مكانهم بشرف .
وافق الملازم اول مصطفى فهمى على ذلك مقابل الموافقة على شروطه و هى أن يتم نقل المصابين و إستدعاء الاسعاف لهم و أن مجموعة الجنود التي تخرج من المبنى ستخرج في شكل طابور نظامي عسكري يليق بها مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى فوافق الجنرال ماتيوس على تلك الشروط و تم خروج قوات البوليس بشكل يليق بها في طابور منظم و الجنرال ماتيوس قائد القوات البريطانية في منطقه القناه يؤدي لهم التحية العسكرية .
لقد فقدت مصر و استشهد من أفراد البوليس المصري في ذلك اليوم ما لا يقل عن 50 جندياً و أصيب أكثر من 80 جندى قاتلوا ببسالة و وقفوا أمام المحتل الاجنبى رافضين الاستسلام مهما كلفهم ذلك الأمر فتحية لهؤلاء الابطال و لشعب الإسماعيليه الذي ساندهم و ضحى بكل ما هو غالى و نفيس من أجل الدفاع عن وطنه
و تقرر إعتبار يوم 25 يناير من كل عام عيداً للشرطة المصرية تخليداً لذكري شجاعة رجال البوليس المصري في ذلك اليوم المجيد