بقلم : تهاني الصوابي
اسمها نعمة وهي نعمة كبيرة قوي من السماء للي يعرفها ويصاحبها، ويبقى ربنا راضي عنه اللي يقرب منها، والحمد لله أن أنا من اللي ربنا راضي عنهم كونها صديقة من زمان قوي قوي، ثلاثون عاما عمر صداقتنا وصحبتنا الجميلة، واحنا الاثنين ينطبق علينا المثل اللي يقول ما محبة إلا بعد عداوة على الرغم أن علاقتنا لم تبدأ بالعداوة، ولكن بالحذر والحيطة والتوجس والترقب والتحفظ والترصد وقل ما شئت.
وقبل أن أفيض وأخوض في مشاعري تجاه النعمة الكبيرة قوي في حياتي "نعمة الله حسين" الكاتبة الصحفية والناقدة بمجلة آخر ساعة بمؤسسة أخبار اليوم الصحفية والتي لن تسعفني الكلمات لأنصافها لابد أن أهنئها وأبارك لها بمناسبة تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي في دورته القادمة هذا العام والتي تقام في شهر سبتمبر، وإن كان التكريم قد جاء متأخرا في بلدها مصر بعد تكريمها في العديد من الدول العربية والأوروبية، واختيارها أكثر من مرة عضوة لجنة تحكيم تارة، ورئيسة لجنة تحكيم مرات أخرى، وآخرها رئيسة لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان مونز ببلجيكا مؤخرا، ولكن نحمد الله سبحانه وتعالى أن الزميل العزيز الأمير أباظة رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي تدارك تجاهل المهرجانات المصرية لتكريم هذه الكاتبة والناقدة المتميزة خلقا وعلما ومهنيا وقرر تكريمها وهو تكريم في محلة، وربما كان تسرعي لإعلان الخبر والكتابة عن نعمة الله نابع من فرحتي الشديدة ورغبتي في التعبير عن مشاعري وتقديري واحترامي لها.
بداية التعرف على نعمة الله كان في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ منتصف الثمانينيات، وهي زوجة الأستاذ الكبير والصديق العزيز سيد عواد الذي كان مديرا للإعلام في المهرجان في ذلك الوقت، وكان يؤمن بشباب الصحفيين ويحاول جاهدا مساعدتهم وتسهيل عملهم بإمدادهم بالمواد الصحفية والمنشورات الخاصة للمهرجان، وكم كنت محظوظة لأنني كنت من هؤلاء الشباب والشابات اللذين لاقوا كل رعاية وعناية من الأستاذ سيد عواد الذي كان يتعامل مع جموع الصحفيين الفنيين المصريين والعرب والأجانب، ومنهم نعمة الله حسين التي كانت تعامل بالمثل دون تمييز منه لها، وكانت هي بالطبع حذرة في التعامل معه ومعنا حتى لا يقال كلمة في غير محلها عن تحيزه أو تمييزه لها في المعاملة، وهذا مكمن احترامي لهما معا.
أما بداية الصداقة الحقيقية فكانت في إحدى دورات مهرجان الإسكندرية السينمائي وبالتحديد أواخر الثمانينيات، وكانت إدارة المهرجان وقتها تكيل بأكثر من مكيال في التعامل مع الصحفيين مهما كان قدرهم أو مكانتهم، وكان هناك البعض ممن يهوى مضايقة شباب الصحفيين، وخاصة نعمة الله التي كانت تثير الغيرة في نفوسهم لتميزها الشديد في عملها على المستويين المصري والعالمي، فأرادوا مضايقتها في إحدى الدورات وتسكينها في حجرة مزدوجة معي، إضافة أننا لم يكن بيننا تعارف أو صداقة في ذلك الوقت، وكان هذا عقابا لها على مواقف ليس لها أساس في الواقع سوى في مخيلتهم وعقولهم، ولم يكن أمامها سوى الموافقة, فكل شيء يهون أمام أداء الواجب الصحفي، وصعدت إلى الغرفة التي أقطن فيها وفوجئت بالأستاذة نعمة الله، التي كانت مثلي الأعلى مهنيا وأخلاقيا، وأستاذتي بالفعل في النقد الفني رغم فارق السن البسيط جدا بيننا، تقتحم الحجرة بفندق شيراتون المنتزة المطل على البحر مباشرة وهي تشبه كرة النار الملتهبة وتضع حقيبتها بعصبية وتعترض على إقامتها معي في الحجرة معلنة محاولتها تغيير الغرفة لصحبة أفضل مني، ولم يكن أمامي سوى الصمت لأنني أعلم ما يجيش بداخلها تجاهي، والتمست لها العذر، وذهبت نعمة الله ثم عادت بعد قليل معلنة قرارها بالبقاء معي ورحبت بها، وفوجئت بأنني تركت لها أفضل الأماكن في النوم والدواليب، وهنا تبدلت نعمة الله بإنسانة أخرى وتغيرت أحوالها ومعاملتها بعد دقائق معدودة، ولم لا وهي إنسانة جميلة الخلق، ومرت الأيام وأخبرتني بما كان يدور بداخلها من مشاعر تجاهي لاعتقادها باشتراكي في مؤامرة ضدها على غير الحقيقة، وأن تعاملي الراقي معها أجهض تلك المشاعر، ومنذ ذلك الحين ونحن رفقاء حجرة واحدة في المهرجان علي مدى ثلاثين عاما مهما تبدلت أحوالنا ومهما نلنا من مناصب، وكثيرا ما نروي حكايتنا في التعارف والتآلف للغريب والقريب، وجميعهم يندهشون ويتعجبون من تلك الصداقة القوية، اللهم ادمها علينا نعمة.
مبروك نعمتي نعمة الله حسين تكريمك المستحق في مهرجان الإسكندرية السينمائي هذا العام، وشكرا الصديق العزيز الأمير أباظة وبالنجاح تعاهدا وعلى التوفيق موعدنا.