الكنيسة.. الملاذ الأخير لطالبي اللجوء في ألمانيا
وكالات:
بعد رحلة لألمانيا استغرقت ثلاثة أشهر، وجد أحمد نورى نفسه يائسا وليس مرتاحا، فبعد مغادرته من شمال أفغانستان، وعبوره البحر المتوسط ثم التنقل برا عبر العديد من الدول، تحولت سعادته الأولية على الفور إلى صدمة.
وكانت الشرطة المجرية أخذت بصمات أصابع نورى 28 عاما فى إطار الإجراءات اللازمة لاستكمال طلب اللجوء، وقد أعطته ألمانيا فرصة 25 يوما لمغادرة البلاد والعودة إلى المجر، إلا أنه فر وأصبح ينام فى الشوارع ليتجنب الترحيل، ثم خرج أحد المحامين بخطة: على نورى أن يسعى للجوء داخل إحدى الكنائس.
وعلى مدار عقود، ظلت الكنائس فى ألمانيا توفر ملاذا مؤقتا للفارين من الاضطهاد والتمييز والتعذيب وحتى الموت فى بلدانهم، وذلك انطلاقا من أن حماية المضطهدين أمر متجذر فى الفكر المسيحي.
تقول جينيا شينكه بليش، مديرة اللجنة المسكونية الألمانية للجوء الكنسي، وهى جمعية تضم الأبرشيات المسيحية التى توفر اللجوء فى الكنائس، :"نسجل حاليا 323 حالة لجوء تشمل ما لا يقل عن 547 فردا، بينهم 145 طفلا".
وتضيف بليش أن كثيرين من أصحاب حالات اللجوء الكنسى هم مهاجرون من سوريا وأفغانستان وإيران.
ويقول المسؤولون الكنسيون إن معظم طالبى اللجوء هم من "حالات دبلن"، ووفقا لقواعد دبلن المعمول بها فى الاتحاد الأوروبى فإنه يتعين تقديم طلب اللجوء فى أول دولة يتم الدخول إليها من دول الاتحاد الأوروبي، ما يعنى أن مقدمى الطلبات الموجودون فى ألمانيا مطالبون فنيا بالعودة إلى أول دولة وصول فى الاتحاد الأوروبي.
إلا أن هذا النظام انهار عام 2015، عندما أدى تدفق المهاجرين إلى أوروبا إلى اقتتال سياسي، وإلى تدهور الأوضاع فى مخيمات اللاجئين دون إعادة بعضهم إلى دول الوصول.
وقد أوى كثيرون من طالبى اللجوء الذين طُلب منهم مغادرة ألمانيا إلى الكنائس انتظارا لمواعيد ترحيلهم، وفى الكنيسة، يكونون بعيدا عن أيدى الشرطة، ما أثار استياء الحكومة الألمانية.
وكان وزير الداخلية الألمانى توماس دى ميزير شن هجوما على الكنائس قبل عامين، وقال إنه لا ينبغى أن تكون فوق القانون.
وكانت نتيجة الجدل الساخن هو اتفاق بين الدولة الألمانية وكبرى الطوائف المسيحية يقوم بموجبها المكتب الاتحادى للاجئين والهجرة بإعادة دراسة حالة اللاجئين الموجودين فى الكنائس كل على حده.
وتتم المراجعات بناء على ملف يساعد لاجئون ومحامون وجهات مجتمعية فى وضعه، وغالبا ما تكون النتيجة هى السماح للاجئين بالبقاء فى ألمانيا فى الوقت الجاري، عادة لأنه يتم هنا النظر فى طلبهم للجوء أو لأنهم مرضى أو لأن لديهم أقارب فى البلاد أو لأنهم سيكونون فى خطر إذا ما عادوا إلى بلادهم.
وفى مقابل موافقة الحكومة الألمانية على هذا التنازل، أصبح يتعين على قادة الكنائس التوضيح للجمهور أن اللجوء الكنسى أمر لا يمكن منحه إلا كـ"ملاذ أخير" لحالات فردية ولفترة محدودة فقط.
ووفقا للمكتب الاتحادى للاجئين والهجرة، فإن منح اللجوء الكنسى تم تطبيقه لنحو 800 حالة فقط منذ فبراير من عام 2015 وقد اتفقت جميع الأطراف على أن هذا الإجراء نجح بصورة أساسية.
وقال ماتياس كوب المتحدث باسم مؤتمر الأساقفة الكاثوليك :"التجربة حتى الآن تظهر أن المراجعات الجديدة للحالات التى تقدم بها ممثلون عن الكنيسة حالت دون حدوث مواقف صعبة ووفرت الفرصة لمنح إجراءات اللجوء فى ألمانيا".
تقول مارجريتا تريند المسؤولة بكنسية لوثرية بشمال برلين إن :"اللجوء الكنسى لا يعد انتهاكا للقانون... على النقيض، إنه دليل على سيادة القانون، الذى يُذكّر الكنائس بحدودها ويوفر فرصة تخدم مصالح الناس".
وتضيف أن كنيستها توفر حاليا المأوى لستة أشخاص، بينهم أحمد نوري. كما توفر الكنيسة مئتى يورو (211 دولارا) كمصروف جيب لطالب اللجوء، إلى جانب تذاكر للحافلات والقطارات. كما استأجرت شقة.
وتريند غير سعيدة بسياسات اللجوء التى تنتهجها الحكومة، التى تهدف بصورة متزايدة إلى منع الدخول وكذلك إعادة الناس.
وتضيف :"كدولة، نحن لم نستنفد قدراتنا ورغم ذلك فإننا نغلق حدودنا"، مضيفة أنها تشعر أنها "تمت مكافأتها" بالأشخاص الذين يسعون إلى اللجوء لكنيستها لأنها قدموا الكثير فى المقابل.
ويشعر المسلم أحمد نورى بالامتنان، خاصة للطريقة التى يساعده بها المسيحيون، مؤكدا أن "اللجوء الكنسى كان فرصتى الأخيرة".
وبينما يتعلم الألمانية ويبحث عن فرص للعمل بالكمبيوتر، يقول نورى إنه وصل إلى الخطوة الأولى على طريقه للأمام: ألمانيا تراجع رسميا طلبه للجوء.