رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الموت بعيدا عن أرض الوطن !

11-3-2017 | 17:38


بقلم : نبيلة حافظ

مات عمر عبد الرحمن الأب الروحي للجماعات الإسلامية المتطرفة، مات غريبا وحيدا سجينا داخل أحد السجون الأمريكية، مات الرجل بعيدا عن أرض الوطن بلا أهل أو أحبة أو أصحاب يهونون عليه اللحظات الأخيرة من عمره ويدعون له المولى بالرحمة والغفران، مات مفتي الجماعات المتطرفة بعد أن أفتى لرعاياه بإهدار دماء من خالفوه في الرؤى والأفكار، مات بعد أن أيقن قيمة الوطن ودفع ثمن الابتعاد عنه وكانت آخر أمنياته ومبلغ حلمه أن يعود إليه مشحونا داخل صندوق ويصلى عليه داخل مدينته بمحافظة الدقهلية ويدفن على تراب أرضها، مات الرجل وبموته عبرة لمن يعتبر وعظة لمن يتعظ لهؤلاء الذين يتعطشون لسفك الدماء ويتشوقون للخراب والدمار.

مات عمر عبد الرحمن وأصبح في معية ربه الكريم ينتظر حسابه ويرجو رحمته ووجها لوجه مع كل ضحايا فكره المتطرف والذين دفعوا أرواحهم ثمنا لأفكاره المتشددة، ومن بين هؤلاء كان الدكتور فرج فودة المفكر صاحب الكتابات التنويرية الداعية إلى فهم أكثر موضوعية واستنارة للإسلام، تلك الكتابات التي بسببها اتهمه د.عمر عبد الرحمن بالكفر والإلحاد وأهدر دمه ليتم اغتياله في أوائل التسعينيات.

 ومن يقرأ أو يستمع لآراء د. فرج فودة يدرك جيدا قيمة هذا الرجل ويثمن أفكاره المستنيرة التي كانت تستند لحجج وأسانيد قوية من القرآن والسنة وعلى الرغم من ذلك لم تنال رضا المتأسلمين والمتشددين ولم يستطيعوا مواجهة الرأي بالرأي والحجة بالحجة بل واجهوا آراءه وأفكاره بالقوة والسلاح وأباحوا دمه واغتالوه.

لقد كان هذا المفكر الكبير لديه حس قوي بالواقع المحيط به وبعيد النظر تجاه الجماعات الإسلامية المتطرفة وما تمثله من خطر على الإسلام والمسلمين، وكثيرا ما حذر الحكام العرب من تلك الهجمة الشرسة لهذا الفكر الظلامي الهدام، فكانت مقولته بإحدى الندوات الثقافية والتي قال فيها:

"في المستقبل سوف يدرك العرب أن الجماعات الإسلامية أكثر خطرا على شعوبهم من إسرائيل, وفي لحظة ما سوف يدركون هذه الحقيقة ويتذكرون ما قاله فرج فودة ذات يوم".

كان د. فرج فودة لديه رؤية ثاقبة للمخاطر التي تحيط بالعالم العربي والإسلامي، وكان بما لديه من علم وثقافة ومعرفة بالتاريخ الإسلامي يدرك أن المواجهة مع تلك الجماعات المتطرفة هي أفضل الطرق, فكانت مطالبته الدائمة لحكام العرب في ذلك الحين أن تكون المواجهة هي سلاحهم الوحيد ففي إحدى كتاباته قال:

"إن أقصر السبل إلى حل المشاكل ــ يقصد مشاكل الدولة مع تلك الأفكار المتشددة والمتطرفة ــ هي المواجهة والوضوح، وقد تكون المواجهة قاسية لكنها أرحم من الهروب، وقد يكون الوضوح مؤلما ولكنه أقل ضررا من التجاهل".

مات فرج فودة وبقيت أفكاره التي رسم من خلالها المستقبل المؤلم الحزين للدول العربية والإسلامية، مات فرج فودة ودفع حياته ثمنا للدفاع عن صحيح الدين والنهي عن الغلو والتطرف، مات ولكنه ما زال باقيا بيننا بآرائه وأفكاره المستنيرة، رحم الله فرج فودة وغيره ممن دفعوا أرواحهم جراء فتاوى عمر عبد الرحمن.