قال الدكتور محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن التفاهم
والتعايش لا يقومان بين طرفين مختلفين بالفكر والعقيدة، إلا إذا توافر لدى كل منهما
رغبةٌ في العيش المشترك والتسامح في الأمور المختلف فيها وقبول التعددية في كل تجلياتها
الدينية والمذهبية والفكرية وغير ذلك، ولذلك فإن من خصائص الحضارة الإسلامية أنها لا
تحكم بالرفض للحضارات أو الثقافات الأخرى، بل تعتمد حضارتنا على الحوار والاحترام المتبادل
لما لدى الآخر، لأجل تحقيق غاية التعارف والتواصل الحضاري في ظل التعددية.
أضاف الأمين العام، خلال كلمته التي ألقاها بعنوان (الأمن والمواطنة والمشتركات
الإنسانية) في احتفالية الجمعية الإسلامية في لشبونة بالبرتغال بمناسبة مرور خمسين
عاما على تأسيسها، إن البحث في مفهوم المشتركات الإنسانية هو بحثٌ في المبادئ والقيم
الخلقية المشتركة بين الناس، على اختلاف انتماءاتهم الحضارية والمذهبية والثقافية والدينية،
من أجل بناء أسس للتواصل بين مختلف الحضارات والثقافات الإنسانية ، فمن تمام حسن تدبير
الاختلاف بين الناس الكشف عن المؤتلف بينهم الذي غالبًا ما تصرفه حدة الاختلاف، كأن
المختلفين لا ينظمهم ناظم ولا يربطهم رابط.
وأوضح "عفيفي" أننا نريد بالمشتركات الإنسانية تلك القيم الإنسانية
الموجودة في جوهر كل الأديان والحضارات والمدارس الفكرية؛ تلك القيم التي تلبي حاجيات
الإنسان الفطرية من حيث هو إنسان كونها قيمًا ومبادئ عابرة للخصوصيات الثقافية للأمم،
وهي ما انغرس في فطرة الإنسانية من حب العدل وإنصاف المظلوم وبغض الظلم، وغيرها من
مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ المروءة الإنسانية، التي تؤول في العمق إلى أثر من علم النبوات
والرسالات السابقة، فما فُطر عليه الناس من قيم البر يحتاج إلى أن يٌنفض عنه ركام الجاهليات.
واستطرد عفيفي:" ولعل المشترك الإنساني أصبح ضرورة ملحة للإنسانية أمام
تنامي وقائع العنف واشتعال حروب الدمار وعمليات إفساد البيئة، وهنا فإن القرآن الكريم
قرر أن وحدة المشترك الإنساني حقيقة وجودة كونية اقتضتها الإرادة الإسلامية، وذلك انطلاقًا
من وحدة أصل الإنسانية والتي أخبر عنها الحق سبحانه في جملة من آيات كتابه، فالإنسانية
على امتداد الزمان والمكان، واختلاف الألسن والأعراق الألوان، تؤول بمقتضى ما ذكره
القرآن إلى أصل واحد".
وأشار الأمين العام، إلى أن نشر ثقافة التعارف وبناء علاقة التعاون بين أمم الأرض
ومجتمعاتها وثقافاتها وحضاراتها من شأنه أن يزيل فتيل التوتر بين الدول، ويقلل من النزاعات
والحروب بين الأمم، ويعمل على تنمية آفاق التواصل الحضاري وتعدد أشكال عمارة الأرض،
لافتاً إلى أن من مقاصد الإسلام تحقيق السلم العالمي وحفظ نظام التعايش بين الناس في
الأرض، لأن الإسلام رسالة رحمة للعالمين، ولا يتم التواصل والتفاعل الإيجابي مع هذه
الرسالة إلا بانتفاء عوامل التوتر والإكراه والحروب.
وقال عفيفي، إنه انطلاقًا من مفهوم الوحدة في النفس والأبوة والأخوة الجامعة
للإنسانية، أسس القرآن الكريم قواعد متينة للمشترك الإنساني من أجل التعارف والتعاون
والتكامل بين خلق الله أجمعين، فمدّد القرآن الكريم مبدأ الاندماج الاجتماعي مع المخالف
الديني إلى أخص الخصائص، وهي الحياة الزوجية، واللبنة الأساسية للمجتمع، وهو ما يجعل
المخالف في المجتمع الإسلامي يعيش كامل مواطنته بإيجابية عالية.
وتابع الأمين العام:" بهذا التأسيس العملي الفريد للعلاقة مع المخالف على
قاعدتي حماية الحقوق، والاندماج الاجتماعي، يكون القرآن الكريم قد استكمل شروط بناء
وتنمية المشتركات الإنسانية التي تعمل على تقوية التواصل الحضاري والتفاهم بين الشعوب
المختلفة".
وكان الإمام الأكبر قد استهل زيارته للبرتغال، الأربعاء الماضي، بلقاء عدد من
سفراء الدول العربية والإسلامية وأعضاء الجالية الإسلامية في لشبونة، مؤكدا أن الأزهر
الشريف هدفه البحث عن السلام والدعوة إليه والتمكين منه شرقا وغربا وإزالة ما بين الأديان
والمذاهب من صراعات مفتعلة.