رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


العناصر الرئيسية لقيمة الذهب على مر التاريخ

4-4-2018 | 15:36


بخلاف مظهره الجميل ، واستخدامه كعملة في الأزمنة الغابرة ، يبدو الذهب في نظر كثيرين معدن بلا قيمة ذاتية بخلاف ‏تلك التي يعطيه إياها البشر على مر التاريخقد يتبادر للبعض سؤال حول الأسباب التي تعطي للذهب هذه القيمة ‏الكبيرة برغم أنه ليس بأهمية بعض المعادن الأخرى مثل الحديد والنحاس .  

تكمن الإجابة في الأدوار المتعددة التي قام ‏بها الذهب على مر التاريخ والتي سنحاول إيجازها في هذه المقالة.‏

الذهب كوسيط للتبادل

واجه أسلافنا معضلة البحث عن وسيط لتسهيل عمليات التبادل بديلاً عن نظام المقايضة البدائيلم يكن هناك في البدايةإجماع على استخدام الذهب إلا أن السمات المفترضة للعملة المطلوبة جعلت من المعدن الأصفر هو الخيار الأفضل.‏

في البداية كانت القائمة طويلة وتضم بعض المعادن الهامة مثل الحديد والنحاس والرصاص والفضة والبلاديوم ‏والبلاتين والألومنيوم ، وأخيراً الذهب.‏

استبعد القدماء الحديد والرصاص والنحاس لأنها عرضة للتآكل مع مرور الوقت وبالتالي لم تكن تصلح للقيام بدورها ‏كمخزن للقيمةبعض المعادن الأخرى مثل الألومنيوم كانت خفيفة للغاية وبالتالي فشلت من الناحية النفسية في ‏استحضار مشاعر الأمان والقيمة المستقرة.‏

يطلق على البلاتين والبلاديوم وصف "المعادن النبيلةوهو ما جعلها في كثير من الأحيان اختيارات مرغوبة خصوصا ‏وأنها لا تتفاعل مع عناصر أخرى (وبالتالي ليست عرضة للتآكل). برغم ذلك لم يقع الاختيار على هذين المعدنين بسبب ‏ندرتها الشديدة وبالتالي عدم توفر كميات كافية لتدويرها في شكل نقود معدنيةبعبارة أخرى كان من المطلوب أن يكون ‏المعدن نادراً حتى يحتفظ بقيمته ،ولكن ليس إلى الدرجة التي لا تسمح بإنتاج القدر الذي يكفي الاحتياجات الكثيرة ‏والمتشعبة لتبادل السلع والخدمات.‏

وصلت هذه التصفية التدريجية خطوة تلو خطوة إلى اختيار الذهب كوسيط مثالي من الناحية الفيزيائية ،فضلاً عن بريقهالشديد والذي يعطيه قيمة خاصة في نظر الكثيرين ،على الأقل من الناحية النفسية.‏

الذهب كأداة للتحوط

مع تطور الحياة الاقتصادية والمالية في العصر الحديث خسر الذهب دوره الرئيسي كعملة للتبادلبرغم ذلك، وجد ‏المستثمرون في المعدن النفيس فوائد جمة خصوصاً بعد أن تعرضت أسواق الاستثمار التقليدية إلى انهيارات متتالية.‏

ينظر كثيرون إلى الذهب باعتباره أداة استثمار تحوطي وهو مفهوم ينصرف أساساً إلى الأصول التي تكفل للمستثمر ‏حماية من انخفاض قيمة الأصول الأخرىعلى سبيل المثال، تضاعف سعر الذهب خلال الفترةمابين 2002 إلى ‏‏2007،من 350$ إلى840$ للأوقيةجاء هذا الارتفاع متزامناً مع انخفاض الدولار الأمريكي بقيمة مماثلةالطلب ‏على الذهب في هذه الحالة كان نابعاً من التحوط مقابل انخفاض العملات الورقية ،خصوصاً الدولار الأمريكي.‏

تكرر نفس السيناريو بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 حيث صعد الذهب من 800$ إلى أكثر من 1900$ في ‏‏2011. جاء هذا الارتفاع أيضاً بدافع من رغبة المستثمرون في التحوط من انخفاض قيمة العملات الورقية ، ولكن هذه ‏المرة كان الخوف نابعاً من برامج التسهيل الكمي التي اتبعتها البنوك المركزية وخلقت قاعدة واسعة من الائتمان دون ‏غطاء اقتصادي حقيقي.‏

الذهب كملاذ آمن

توفر الملاذات الآمنة للمستثمرين الحماية من الكوارث الطبيعية أو الاقتصادية أو الماليةفي كثير من الأحيان،ينتاب ‏المستثمرين شعور بالفزع يصل أحياناً إلى درجة الخوف من الانهيار الكامل لمنظومة مالية أو اقتصادية معينة.

الأمثلة ‏كثيرة ولا حصر لها ، بدءاً من أزمة الديون في منطقة اليورو والخوف الذي رافقها من تفكك منظومة العملة الموحدة، وصولاً إلى ‏هجمات سبتمبر 2011 وزلزال تسونامي في اليابانتخوف الكثيرون من تلاشي قيمة الأصول التقليدية يدفعهم إلىاكتناز الذهب على الأقل حتى تمر العاصفة بهدوء.‏

هذه العوامل المجتمعة دفعت الكثيرون منذ زمن طويل إلى الإقبال على شراء الذهب حتى لأغراض استثمارية بحتةتطورت لاحقاً منتجات التداول في العصر الحديث لتضم حالياً بعض المشتقات المالية التي توفر للمتداولين أدوات ‏استثمارية لا تتطلب بالضرورة اقتناء المعدن الأصفر بشكل ماديمن أمثلة هذه المنتجات في العصر الحديث سنجد ‏العقود المستقبلية والعقود مقابل الفروقات والتي يمكن الوصول إليها عبر العديد من منصات التداول.‏

هذه الرحلة الطويلة للمعدن النفيس جعلت من المجتمعات والاقتصادات تضع ثقتها بشكل دائم فيا لذهب سواء لأغراضاستثمارية أو كملاذ أخير في الأوقات الصعبةولهذا السبب ظل الذهب محتفظاً ببريقه على مر التاريخ ، ولنفس الأسباب ‏سيظل محتفظاً برونقه لسنوات وسنوات قادمة.‏