رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بين الحكومة وأصحاب المصالح: لعنة الدولار ولعبة القط والفار

15-1-2017 | 14:17


إنها لعبة القط والفار بين التجار وأصحاب المصالح من جهة.. ومحافظ البنك المركزى د. هشام رامز من جهة أخرى!! الحكومة التى اتخذت موقف المتفرج منذ البداية.. تركت محافظ البنك المركزى وحيدا فى الملعب لمواجهة ألاعيب التجار حتى وجدت نفسها فجأة فى قلب “الحلبة” فالاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية شهر مارس الماضى بعد أن وصلت فى نهاية سبتمبر الماضى إلى ١٦ مليار و٣٣٥ مليون دولار فقط وهو ما يغطى ٢.٧شهر فقط من واردات مصر من الخارج أى ما يغطى أقل من ثلاثة شهور وهى الحد الأدنى للمعدل العالمى وهو ما يعنى أن احتياطياتنا من العملات الأجنبية المختلفة لا تغطى سداد قيمة احتياجاتنا من السلع المستوردة من الخارج إلا لمدة شهرين و٢١ يوما فقط وهو ما يقل عن معدل الحد الأدنى العالمى المتعارف عليه فى هذا الشأن والذى يتراوح ما بين ثلاثة شهور إلى ستة شهور.

رغم خطورة هذا الوضع على الأمن القومى للبلاد إلا أن الخطر يزداد إذا علمنا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يتخطاه إلى ما هو أبعد من ذلك خاصة فى المدى القصير حيث إننا مطالبون بسداد التزامين دوليين عاجلين يحل وقت سدادهما قبل نهاية يناير القادم أولهما خلال شهر أكتوبر الجارى وهو سداد مبلغ مليار دولار أمريكى تمثل الدفعة الأخيرة من الوديعة القطرية والالتزام الثانى تبلغ قيمته ٧٠٠ مليون دولار أمريكى تمثل قيمة قسط ديون نادى باريس والتى يتم دفعها مرتين فى العام أولهما فى يناير بقيمة ٧٠٠ مليون دولار والثانى فى أول يوليو بقيمة ٧٥٠ مليون دولار أى أننا مطالبون بسداد ١.٧ مليار دولار أمريكى بشكل عاجل من الآن وحتى يناير القادم بخلاف أقساط المستحقات المتأخرة لشركائنا الأجانب فى قطاع البترول وبخلاف قيمة الواردات السلعية الأساسية وخاصة الغذائية خلال الفترة القادمة وهو ما يعنى أن الاحتياطى الحالى مرشح لمزيد من الاستنزاف إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية على ما هى عليه وهو الأمر الذى أجبر الحكومة على التدخل فى قلب الحلبة للبحث عن مخرج ومالم تتدخل الحكومة بشكل عاجل بإجراءات مالية واقتصادية تزيد من موارد النقد الأجنبى للبلاد من جهة وتحد من الطلب عليها من جهة أخرى خاصة ان التراجع الذى أعلنه البنك المركزى يوم الأربعاء الماضى فى احتياطيات البلاد من النقد الأجنبى لم يكن الأول وإنما كان الثالث على التوالى خلال الشهور الثلاثة الأخيزة بدءا بالتراجع من ١٨،٥ مليار دولار فى نهاية يوليو الماضى الى ١٨ ملياراً و٩٦ مليون دولار فى نهاية أغسطس ثم هبط إلى ١٦ ملياراً و٣٣٥ مليون دولار فى نهاية سبتمبر مما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بداية الأسبوع الماضى إلى التدخل بعقد لقاء عاجل لرئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل ووزراء المجموعة الاقتصادية بجانب محافظ البنك المركزى لإيجاد الحلول العاجلة لمواجهة الموقف .

لاخلاف على تراجع مواردنا من النقد الأجنبى منذ بداية العام الجارى خاصة بعد التراجع الشديد للمنح والمساعدات النقدية من العملات الأجنبية التى تدفقت على مصر فى العام الماضى من أشقائنا فى دول الخليج العربى والتى وصلت إلى نحو ٣٠ مليار دولار أمريكى والتى لعبت دوراً أساسياً حتى استقرار أوضاعنا الاقتصادية وكان سندا حقيقيا لمصر وقت الشدة وزاد من حدة الأمر أن تزامن ذلك مع تراجع فى صادراتنا السلعية للخارج بنسبة بلغت ٢٢٪ بعد أن استمر هذا التراجع لثمانية أشهر على التوالى مما أثر على حصيلة البلاد من النقد الأجنبى ولاسيما أن الصادرات السلعية تمثل المصدر الأول للعملات الأجنبية للبلاد وقد أدى هذا الأمر إلى اتساع الفجوة فى ميزاننا التجارى بين الصادرات والواردات إلى ٣٨ مليار دولار أمريكى .. كما تزامن ذلك أيضا مع تراجع كافة موارد مصاردنا من العملات الأجنبية خاصة من السياحة أو تحويلات المصريين بالخارج أو الاستثمارت الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.

لكن..

بدلاً من أن تتم مواجهة هذا التراجع فى مواردنا بالنقد الأجنبى بتراجع مماثل فى إنفاقنا من العملات الأجنبية ليتماشى مع دخلنا ومواردنا حدث العكس تماماً وبدلاً من أن يتكاتف الجميع لمواجهة نقص مواردنا من النقد الأجنبى بدأت ألاعيب التجار وأصحاب المصالح فى استغلال الموقف بالضغط على السوق المصرفى بالبنوك لفتح المزيد من الاعتمادات لاستيراد أكبر قدر ممكن من السلع من الخارج بداية من السلع الاستفزازية والكمالية إلى تامة الصنع سواء لها مثيل محلى أو لا تمثل حاجة أساسية للمستهلك المصرى بل وصل الأمر إلى إغراق البلاد بسلع استهلاكية مستغلين انخفاض أسعارها فى الخارج لتقضى على المنتجات المحلية وتقود إلى إغلاق المصانع المصرية وتشريد عمالها وحينما تدخل البنك المركزى فى تحجيم الطلبات المبالغ فيها للاستيراد لجأ التجار إلى السوق السوداء للعملة لتشتعل سوق الدولار ويدفع الاقتصاد المصرى والمصريون الضريبة بمزيد من ارتفاع الأسعار فى الأسواق وكان من نتاج ذلك أن زادت وارداتنا من الخارج منذ يناير الماضى حتى الآن بنحو ٢٥٪ وتستنزف احتياطيات البلاد من العملات الصعبة لتصل إلى أدنى مستوياتها رغم أننا نعيش فى فترة حرب ضد الإرهاب تتطلب تكاتف الجميع لإعادة بناء الدولة المصرية بدلاً من تبديد مواردها فى سلع ومنتجات هامشية بداية من الحلويات المستوردة من تركيا ودول أوربا والفواكه الطازجة المستوردة إلى الألبان ومنتجاتها والفول المدمس والكافيار وغيرها لم تتوقف ألاعيب أصحاب المصالح والتجار فى سعيهم لاستغلال ما تتعرض له البلاد من أزمات طارئة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة عند هذا الحد بل أحجم كبار رجال الأعمال والمستثمرين عن ضخ أية استثمارات جديدة مما وعدوا بها فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ ولجأوا إلى أسواق العمالة المصرية بالخارج للاستحواذ على مدخراتهم وتحويلها مباشرة إلى حساباتهم البنكية لتمويل وارداتهم من الخارج وحرمان البلاد من حصيلتها لتزداد أزمة نقص العملات بالبلاد.

إن اتفاقية الجات وغيرها من الاتفاقيات التجارية لا تحرم أى دولة فى العالم من حماية منتجاتها الوطنية ومواجهة ألاعيب التجار ورجال الأعمال تتطلب التنسيق التام بين السياسات المالية والاقتصادية للحكومة مع السياسة النقدية للبنك المركزى وهو ما يتطلب ضرورة فرض سياسات التقشف فى الوضع الراهن.

واتخاذ التدابير المالية والتجارية اللازمة للاستيراد من الخارج سواء بفرض رسوم جمركية على الواردات غير الضرورية مع تحديد كمياتها أو غيرها من الإجراءات مع سرعة تفعيل قانون الاستثمارات الموحد لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة وقيادة حملة تسويقية ودولية لجذب السياحة للبلاد ولاستعادة مكانتها الدولية بما يتناسب مع الاستقرار الأمنى الذى تحققه للبلاد.

كما لابد من سد الفجوة من العملات الأجنبية لطمأنة المستثمرين الأجانب فى البورصة بتحويل استثماراتهم فى أى وقت حتى لو تطلب الأمر طرح سندات دولارية فى الأسواق الدولية فى ظل ما تشهده البلاد من استقرار وخاصة بعد نجاح تجربة الاكتتاب فى ١.٥ مليار دولار من قبل.

إن محاربة الروتين والبيروقراطية الحكومية فى التعامل مع المستثمرين والتسويق الجيد للمشروعات اللوجيستية لمنطقة قناة السويس وإصدار التشريعات الخاصة بها كفيل لجذب مليارات الدولارات من الخارج كما أن التصدى الجاد لألاعيب التجار يوقف ممارستهم غير المشروعة.

كتب : عزت بدوى