رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بلد شهادات صحيح!

15-3-2017 | 11:46


بقلم –  سامى الجزار

“عاوزين شهادة تثبت إنك متعلم” جملة صادمة أطلقتها موظفة المرور فى وجه صديقى عند تقديمه أوراق استخراج رخصة قيادة من إحدى وحدات المرور بالقاهرة.. الذهول كان سيد الموقف .. فصديقى مدير نظم ومعلومات (كما هو مدون ببطاقته الشخصية) كما أنه وصل فى التعليم لمراحل متقدمة (حاصل على ماجستير فى الإدارة) أى أنه مستوف جميع الشروط، سواء الأوراق أو تأهيله لقيادة سيارة، لكن السيدة الموظفة تصر على إثبات أنه «متعلم» فى «بجاحة» روتينية متناهية

.. وبعد شد وجذب وشرح لدرجته الوظيفية التى تثبتها بطاقته الشخصية ظلت السيدة الموظفة مصرة على موقفها الروتينى العقيم، فتذكر صديقى المتعلم أن معه شهادة المؤهل (البكالوريوس) ولكن باللغة الإنجليزية ومختومة بخاتم الكلية، فسخرت السيدة الموظفة منه بتهكم لا يصدر إلا من ........ قائلة «خليها لغاية لما نعين مترجم بالوحدة» فلم يكن فى الإمكان الصمود أمامها إلا برفع صوتنا فى وجهها تنفيساً عن العقم الروتينى القبيح.

وبعد وقت مستقطع من الانفعال قررنا التوجه للسيد الضابط مدير وحدة المرور الذى استقبلنا بترحاب وبشاشة، فاستبشرنا خيراً، وشرحنا الموضوع ووضحنا نقطة الخلاف (أو التخلف الروتينى) آملين أن يمتص غضبنا وينصفنا بإنهاء الأمر ببساطة، لكننا نفاجأ بصاعقة تشل تفكيرنا وتعجزنا عن الكلام.. فالسيد الضابط يؤيد السيدة الموظفة بضرورة إحضار المؤهل لاستيفاء الأوراق، لاحتمالية التزوير سواء فى الوظيفة أو البطاقة من الأساس.

عزيزى.. ماذا تفعل لو كنت مكانى؟..

تخيل أن السيد الضابط المنوط به اكتشاف التزوير مثلا لا يعرف أن البطاقة التى فى يده مزورة أم لا؟!.. تخيل أن السيد الضابط لا يعرف من سمات الشخص الذى أمامه وانفعالاته هل هو مزور أم لا؟!.. تخيل أن السيد الضابط لا يعرف اللغة الإنجليزية ولا يستطيع التأكد من ختم الكلية الموجود عليها!!!

تخيل كم الروتين الذى نعيشه.. تخيل كم المعاناة التى يعيشها المواطنون «المتعلمون» بسبب جهالة وعقم بعض الموظفين، وتخيل مدى المعاناة التى سيعانيها صديقى لاستخراج شهادة الكلية وكم الوقت المهدور لإثبات ما هو مثبت أساساً.. إنه الروتين الحكومى المعشش فى عقول «الموظفين» المسئولين عن تطويره، وليس العيب فى «الموظفين» القائمين على تنفيذه، الروتين جعل منظومة عقولنا لا تستجيب لإشارات التطوير والتحسين ومواكبة العصر، علينا أن نعى أن العدو الأسوأ الذى يواجه قاطرة التنمية الآن هو الروتين، وعلينا أن نواجه التأخر الفكرى للكثير من القيادات وأصحاب القرار الذين تعودوا أن يحافظوا على نمط السير داخل الحيط والسير على درب من سبقوهم خوفاً على كراسيهم ومناصبهم وخشية المخاطرة والشجاعة التى تتطبلها الرؤى الجديدة فى الفكر والتحديث، فتقرير التنظيم والإدارة يؤكد أن الروتين يعد أحد أسباب تعطيل وإعاقة العمل فى القطاعات الحكومية بنسبة ٤٠٪ وأن الجهود التى بذلتها الدولة بشأن الإصلاح الإدارى خلال الفترة السابقة شكلية ولا تحقق النتائج المرجوة بنسبة ٥٠٪.. هذا بجـانب الأخطـاء الشنيعة التى يرتكبها الموظف الذى أحياناً لا يجيد كتابة اسمـه.

يجب أن يكـون هناك عملية تطهيـر شـاملة وجـادة للجهاز الوظيفى فى مصـر، كمـا يجب تبسيط الإجراءات الإدارية فى المؤسسات الحكومية وإلغاء التعقيدات المكتبية وكثره الأوراق وطوابير المراجعين التي تعيق مصالح المواطنين وخدماتهم وتؤخــر إنجازها، وإنهاء هــذا الجمود البيروقراطــى والروتين العقيـم، وكذلك القضاء على تفشى مظاهــر الفساد والوساطة والمحاباة، إضافة إلى تدنى مستوى الخدمات الحكومية وبلادة الموظفين وتشجيعهم على إنجاز مصالح المواطنين، فلـن تتقـدم مصـر طالما استمرت هــذه الأوضـاع، واستمر الإصرار على تقديم شهادة إثبات إنك متعلم مع إن معاك بطاقة بتقول إنك متعلم... بلد شهادات صحيح!