غلابة المحروسة حكوا لنا قصصهم الإنسانية لــ «المصوّر»: ..ويبقى الفقر على ما هو عليه !
تقرير: أشرف التعلبى- محمود أيوب
غلاء الأسعار.. القمامة.. الفساد الإداري.. البطالة..الصحة.. التعليم... ملفات ينتظر المصريون تغييرها، بعد أن عانوا منها طوال سنوات عجاف.. «المصور» تجولت فى شوارع القاهرة لتستمع لآراء المواطنين، وما المطلوب ليشعروا بالرضا، فأحلامهم بسيطة لا تتعدى سوى تحسين ظروفهم المعيشية، وتخفيض الأسعار والتى أشتعلت كالنار فى الهشيم.
بنظرة تأمل وتفكير عميق يجلس سمير شكري، الرجل السبعينى متكئا على سور مسجد السيدة زينب، يمسك بيده اليمنى سيجارة، يطلق دخانها فيخفى وجهه المرهق للحظات، عندما اقتربنا منه وتحدثنا معه، قال: كنت أعمل فرد أمن بإحدى شركات الأمن، ثم تركت العمل بعد أن تم خصم نصف مرتبي، أنا لا أريد شيئا سوى أن أصبح «بنى آدم» له كرامة وحقوق وعليه واجبات، كل ما يشغل بالى الآن أن أجد وظيفة تكون مصدر رزقي، حتى أستطيع مواجهة أعباء الحياة القاسية.
«شكرى» بعدما التقط أنفاسه، أكمل بصوت مختنق: تركت بيتى وأسرتى لعدم قدرتى على تحمل مصاريف بيتي، فالأسعار مرتفعة جدا ولا أستطيع تحملها، «الناس بتكلم نفسها من غلو الأسعار، الغلبان مش عارف يشترى كيلو عدس ولا سكر ولا طماطم وحتى كيلو بدنجان وفلفل... الفقير ياكل إيه؟.. أنا عاوز الحكومة تسأل عن الغلابة، وتشوف هما بياكلوا إيه ويشربوا إيه».
بمحازاة الرجل السبيعنى، توقف الشاب العشرينى « إسلام الخواجة «، الذى يقود «توك توك»، ينقل الركاب ويهرب من عسكرى المرور، ليتقاضى من الراكب جنيهين أو ثلاثة، بكل بساطة وتفاؤل، قال: «خايف اتكلم معاكم، هو الكلام فى الصحافة حاجة كويسة ولا وحشة، أنا خايف على التوك توك».
بعدما تسرب شعور الطمأنينة إليه قليلا، أردف قائلا: «نفسنا فى الاستقرار علشان البلد تمشي، والأسعار ترخص، ولازم الحكومة تقنن وضع التوك توك علشان أمشى براحتى وأكسب رزقى بالحلال، إيه المشكلة لو تم ترخيص التوك توك، أنا أصلا كنت شغال نقاش لكن مفيش شغل فى النقاشه، علشان كدة ركبت توك توك».
زميله مصطفى إبراهيم صاحب الـ٢٧ عاما،الذى أراد البوح بكل ما بداخله، التقط طرف الحديث من «إسلام»، وقال: «أنا متزوج ومعى ثلاثة أطفال إبراهيم ٥ سنوات وملك ٤ سنوات وسامية ٦ سنوات ، نعيش فى المقابر(جبانة زين العابدين)، مش عاوز حاجة من الحكومة غير شقة ٤٠ مترا، نعيش فيها أنا وعيالي، نفسى أربى عيالى تربية كويسة ويدخلوا مدارس، مش كفاية عايشة فى المقابر، إحنا عايشين فيها من ٢٧ سنة، أنا مولود فيها، نفسى أشوف النور زى الناس، ونعيش فى شقة وحمام ومطبخ، كتر خير زوجتى إنها متحملة ظروفي، أنا قدمت على شقة من ٧ سنين ومحدش سأل فيا».
وأضاف: «أنا باخد ٥٠ جنيها كل يوم من صاحب التوك توك، لكن تعمل إيه والأسعار نار، والعيال عاوزة مصاريف كتير، حتى التوك توك كل شوية ضابط المرور يمسكنى وياخده وبادفع غرامة كبيرة علشان أستلمه.. باختصار علشان أحس بالرضا لازم الحكومة تسمعنى وتحس بيا».
أما حنان إبراهيم- محامية، فقالت: لابد أن تسيطر الحكومة على الأسعار، وتقضى على جشع التجار، الأسعار كل يوم فى زيادة، ويجب أن تضرب بيد من حديد على الإخوان والسلفيين لأنهم وجهان لعملة واحدة وهم خلايا نائمة، الإخوان يستغلون المشكلات ويقنعون بها البسطاء، لأنهم يريدون إشعال الفتنة وعدم الاستقرار فى البلد.
وعندما جاء الحديث إلى دور الحكومة، قالت: الحكومة مقصرة جدا فى ملف الصحة ،وهناك تقصير كبير فى الإمكانيات والأطباء والأدوية، فسعر الأدوية مرتفع جدا، ولا يستطيع الفقير أن يشترى العلاج، أيضا التعليم سييء جدا ، ولا يتناسب مع بلد يريد أن يتقدم.
وقبل أن تتركنا اختتمت حديثها بقولها: الشعور بالرضا سيكون أمر ا واقعا عندما تنخفض الأسعار وتتحقق العدالة الاجتماعية، وأن تقضى الحكومة على الفساد المستشرى فى كل المؤسسات والهيئات، وعلى الحكومة أن تتابع «السوشيال ميديا» لترى كيف يفكر الناس، ومن لا يستطيع تحمل المسئولية والعمل من أجل البلد يرحل، ليأتى القادر على تحملها.
يسير بعربته الصغيرة، حاملا فوقها أكياسا من القمامة المتناثرة بالشوارع، رغم كبر سنه ، إلا أن ملامحه تشير إلى أنه سعيد بالتنقل فى الشوارع يحافظ على نظافتها، محمود عبدالعظيم صاحب الـ ٥٦ عاما، قال: «الناس بترمى الزبالة فى الشارع وفى كل حته، الناس غريبة ترمى فى الشارع جنب الصندوق، والصندوق فاضي، لازم الناس تتغير وتحافظ على البلد من القمامة، إحنا شعب كسلي، والواحد يصحى من النوم يرمى كيس الزبالة من البلكونة فى الشارع».
أما عثمان سعد عبدالغني،فلاح، قال: مطلبى وأمنيتى أن تهتم الحكومة بالفلاح، ولابد أن تقوم الحكومة بعدة أمور تلبى طموحات الفلاحين وهي: إعادة النظر فى توزيع الأسمدة، والتوسع فى زراعة المحاصيل التعاقدية، وتأمين صحى لكل فلاح، لأن الفلاح لا يقل أهمية عن الموظف والجندى على الجبهة، فنحن أيضا على جبهة زراعة الأرض، ولابد أيضا من إعادة النظر فى سياسة بنك التنمية والائتمان الزراعى حتى يخدم الفلاح، والعمل على تطهير الترع والمصارف لتصل المياه للأراضي، وإعادة النظر فى حصة المياه لكل محافظة، لأن حصة المياه لا تكفى الآن، حيث إن الفلاح يعتمد على المياه الجوفية مما يؤثر على خصوبة التربة.
«عبد الغني» أنهى حديثه بمطالبته بنشرة استرشادية بالنسبة للمبيدات الزراعية المسرطنة، والوقوف بجانب الدولة لمحاربة المبيدات الفاسدة التى تجلب الأمراض التى تدمر الصحة.
من جهته قال عبده محمود أبو العلا - ٥٩ عاما: « أكثر ما يهمنى من الحكومة الآن هو تخفيض الأسعار التى ارتفعت بشكل جنوني»، «أبوالعلا» الذى أصيب بحريق فى قدمه اليمنى أضاف بلغته البسيطة:» مهما نتكلم ونطلب من الحكومة مفيش حاجه بتتنفذ، وكأننا بننفخ فى قربه مقطوعة، ويبقى الحال كما هو عليه، الأسعار بترتفع والبطالة بتزيد».
وأضاف: «حالة زوجتى الصحية غير جيدة، وابنى اضطررت لإخراجه من التعليم بسبب حالتنا الاقتصادية، و دخلى من بيع الجرائد فىى اليوم ٣٠ جنيها، وباخد ٤١٠ جنيهات معاش ضمان اجتماعى، أنا لو سبت بيع الجرائد مش هلاقى أكل أنا وابنى ومراتي، ومكسب الجرائد يا دوب بيكفينى بالعافية، يوم نشترى حتة جبنه، يوم فول وطعمية، ولو ربنا كرمنا بتاع الفراخ بيعطف علينا بشوية أوراك فراخ، أنا مش عايز حاجه من الحكومة غير « كشك» صغير أبيع فيه الجرائد وآكل منه عيش بدل من الرمية اللى أنا فيها فى الشارع، ويرحمنى من البرد أنا بنزل الفجر كل يوم، وبدل ما البلدية كل يوم بتطردني».
أما «مؤمن» البالغ من العمر ٢٣ عاماً من محافظة الفيوم، يقيم حالياً هو وأسرته فى أحد أحياء القاهرة كل ما يطلبه هو تخفيض الأسعار، خاصةً أنه يبيع الخضراوات على عربية « كارو» ينتقل بها فى شوارع المحروسة هو وشقيقه الأكبر، بلغته البسيطة أضاف مؤمن:» المفروض الحكومة تحس بالغلابة اللى زينا وتنزل فى الأسعار بدل ما هى كل شوية ترفع سعرها، حد يقول إن كيلو البصل اللى كان بـ ٢ يبقى بـ ٦ جنيهات ، أول مرة يحصل كده، ده غير الخضار اللى بقى سعره نار».
سيد عبد السلام علوان من محافظة الفيوم فى مطلع الأربعينيات من عمره ـ بائع شنط ـ قال:»اللى مخلينى سايب بلدى وولدى وزوجتى وببيع شنط فى القاهرة قلة الفلوس، ولولا كدا ما سبت بلدى ولا شلت شنط»، مضيفاً:» أنا بعول ٦ بنات وزوجتي، وأنا معنديش حاجه ولا وظيفة ولا أرض، ونفسى الأسعار تنخفض، لأن الناس الغلابة عايزه تاكل، والشغلانه اللى أنا بشتغلها يا دوب بتجيب ٣٠ أو ٤٠ جنيها يعملوا إيه، ونفسى أجوز بناتى الـ٦ «.
التقطت شيماء محمود صاحبة الثلاثين عاماً تعمل فى مركز البحوث الزراعية طرف الحديث وقالت:»الشعب غضبان من الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار، حتى أسعار المياه والكهرباء ارتفعت، وهى الناس تعبانه من إيه ؟ ما هو من الغلاء، دا بخلاف انتشار الفساد فى جميع مؤسسات الدولة، وياريت يكون فى محاسبة لهذا الفساد».شيماء طالبت الحكومة بمراقبة الأسعار والقضاء على جشع التجار فى الأسواق ، وأن يكون هناك تسعيرة استرشادية للسلع، مضيفةً:» مفتشين التموين بينزلوا ياخدوا رشاوى ويمشوا ولا كأنهم عملوا حاجة، و منهم اللى مش بينزل وقاعدين فى مكاتبهم تحت التكييفات، والله أنا شفت ناس بتاكل من الزبالة، بالله عليك دا يرضى مين، يرضى ربنا، لازم الحكومة يكون عندها نظرة للغلابة.
بلغة بسيطة أكملت «شيماء» حديثها بالقول:»الحكومة سايبة البلطجية شغالين ليه ؟ ما ينزلوا يقبضوا عليهم، هما اللى مخربين البلد، وللأسف إحنا عايشين فى بلد البقاء للأقوى، واللى صوته عالى هو اللى بيكسب، أنا والدتى علشان كانت عايزة ترصف الشارع صرخت فى وش الراجل ودفعت له عشرين جنيها علشان يرصفه دا حرام ولا حلال».
عرفه عبدالستار -بائع روبابيكيا ٤٧ سنة قال محاولا السيطرة على غضبه:» إحنا مش عايزين من الدولة غير اللقمة النضيفة، وتنزل لنا فى الأسعار، أنا مليش رزق غير الشغلانة اللى أنا بشتغلها ويا دوب بتكفينى بالعافية، حتى الروبابيكيا الحكومة دخلت فيها وعايزة تقطع عيشنا، وعايزين هما اللى يشتروا الروبابيكيا ويقعدونا إحنا فى البيت، مضيفاً:» المياه والكهرباء زادوا بشكل كبير يرضى مين ، إحنا مش عايزين غير اللقمة الحلال، لأن لو الحال استمر زى ما هو، كتير مننا هيسرق علشان ناكل لقمة العيش».