رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أخطاء الوزراء يتحملها الفقراء

15-3-2017 | 13:51


بقلم –  محمود الحضرى

أثبتت تجربة أزمة الخبز وتعامل وزارة ووزير التموين مع «الكروت الذهبية» أن المواطن هو الحلقة الضعيفة في منظومة الدعم، ففي الأغلب تأتي معالجات الوزراء لأخطاء الحكومات المتتالية على حساب الشرائح الأدني في المجتمع، ويتحملون فاتورة كل الأخطاء، بينما يستفيد منها ويستغلها الجناة والتجار في أقوات المصريين. وقضية «الكروت الذهبية» مثال واضح وصريح على المعالجات السريعة للقرارات الخطأ في الوقت الخطأ وللقضايا المُرحلة من وزير إلى وزير، بل من حكومة إلى حكومة، واتباع سياسة التأجيل، ليتحمل التالي المسئولية.

والقضية لم تأتِ فجأة ولم تهبط من السماء على رأس وزير التموين الجديد الدكتور علي مصيلحي، بل عمرها عمر تطبيق منظومة الخبز في العام ٢٠١٤، والتقارير حول الأخطاء فيها متراكمة، والشكوى من استغلالها له تاريخ، ومكاتب مديريات وإدارات التموين والوزارة نفسها مملوءة بمئات آلاف آهات المتضررين المكتوبة والمكتومة منها، دون أن يسمع لهم أحد.

بل الأكثر أن آلاف المواطنين الحاملين للبطاقات الورقية، حفيت أقدامهم من المرور يومياً على مكاتب وإدارات التموين لاستخراج بطاقات ذكية دون جدوى، وعلى وزير التموين أن يمر يوما على مكاتب التموين «اللإنسانية” في مختلف بقاع البلاد ليعرف الحقيقة بنفسه، دون أن يعتمد على التقارير المكتبية، ليقف على مشاكل الباحثين عن بطاقة يصرفون بها لُقيمات تقيهم الجوع في زمن «الغلاء العظيم».

صحيح أن الوزير أراد إصلاح خطأ قديم، ربما لا يكون مسئولاً عنه؛ ولكن أصبح بحكم منصبه مسؤولاً عن مجمل ما تديره الوزارة، باعتبارها وزارة خدمات مسئولة عن كل ما يتعلق بـ «الممم» أو «أكل الناس»، إلا أن القصة تؤكد أن المعالجة جاءت بالطريقة الخطأ، وبالأولويات الخطأ، وعلى حساب غير المستهدفين، ودون وضع خطة تنفيذية تتجنب التداعيات المتوقعة.

ولا خلاف على أن خسائر الكارت الذهبي تتجاوز مليار جنيه من الدعم المخصص للخبز، والسبب وجود اختراقات، ربما متعمدة، لنظام صرف الخبز من البعض، مستخدمين الكارت الدوار وهو ما أدى إلى حالة من الاستنزاف المستمر لدعم الخبز، والذي يبلغ ٢٩,٤ مليار جنيه، بنسبة ٧١,٥٪ من الدعم السلعي، وبنسبة ٢٦,٢٪ من الدعم العام الذي بلغ في ميزانية العام المالي الجاري ١١١,٩ مليار جنيه، وهو ما يعد استنزافا للدعم ومواجهته ضرورة؛ ولكن كثيراً ما تأتي بطرق غير مدروسة.

الوزير الدكتور علي مصيلحي بدا أنه كان متسرعاً في قراره، دون أن يدرس العواقب، ويضع الأولويات للمعالجة، ونتيجة تسرّعه، تلقف خطأه أصحاب المخابز وآخرين، لأنه لم يكن يعلم أن هناك أكثر من ٢٠٠ ألف أسرة تنتظر أمام مخابز «العيش» لتحصل على حصتها اليومية من الخبز، لتفاجأ بقرار يحرمها، أو يخفض حصتها اليومية من أرغفة الخبز التي لا تكاد تكفي يوماً في ظل موجة الغلاء التي يكتوى بنارها أهل البلاد.

وبدلاً من أن يضع الوزير ووزارته خطة شاملة للحل تبدأ بحل مشكلات وزارته مع أصحاب البطاقات الورقية المعطلة بفعل فاعل، أو لسوء تخطيط، أو لحل مشكلات أصحاب البطاقات التالفة أو المفقودة، وفشل كل محاولاتهم في الحصول على بطاقاتهم نتيجة تفشي البيروقراطية والروتين في وزارة بدا أنها عقيمة، بدلاً من كل هذا، فقد بدأ الحل من آخر خطوة متخطياً كل الأولويات، بوقف صرف الخبز، مع صباح الثلاثاء الأسبق عن طوابير البشر، وخصوصاً حاملي البطاقات الورقية، أمام المخابز في محافظات ومناطق عديدة في ربوع البلاد.

التجربة كلها سلبيات وأخطاء، وكان من الممكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، وصحيح أن الوزير حاول الاعتذار عن خطئه، بإعادة تفعيل حصص بعض «كروت الخبز الذهبية» في محاولة لامتصاص حالة الغضب التي تسبب فيها قرار مُتسرّع، من معاليه، إلا أن ما حدث يبقى نقطة مهمة للدراسة والتحليل، لتفادي التكرار.

وقد اعتدنا أن الخطأ في اتخاذ القرار دون دراسة العواقب، دائماً، بل في العموم، يتحمله الفقراء والغلابة في هذا المجتمع، فمعالي الوزير ليس من بين من ينتظر رغيف الخبز صباح كل يوم، وليس أيضاً رئيس الوزراء والسادة أعضاء الحكومة ووكلاء ومديري التموين، من بين الناس الذين يقتاتون كل صباح وكل ظهيرة وعشية على رغيف خبز، ولا بديل لهم غيره، لأنه رغيف «العيش» هو «ترياق الحياة» لهم.

مثل هذه التصرفات من الوزراء والمسئولين تصبح فرصاً سهلة للإضرار بأي جهود تسعى الدولة لإصلاحها، سواء من حيث صورة مصر في الخارج وفي الإعلام، والأهم أمام جمهور الناس في الشارع المصري، وبين هذا الشعب الذي أراد أن يتحمل فاتورة إصلاح لفساد وسياسات ليس لسوى أن من يدير مصالحه يقفون في مكان آخر غير هذا المكان الذي يعيش فيه أبناء هذه البلاد.

ثم إن خطأ الوزير جاء متزاماً مع ما كشفت عنه وزارة العدل الأمريكية ومن خلال موقعها الرسمي عن أن المخابرات العامة المصرية تعاقدت في ٢٨ يناير الماضي مع شركة «ويبر شاندويك» الأمريكية، والتي يقع مقرها الإقليمي في مدينة دبي، من أجل تحسين صورة مصر في الولايات المتحدة، وذلك مقابل ١,٢ مليون دولار سنويا.

والسؤال هنا، أليست أخطاء الوزراء في معالجة الأمور هي الباب لاستنزاف أموال الشعب في تبييض وتحسين صورة الحكومة المصرية، ثم إنه مع تكرار هذه الأخطاء، كيف سيصلح معها أية تعاقدات مثل تلك التي وقعتها مصر مع «ويبر شاندويك»، في مساعدة الحكومة المصرية في تسليط الضوء على التطورات الاقتصادية في البلاد، وعرض جهودها فيما يخص المجتمع المدني، وأن وزراءها يضرون بالمجتمع المدني بتصرفاتهم وقراراتهم، من الجانب الآخر.

ولا يعنيني هنا الجزء الخاص من عقد شركة «ويبر شاندويك»، والخاص بالترويج للشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولدور مصر في إدارة المخاطر الإقليمية”، فما يعنيني هو أن يتأنى الوزراء في قراراتهم، وأن تخضع للدراسة والبحث لتجنب تداعيات أخطائهم، فكفى هذا الشعب ما يتحمله يومياً من كوارث، وكفى مصر من يتصيد لها الأخطاء.