بقلم – عبدالقادر شهيب
قد يرى البعض أنه من المبكر طرح مثل هذا السؤال الآن، خاصة أن هذه الانتخابات الرئاسية سوف تتم بعد نحو خمسة عشر شهرا، فضلا عن أن الرئيس السيسى لم يفصح بعد عن عزمه خوض هذه الانتخابات.. ولكن هذه أمور مردود عليها.. فإن فترة خمسة عشر شهرا ليست فترة طويلة فى المنافسات الانتخابية بشكل عام، بالنسبة لنا فإن الحديث حول الانتخابات الرئاسية المقبلة فى العام القادم قد بدأ منذ منتصف العام الماضى، حينما سعى البعض للبحث عن مرشح ينافس الرئيس السيسى فى هذه الانتخابات.. أما بالنسبة لموقف الرئيس السيسى بالنسبة للترشح لفترة رئاسية مقبلة فهو قد تحدث من قبل عن ذلك وجاء حديثه ليترك الأمر مفتوحا، حينما رهن الأمر برغبة المصريين.. وحتى إذا كان الرئيس السيسى أنه من المبكر أن يعلن الآن حسم أمر ترشيحه لفترة رئاسية ثانية، فإن ذلك لا يلغى ضرورة الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة التى سوف تجرى فى العام القادم.
ولأن المرشح عبدالفتاح السيسى ليس مواطنا عاديا وإنما هو رئيس للجمهورية فإن استعداده للانتخابات الرئاسية الجديدة يتعين أن يكون مختلفا عن أى مرشح آخر غيره، ليس فى حاجة سوى لتقديم برنامج انتخابى خاص به حافل بالوعود بالطبع مع ممارسات وأعمال وتصرفات ومواقف وقرارات الحكم الحالى.. الرئيس عبدالفتاح السيسى سوف يحتاج أن يتقدم مع البرنامج الانتخابى بما أنجزه وحققه فى الفترة الرئاسية الأولى له فى شتى المجالات.. وإذا كان الرئيس السيسى لديه كتاب إنجازات كبير فى مجالات عديدة، فإن هذا الكتاب يحتاج أن يكتمل ببعض الأمور والخطوات والأعمال التى صارت ملحة وضرورية بالنسبة للمواطنين.
ففى حربنا ضد الإرهاب نحن أنجزنا الكثير إذا قارنا حالنا عام ٢٠١٣ بحالنا الآن.. فقد حمينا كيان دولتنا الوطنية من التقويض التى استهدفتها مؤامرات عديدة شاركت فيها قوى إقليمية ودولية واستعدنا استقرارنا السياسى، بل ونجحنا فى تقويض العديد من التنظيمات والجماعات الإرهابية التى هددتنا خلال السنوات الماضية.. غير أن حربنا ضد الإرهاب لم تنته بعد، ومازلنا نتعرض لمخاطر هذا الإرهاب.. ولذلك فإننا فى حاجة ماسة فى الفترة المقبلة لإنجاز أو انتصار آخر يضاف إلى ما سبق أن حققناه من انتصارات متتالية فى حربنا الضارية ضد الإرهاب التى نخوضها.. وهذا الإنجاز والانتصار يتمثل فى استعادة الأمن مجددا لشمال سيناء بصفة عامة ولمدينة العريش بصفة خاصة مع الاستمرار فى العمليات التنموية التى تتم فيها الآن.. وسيكون هذا الإنجاز أو الانتصار واضحًا وماثلًا أمام أعين عموم المصريين ليس بتوقف العمليات الإرهابية، فهذا أمر لن يتم إلا بتصفية كاملة لكل التنظيمات الإرهابية ليس فى بلادنا وحدها وإنما فى كل منطقتنا وتوقف الدعم المالى واللوجستى الذى تحصل عليه هذه التنظيمات الإرهابية، وإنما سيكون هذا الإنجاز أو الانتصار واضحا وماثلا فى أعين المصريين حينما يرون من اضطروا لمغادرة العريش يتمكنون من العودة والعيش فيها مجددا مثلما حدث مع أهالى مدينة الشيخ زويد من قبل الذين سبق لهم مغادرة مدينتهم بسبب ظروف الحرب مع الإرهاب وعادوا إليها فى العام الماضى مجددا..
ويقترن بهذا الإنجاز أو الانتصار، إنجاز آخر ضرورى يتمثل فى اتخاذ خطوات من قبل كل أجهزة ومؤسسات الدولة، وليس المؤسسات الدينية فقط لمواجهة التطرف الدينى.. وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فإن خطوة البداية هنا تتمثل بالضرورة فى مراجعة المناهج الدراسية على الأقل للسنوات الأولى فى المرحلة الابتدائية لنضمن أن أجيالنا الجديدة مؤمنة حقا وصدقا بقيم المواطنة والمساواة والعيش المشترك والتسامح وتنبذ التطرف والتعصب، ولنحمى أبناءنا وبناتنا من الوقوع فى براثن التنظيمات الإرهابية لتصنع منهم وحوشا آدمية، تقتل وتخرب وتدمر، كما حدث لنا وعانينا منه حتى الآن.. فإن التطرف الدينى هو الذى يبقى التنظيمات الإرهابية على قيد الحياة حتى الآن، لأنه يمنحها القدرة على تجديد شبابها بغواية أعضاء جدد، وبالتالى تطول حربنا ضدها وتزيد تضحياتنا ويتضرر اقتصادنا بسبب إرهابها المستمر ويتعرض أماننا لتهديداتها، كما رأينا فى مدينة العريش مؤخرًا عندما اضطرت أسر مصرية عديدة (مسيحية ومسلمة) لمغادرتها حفاظًا على حياة أفرادها.
أما فى معركتنا الأخرى لإصلاح أوضاعنا الاقتصادية والخلاص من الأزمات التى حاصرتنا اقتصاديا، فإن عموم المصريين أو الأغلبية الساحقة منهم، الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، تحتاج إلى إنجاز واضح وملموس أيضًا يتجاوز ويتخطى تحسن المؤشرات الاقتصادية، مثل ارتفاع معدل النمو وانخفاض عجز الموازنة العامة، وتحول ميزان المدفوعات إلى تحقيق فائض بعد أن كان يحقق عجزا فى السنوات الماضية، وارتفاع احتياطياتنا من النقد الأجنبى التى يحتفظ بها البنك المركزى، وزيادة الاستثمارات الوطنية والأجنبية.. فالناس كما كتبت عام ٢٠٠٧ لا تأكل مؤشرات اقتصادية.. الناس الآن فى بلادى يبحثون عن خلاص لمشكلة الغلاء الفاحش الذى يتعرضون له والتضخم الكبير الذى يلتهم دخولهم الحقيقية وبالتالى يؤدى إلى انخفاض مستوى معيشتهم، وهو التضخم الذى لا يتوقف عن الزيادة حتى الآن وصل طبقا لتقديرات التعبئة والإحصاء الشهر الماضى لأكثر من ٣٠٪، وطبقًا لتقديرات البنك المركزى .٣٣٪
وهكذا فإن الإنجاز الواضح الملموس الذى يتطلع إليه معظم المصريين الآن من الرئيس السيسى هو أولا السيطرة على معدل التضخم ووقف تزايد حدة هذا الغلاء الفاحش بدون إبطاء أو طول انتظار، ثم ثانيا بدء تخفيض معدل التضخم وبالتالى تقليل حدة هذا الغلاء الفاحش، وهو ما سيعزز آمالهم فى أن يصل هذا التضخم إلى حدود مناسبة مثل الدول المستقرة اقتصاديا وأن يأتى فرج قريب يتخلصون به من هذا الغلاء الفاحش.. وبالطبع معروف أن ذلك مرهون بإصلاح أوضاع الاقتصاد المصرى كلها، والذى يلخصه زيادة معدل النمو الاقتصادى الذى يساعدنا على توفير احتياجاتنا الأساسية، ولكن حتى يتحقق ذلك وهو ما سيحتاج وقتا من الممكن أن يحدث اختراق من خلال تفكيك الأوضاع الاحتكارية التى تسيطر على أسواقنا وتسمح بوجود هوامش ربح ضخمة وهائلة تتراوح أحيانا ما بين ١٠٠٪، ١٥٠٪ يحصل عليها بعض كبار المنتجين وكبار المستوردين وكبار التجار.. ولعل ذلك يعد المواجهة الأكثر نجاحا للفساد فى بلادنا.. فالاحتكار من أبشع صور الفساد فى بلادنا.. وهذا الفساد لن نتخلص منه ليس فقط بتفعيل دور الأجهزة الرقابية، كما نراه الآن جليا فيما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية، لأن الفساد لدينا ليس له وجه واحد هو الرشوة، وإنما له وجوه عديدة من أخطرها ذلك الاحتكار الذى يحرم أغلبية المصريين من الحصول على احتياجاتهم الأساسية بأسعار مناسبة فى حدود دخولهم الحقيقة المنخفضة، فهذا فساد أكبر من الرشاوى، ومن إهدار المال العام وأيضًا من التربح من الوظيفة الحكومية.
ويتبقى فيما يخص استعداد الرئيس السيسى للانتخابات الرئاسية المقبلة أن يحمل فى كتاب إنجازاته وهو يتقدم للناخبين المصريين مجددا العام القادم إنجازا ملموسا وواضحًا أيضا فى المجال السياسى، وتحديدا ما يخص عملية التحول الديمقراطى، بالإضافة إلى ما سبق أن حققه فى هذا المجال، وخاصة ما يتعلق بإعلاء شأن مبدأ المواطنة الذى يساوى ما بين المواطنين رغم اختلاف الجنس والانتماء الطبقى والاجتماعى والعرقى والجغرافى والدينى والسياسى، فإننا نحتاج لإنجاز مزيد من الخطوات على طريق التحول الديمقراطى ومع الأخذ فى الاعتبار أننا نخوض حربا ضارية وشرسة ضد الإرهاب، ومؤامرات تستهدف النيل من كيان دولتنا الوطنية ويسعى أصحابها إلى نشر الفوضى وعدم الاستقرار فى بلادنا.
وإذا كانت الانتخابات البرلمانية التى أنجزناها وأقامت لنا برلمانا تمثل نقلة فى اتجاه التحول الديمقراطى، فإن إجراء الانتخابات المحلية التى تأخرت لعدم إنجاز القانون الخاص بها حتى الآن، سوف تكون خطوة أكبر من خطوة تأسيس البرلمان، لأنها ستزيد من مساحة المشاركة فى صنع القرار السياسى وفى إدارة شئون المحافظات المختلفة، وستوسع من الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية، خاصة الإدارة التنفيذية فى المحليات، والتى يعانى عموم المواطنين منذ سنوات من فسادها وبيروقراطيتها.
ومع الانتخابات المحلية سيكون إجراء تعديلات على قانون النظام ضروريا بعد أن أقرت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية بعض مواده، مثلما سيكون ضروريا أيضًا تعديل قانون العقوبات لتقليص فترة الحبس الاحتياطى حتى لا يظل مواطنون محبوسين لفترة طويلة دون إحالتهم للمحاكمة ليفصل القضاء فى الاتهامات الموجهة إليهم.. كما سيكون ضروريا حسم أمر قانون الجمعيات الأهلية الجديد الذى أقره البرلمان متفردا مؤخرًا، دون الأخذ فى الاعتبار ملاحظات وزارة التضامن الاجتماعى، وتجاهل مشروع قانونها الذى كان يحظى بقدر أكبر من التوافق من العاملين فى النشاط الأهلى والمجتمع المدنى.
وأعتقد أن ما تبقى لنا من شهور خمسة عشر شهرا على إتمام الانتخابات الرئاسية تكفى لتحقيق ذلك كله سواء فى حرب الإرهاب ومعركة الإصلاح الاقتصادى أو عملية التحول الديمقراطى حتى يخوض الرئيس السيسى الانتخابات الرئاسية بما يحتاجه فيها للحصول على أصوات الناخبين.