رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بالصور.. محققون: رحلات الحج مرجعيات مهمة لثقافتنا العربية والاسلامية

5-5-2018 | 23:23


ثلاث رحلات صدرت ضمن مشروع "100 رحلة حج"  المهدى لاسم الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي صدرت هذا العام ضمن جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي يرعاها الشاعر الإمارتي محمد أحمد السويدي. وضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 28 كان ندوة "الأفق المعرفي والتطلعات الروحية في رحلات الحج" أدارها الشاعر نوري الجراح وناقشت هذه الأعمال دورها وتأثيرها وما أحاط بها. 

كانتالجلسة بالغة الأهمية، حيث تناولت الرحلة الناصرية الكبرى، وهي ثاني الرحلات المغربية الكبرى التى كتبت فى القرن الثامن عشر، بعد رحلة محمد بن أبي سالم العياشي، الصوفى والعالم المغربي الكبير والذي ترك ديوان علم وأدب وجغرافيا وتاريخ، وهو مجموع بكتابه الرحلة العياشية وقد حققت هذه الرحلة من قبل وصدرت فى مشروع ارتياد الآفاق قبل 15 عاما فى جزئين كبيرين بفضل الراحل د.سعيد الفاضلي وهو أحد الذين ساهموا فى تأسيس مشروع ارتياد الآفاق،ود.سليمان القرشي.

 

وقال نوري الجراح في تقدمته للندوةأنه إذا كانت الرحلة الناصرية ثاني الأعمال الكبرى،والتى دونت بصفتها رحلة على طريق الحج، وعندما نقول رحلة للحج، فإنما نتحدث عن ما هو أكبر وأبعد من مسار يبدأ بمنطلق الرحالة وينتهي مقصده فى مكة والمدينة، المسار هنا ووقائعه وصولا إلى مدن والاقامة فيها ومغادرتها على طريق الحج الذي كان فيه عقدة بالنسبة للحج المغربي غالبا هي مصر.. وهذا المسار وما يعرض للرحالة وما يدونه على هذا الطريق وما يستعيده، تتحدد غالبا قيمته من خلال شخصية الرحالة، من هو  الرحالة؟هل مجرد حاج أم باحث عنالمعرفة؟..  إذن محمد بن عبدالسلام الناصري، هو أحد هؤلاء الذين تركوا أثرا كبيرا، يعتز به المغاربة ويحقق للمرة الأولى، له هناك رحلتان الرحلة الناصرية الكبرى والرحلة الناصرية الصغرى وقد سبق لنا من خلال هذا العمل من مشروع ارتياد الآفاق الرحلة الناصرية الصغرى. لن أصادر على د.المهدي الغالي محقق هذا العمل، ولكن أريد أن أشير إلى أن هذا العمل والأثر وغيره من الآثار للرحلة العياشية، هو مشروع متكامل لتحقيق ونشر مائة رحلة حج، وضعت على مدار القرون، وهذه الرحلات هي من المغرب إلى المشرق، ومن المشرق في المشرق، وبعضها من جغرافيات لمناطق أبعد من منطقة اللغة العربية، مثل إيران وتركيا والهند أيضا، لأننا نترجم الآن ونشتغل على استحضار رحلات مثل رحلة "ناصر خسرو" التى هى رحلة حج، وأيضا رحلة معرفية كبرى كتبت باللغة الفارسية. إذا مجموعة الرحلات هذه التى هي مجموع كاشف ليس فقط لقيمة ومكانة المكان المقدس، وإنما أيضا للشبكة الحضارية الواسعة للحضارة العربية والاسلامية التي نهضت على طرق الحج المتعددة، كما يمكننا أن نتحدث عن طريق الحرير بوصفها طرقة للتجارة والمعرفة، وانتقال المعرفة عبر رحلات التجار، كذلك هو الحال وربما على نحو أكثر مرجعية بالنسبة لثقافتنا العربية والاسلامية، هى رحلات الحج، هى رحلات صوفيين، علماء، مفكرين، حجاج، باحثين عن وسيلة الاتصال مع أرض الوحي ومهبطالنور.

 

وتحدث د.المهدى الغالي محقق الرحلة الناصرية الكبرى1782لمحمد بن عبد السلام الناصري التمكروتي،مشيرا إلى أن نشأة الحضارات نتيجة تأثير وتأثرانتقال الانسان، وأن المغرب عرف وعلى مر العصور انتقال هجرات بشرية فى أغلبها المصدر الشرق أو الشمال، وفى حالات قليلة الجنوب، لكن مع وصول الإسلام الى الغرب الاسلامي، بدأنا نعي ونشهد رحلات فى اتجاه الآخر الشرق خاصة أن المسلم يري من أهم فرائض الإسلام وأركانه أداء فريضة الحج، فكان يتم اختيار علماء أو رجال ذو مكانة لقيادة ركب الحج، ومن بين الطوائف الفئات التي نظمت حجا خاصا بها الطائفة الناصرية، والتى ينتمي إليها صاحب الرحلة محمد بن عبدالسلام الناصرى، هى معروفة فى المغرب وبفضل شيوخها عرفت فى المشرق، أسسها الشيخمحمد بن ناصر فى منطقة درعا بمنطقة زاجورا وبالضبط منطقة تمكروت، هذه الزاوية أصبحت لها صيت أولا فى المغرب، ناهزت فى القرن السابع عشر  أكثر من 300 زاوية، لتنتقلعبر مسار الرحلة إلى المشرق لنجدها فى الجزائر و تونس ومصر ومشارف منطقة الحرم، ومن بين الذين اشتهروا بهذا المجال أحمد بن ناصر، هذا الرجل الذي واكب ورافق وفد الحج، هذا الوفد الذي كان عبارة عن مجتمع متنقل لايكتفى فقط بأداء الفريضة، عندما نعود إلى مقدمة هذه الرحلة نجد صاحبها يستهل بقوله"وبعد فأنى قاصد بعد استخارة الحق سبحانة إلى تقيد ما عن لي فى سفر للحريمين الشريفين من وصف للمراحل والبلدان والمياه وضيق من لقيته من الفضلاء، وما أجبت به عن سؤال بعض النبلاء، وبيان ما زرته من الأحياء والأموات، وغير ذلك من الحوادث والنوادر والأخبار، متوكلا  فى بيان ذلك على الواحد الأحد الغفار والباعث على ذلك، وإن كنت لا من أولئك ولا من يليق أن يسلك تلك المسالك.. خدمة العلم الشريف والتعرض لنفحات الجناب النبوي المريف"، فهنا المؤلف لا يقتصر رحلته أداء فريضة الحج، بل طلب العلم كذلك، كما يقول ابن خلدون فالرحلة لابد من هنا لاستكمال طلب العلم وكذلك لقاء المشايخ.

 

وأضاف "هذا الرجل من خلال رحلته جمع هذه المعارف، فكان الحج بهذا المستوي يجمع بين أداء الفريضة والعلم، سواء بالعلم الذي يرصده وهو فى مساره فى الحج، بالوقوف على الاماكن والمجالات وطبيعة المجتمعات، والميزة الذي اختص بها الرجل عن غيره من الرحلات، بما فيها الرحلة العياشية، هو أنه مدقق ومحقق ويحيي المعطيات، ويعود إلى الأماكن ويقف عليها يشرحها لغويا وتاريخيا ومسار هذه القرية والمدينة والموقع بشكل دقيق، بل يستدرك على أمهات المصادر والمراجع في هذا المجال، والاكثر من ذلك أنه يعطينا الصورة الجيدة عن المذاهب والفرق والمجتمعات بشكل وآخر. الصعوبات التى يتلاقها هذا الانسان أكيد أنه لم يكن يعاني من طلب جواز سفر ولا حدود ولا قرعة لأداء الحج، ولكن هناك صعوبات مرتبطة بالمجال الطبيعي مثل ندرة المياه، اللصوصية وغير ذلك، ومع ذلك يستمر الحج بشكل أساسي إلى الديار. أن قيمة الرحلة مرتبطة بصاحبها وهو، بالمناسبة، من أعلم علماء المغرب فى عصره، ويتضح ذلك من خلال ما تضمنته هذه الرحلة من إيجازات لعلماء كبار، كالزبيدي وغيره، والذين أجازوه فى كثير من الأمور العلمية، يدخل معهم فى سجالات علمية تنم عن مستوي علمي أولا، ثم عن تواضع وعن تواصل حضارى بين المشرق والمغرب، يعطي لنا كذلك صورة أقل ما يقال عنها، أن العالم العربي الإسلامي آنذاك، كما قال مالك بن نبيه فى وضعيه قابلة للاستعمار، واقع سياسي متأزم، واقع مجتمعي ينم عن صراعات وتفتت إلى حد ما، وهنا تستوقفني إشارة بليغة جدا، وعندنا الآن عندما ندخل إلى المساجد عندنا فى المغارب، نجد إشارة أو لافتة "دع حذاءك أمامك"، أشار الناصري إلى هذه الإشارة فى رحلته آخر القرن الثامن عشر ببيت شعر، قال "حذاؤك يأمك ويغمك.. يأمك لأنك تضعه أماك، ويغمك لأنك تبقى مهوسا به حتى لا يسرق، ظاهرة اجتماعية غريبة جدا يشير إليها فى ذاك الزمن.

 

ويشير كذلك أنه عندما زار البيت الحرام، ومقامالنبي صل الله عليه وسلم، قدم نقودا حتى يتم تسهيل عملية الزيارة له، فى ذاك الزمان عندما تحدث عن علماء الحجاز.. قال ولخصها بقوله، أن إمام الحرم آنذاك، عنده بضع بعض من العلم لماما، وهذا دليل على أنه بعد هذه الفترة، ظهرت حركات اصلاحية فى منطقة الحجاز، بل فى المشرق والعالم العربي كله، وفى حجة ثانية، أشار إلى أنه بلغه أن الافرنجة احتلوا مصر، مشيرا إلى نابليون، وبعد ذلك توالي سقوط الوطن العربي تحت الاحتلال الفرنسي والانجليزي والإيطالي.

 

ورأى د.عز المغرب معنينو محقق رحلة حاج مغربي في زمن الحمايةإدريس بن محمد بن إدريس الجعيدي السلوي1930 أن الكثير ممن تحدث عن الرحلة السفارية بين الأنا والآخر، بين دار الاسلام ودار الحرب، الكثير من الأوربيين فى العصر الحديث، وغيرهم، كان هاجسهم اكتشاف شبه الجزيرة العربية، وخصوصا مكة والمدينة يؤرقهم كثيرا معرفة هذه البقاع المقدسة، بحكم أن الدين الإسلامي يحرم على غير المسلمين الدخول إلى هذه الاماكن المقدسة، لذلك لجأ الرحالة الآوربيون والآسيون التنكر أو إدعاء الاسلام، وبعضهم أسلم فعلا، واستطاعوا زيارة هذه البقاع المقدسة، وتدريجيا اكتشف الآخر أهمية الرحلة الحجازية، ومدي تأثيرها الروحي والنفسي والاجتماعي والديني فى المجتمعات الإسلامية عامة، لذلك عندما بدأوا مخططاتهم الاستعمارية بدأوا يفكرون فى كيفية توظيف هذا البعد الديني أو الرحلة الحجازية، لأغراض سياسية، أي كيف يمكن أن يشتغلوا على هذه الرحلة ولكن بمنظور يساعدهم على البلوغ إلى أهدافهم الاستعمارية، كما نعلم أن الرحالة المسلمين تركوا لنا الآلاف من الرحلات، وبقيت مخطوطة ومجهولة أو مستنسخة ببعض النسخ القليلة، والرحلة التى أمامنا تعود إلى 1782 م ، أى بعد أكثر من قرنين خرجت للوجود وطبعت بفضل جهود الباحث المهدي الغالى ومساهمة ارتياد الآفاق، إذا هذه الرحلة وخطورة الرحلة وكيفية توظيف المستعمر لهذه الرحلة دفعت فى المغرب مباشرة بعد فرض الحماية إلى سن قوانين جديدة خاصة بالحج، فلم يعد الحج ذلك العملالعشوائي، أي يسيرون فى بلاد الاسلام ولا يشعرون بالغربة والاغتراب، بل أخضوعها لعدة قوانين، و ولنشر ثقافتهم أسسوا جريدة باللغة العربية اسمها السعادة، كانت الناطق الرسمي باسم الحماية الفرنسية وجلبوا عددا من الأقلام من المشرق ومن بلاد الشام، ليشرفوا علها حتي يصبح لها إشعاعا ثقافيا لدي النخب المغربية، وبدأوا يشجعون المثقفون المغاربة على الكتابة فى هذه الجريدة بأسماء مستعارة أو بدون توقيع، وهكذا بدأت هذه الجريدة خاصة أن القانون الفرنسي كان يمنع كليا صدور جريدة باللغة العربية فى المغرب حتي الثلاثينيات، فاضطر رجال الحركة الوطنية إلى إصدار جرائد تكتب باليد، وتوزع بشكل سري بين عدد من الأفراد في بضع ورقيات قليلة، وفى هذه الإطار تم توجه الرحالة إدريس الجعيدي بعد اتفق معه على أن يدون لهم رحلة حجازية، وأن يبعث لهم بتقارير عن طريق البريد السريع إلى الجريدة، والجريدة ستصدر هذه الرحلات فى شكل حلقات متتالية، وبالتالي كان الجميع متابعا ومنشغلابهذه الرحلة الحجازية، وطبعت هذه الرحلة على صفحات الجريدة قبل أن يعود الرحالة من حجه عكس ما كان قديما.

 

إذن كانت هناك دوافع خفية دفعت هذه الصحافة إلى الاشتغال على ذلك، وكذلك فى الشمال وقعت ما يسمي بالحاج فرانكو وهذا جنرال اسباني كان فى الشمال، واستلهم من غزو طارق بن زياد بعد أن وصل الحزب الشعبي فى مدريد أو اليسار الشيوعي، وبدأ يعد الحرب لغزو اسبانيا من الجنوب، وكلف بعض السفن الاسبانية لنقل الحجاج إلى الأراضي المقدسة بالمجان أو بثمن رمزي، وبالتالي أصبح هؤلاء الحجاج يرفعون كفوف الضراعة للدعاء لهذا الجنرال.

لقد حاولت أن ألملم بعض الاشارات واللقطات التى تجعلنانطل على تحليل جديد للرحلة الحجازية، وكيف استطاع الآخر المستعمر أن يوظفها فى مجاله الاستعمارى، واستقطاب الرأى العام العربي والاسلامي، وبالتالي بدأت الرحلات تشكل قفزة جديدة في منظور الكتابة التقليدية التى كانت تتحدث عن نقاط الماءوالايجازات والمحطات الطرقية واللقاءات وهكذا، ولها أهميتها التاريخية ولكن فى مرحلة القرن العشرين أصبحت الرحلة توظف من الطرف الآخر لأشغال وأهداف أخرى.

 

الرحلة الآخيرة التى توقفت عندها الندوةوهي من الرحلات الفائزة بجائزة بن بطوطة، سلك صاحبها طريق الحج عبر أوروبا ولكن هذه المرة من طنجة عبر جبل طارق ومن هناك إلى إحدي الجزر فى الطريق إلى مالطا ومن مالطا إلى الاسكندرية، وبعد ذلك طريق ركب الحاج المعهود، هذا العمل هو الثاني الذي ينال عنه د.سليمان القرشي جائزة بن بطوطة، بعد أكثر من 10 سنوات على نيله لهذه الجائزة، إلى جانب الراحلد.سعيد الفاضلي.

 

وأكد د.القرشي محقق "من المغرب إلى الحجاز عبر أوروبا 1857لمحمد الغيغائي العمري الوريكيأن رحلات الحجية تأخذ قيمتها من المعلومات والأفكار والآراء والصور أيضا التى حملتها عن طريق ومجريات السفر للمتلقى المفترض، حيث وللحقيقة أن هذه الرحلات لم يكن لها متلق أصلا لأنها كتبت وخطت وبقيت رهينة المكتبات لأسباب سياسية واقتصادية وغيرها.

 

وأضاف أن مسار الرحلات الحجية المغربية، كان فارقا فى كتابة هذه الرحلات حيث يمكن الحديث عن مسارين اثنين رئيسيين وهما الصحراوي والبحري، المسار الصحراوي جسدته بامتياز الرحلة العياشية، والتى أقول أن كل الرحلات التى أتت بعدها كانت عيانا عليها، فكل الرحالة المغاربة الذين كتبوا بعد العياشي استدوا منه واستلهموا منه وأخذوا عنه، وهناك من سماه الاستاذ، واستمر الأمر حتي بدايات القرن العشرين، نظرا للقيمة الكبرى لهذه الرحلة، فهى ديوان علم وعمل. المسار الثاني هو المسار البحري والذي هو فرض فرضا على الرحاليين المغاربة، بسبب الانتكاسات السياسية فى العالم العربي، بعد القرن الثامن عشر، حيث لم يكن يعد بمستطاع الرحاليين أداء فريضة الحج المقدس، والتى كان يوليها المغاربةعناية فائقة،حيث يعتبر الحج ركنا ليس لمن استطاع اليه سبيلا، ولكنه ركنركين من أركان هذه الحج، وبالتالي فكل من حج بيت الله الحرام، يحظي بمكانة اجتماعية مرموقة، وكل سياسي وكل مفكر وكل شيخ لابد أن يحمل صفة الحاج، أى أن الأمر يتجاوز أنه مجرد فريضة فقط، قلت أن اختيار المسار البحري فرض على الحجاج بسبب الظروف السياسية والاضطرابات التي شهدتها المسارات الصحراوية التقليدية، وبهد فترة حرمت هذا المسار لانه يعزز ويقوي خزينة الكافر، أيضا وبعد فترة حرمت اللجوء إلى المراكب نظرا لاختلاط الرجال والنساء بها، والشك فى الماء المتوضأ به، والشك فيما يقدم للحجاج من مأكولات، والطريف هنا أن بعض الحجاج خصوصا الأغنياء او الميسورين منهم حملوا زادهم، من المأكولات التقليدية وكل متعلقات السفر، الطريف بقدر ما كان أفق انتظار الحاج، يستشرف الصفاء والأصل وروح المعدن المتمثل فى موئل الشريعة والحقيقة، بقدر ما استفزته هذه المستحدثات الأوربية من مراكب بخارية وغيرها، ووقع الحاج فى نوع  من التناقض والتنافي بين واقع فى مخياله فقط وبين الواقع الحديث، وأشير إلى طريفتين هنا، الأولى لما وقف صاحبنا الغيغائي الذي قام برحلته سنه 1857، ورأى "باب بابور البر" القطار فى مصر وكانت أول مرة بحياته يرى ذلك، وعجز عن وصفه، اللغة المتداولة آنذاك في الغرب الإسلاميلم تستطع أن تصف القطار، وتوسم برسمه، فرسمه رسما أشبه ما يكون برسوم الأطفال، رسما مضحكا، وبالتالي قد يفيد هذا الأمر الفيولوجيين على اعتبار أن اللغة تطورت وليست لغة جامدة أو ميتة،اللغة قبل قرن ونصف لم تستطع أن تسمي الأشياء بمسمياتها، النقطة الثانية وهو التلغراف، وسماه السلك ورسمه ايضا رسما مضحكا. الحاج المغربي فى القرن التاسع عشر وجد نفسه بين ثنائيتين حادتين، ثنائية الفكرة العميقة، الصفاء والاسلام  والمنهل والأفق وواقع الحال، وواقع عالم إسلامي ضعيف، وواقع مستحدثات أوربية يجب أن نتعامل بها، هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى المقدسات أية وسيلة بأية لغة وهنا طرافة هذه الرحلة.