بقلم : تهاني الصوابي
انقذوا نقابة الصحفيين قبل أن نقول الله يرحمك يا نقابة، فما حدث من عدم اكتمال الجمعية العمومية والحضور الهزيل للصحفيين في انتخابات النقابة لاختيار النقيب وستة من أعضاء المجلس في التجديد النصفي، يعني أن النقابة دخلت غرفة الإنعاش وفي حالة خطيرة، وأن الأمور تتدهور وفي طريقها للاحتضار، وحتى لا نقول الله يرحمك يا نقابة لابد من وقفة.
على مدى تاريخي الصحفي الذي قارب الأربعين عاما لم يحدث ما حدث الأسبوع الماضي من عزوف للصحفيين عن الحضور للنقابة واكتمال الجمعية العمومية في التجديد النصفي ومنصب النقيب، لقد عاصرت الكثير من الدورات منذ نهاية السبعينيات حيث كان الصحفيون يتسابقون منذ الصباح الباكر للتسجيل في كشوف النقابة، وكانت الجمعية العمومية تنعقد قبل الموعد المحدد لها بأكثر من العدد المطلوب بكثير، وكان هذا اليوم بمثابة عرس نقابي بحق وحقيقي, المدعون فيه هم أصحاب العرس, وكان يوما مشهودا وموعودا، يحرص فيه الصحفيون على اختيار من يمثلونهم، وكان نعم الاختيار، فقد كانت الأسماء المرشحة قوية, وكان الصحفيون في عنفوان قواتهم، كانت النقابة قوية شامخة وخير دليل على هذا وقفتها القوية في وجه من أرادوا بها السوء بقانون الصحافة عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين، حيث هب الصحفيون هبة رجل واحد ضد قوى الشر وفرضوا إرادتهم على الدولة، التي أرادت بهم السوء والتنكيل بهم وإخراس أصواتهم، كان هناك نقيب قوي سواء اختلفنا أم اتفقنا معه، وكان هناك مجلس شامخ حر مستقل يحرص على استقلالية النقابة بحق وحقيقي وليس بالشعارات، وكان هناك صحفيون أقوياء على مستوى المسئولية يدركون أن قيمة الصحفي في استقلاليته وصدقه مع نفسه قبل أن يكون صادقا مع المجتمع، ولكن ماذا حدث.
ما حدث يعد كارثة حقيقة, تدهورت أحوال النقابة، وجاءت الانتخابات بأصوات نقابية ضعيفة، وهي نتيجة منطقية لأحوال الصحافة والصحفيين, وما وصل إليه حالهم من تدني على المستوى المهني والأخلاقي، هذا التدهور الناتج عن عوامل عديدة قد لا يتسع الوقت لذكرها جميعا وإن كان أهمها هو سيطرة بعض التيارات السياسية على مجلس النقابة والعمل من أجل مصلحة فئة قليلة ومحدودة من الصحفيين مما أدى إلى تفكك الجماعة الصحفية وعزوفها عن المشاركة في التصدي للقضايا والمخاطر التي قد تلحق بالصحفيين، ولشعورهم بأن النقابة لا تمثلهم، لكنها تمثل فئة بعينها دون غيرها، وهو ما حدث بالفعل, وللأسف منذ ثورة الخامس والعشرون من يناير واختطافها من قبل الجماعة الإرهابية والسيطرة عليها من خلال النقيب الإخواني وأعضاء مجلسه، وهي بداية الانحدار بسبب الابتعاد عن قضايا وهموم ومشاكل واحتياجات ومتطلبات الصحفيين واتجاهها للعمل السياسي، وأعتقد أن الصحفيين لن ينسوا أنه ولأول مرة يتم إيواء مطلوبين للعدالة في النقابة بدلا من تسليمهم للنيابة مما استدعى تطبيق القانون وهو ما أثار البعض ممن يسيطرون على النقابة ويمتهنون العمل السياسي أكثر من العمل النقابي، وأرادوا استغلالها لتحقيق مكاسب خاصة لهم حتى ساءت سمعة الصحفيين في الشارع المصري وانقلب المواطنون عليهم, وخرجت دعوات لمقاطعة الجرائد والمجلات اعتراضا على تصرفات البعض من أعضاء مجلس النقابة ومن البعض من أعضاء الجماعة الصحفية، وهو ما أثر بالفعل على المؤسسات الصحفية، وأعتقد أن هذا الموقف لن ينساه الكثير من الصحفيين الذين اعتبروا أن نقابتهم قد اختطفت مرة أخرى بعيدا عن الهدف الأساسي الذي يرجونه منها، فلا حماية للصحفي في مهنته ولا خدمات ولا صوت قوي حر ولا أي شيء سوى المصلحة الشخصية فقط وخدمة جماعة بعينها دون باقي الصحفيين.
ما حدث الأسبوع الماضي من الجماعة الصحفية والحضور الهزيل وعدم اكتمال الجمعية العمومية رسالة قوية وعنيفة وصريحة للنقيب الحالي والقادم وأعضاء مجلس النقابة الحالين والقادمين، أرجو أن يفهموها ويعوها جيدا قبل فوات الأوان.