تقرير: إيمان السعيد
تسعى كل دول العالم خاصة الكبرى منها إلى الوصول إلى كل المعلومات المهمة بأى طريقة ممكنة تحت شعار «حماية الأمن القومى»، وطورت وكالات الاستخبارات العالمية برامج تتيح لها الوصول إلى المعلومات السرية المطلوبة لكن الفضيحة الأخيرة لوكالة الاستخبارات الأمريكية أثارت التساؤلات حول تمادى الأجهزة الحكومية فى اختراق خصوصية الأفراد تحت مظلة الحرب على الإرهاب.
فقد نشرت وكالة ويكيليكس مايقرب من تسعة آلاف وثيقة سرية مسربة من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ضمن سلسلة تسريبات أطلقت عليها ويكيليكس VAULT 7 «السرداب ٧» وأشار جوليان آسانج مؤسس ويكيليكس ومدير التحرير الحالى إلى أنه فى الأسابيع المقبلة سوف يتم نشر باقى الوثائق على دفعات، احتوت هذه الوثائق على خريطة الاختراق الشبكى التى نفذها الهاكرز فى القسم المختص بالأمن الشبكى داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) فى الفترة ما بين عامى ٢٠١٣-٢٠١٦. وكانت أهم الأنظمة المخترقة التى نشرتها ويكيليكس, نظام تشغيل أجهزة تلفاز شركة سامسونج, فقد استطاعت«CIA» اختراق أجهزة التلفاز لتمكنهم من تشغيل الميكروفون الخاص بالتفاز حتى فى حالة عدم تشغيله وبالتبعية مراقبة جميع النقاشات والأحاديث التى يلتقطها التلفاز.
كما تمكنت أجهزة الاستخبارات الأمريكية من اختراق أنظمة التشغيل الخاصة بالهواتف الذكية التى تعمل بأنظمة ios وAndroid, ليصبح أى من مستخدمى هذه الهواتف عرضة للتجسس لتضرب بعرض الحائط الوعود التى اعطتها التطبيقات لمستخدمى الهواتف الذكية أن ما يدور بينك وبين أصدقائك من محادثات مشفرة ولا يمكن لأحد اختراقها, إلا أن الـCIA استطاعت خدعة المستخدمين باختراقها نظام التشغيل نفسه مما يمكنهم من مراقبة الرسائل وأنت تكتبها قبل أن ترسلها. وكانت المفاجأة الأكبر فى تمكن الـCIA من اختراق نظام التشغيل Windows المستخدم فى معظم الحاسبات الآلية, حيث تستطيع وكالة الاستخبارات الأمريكية تصوير المستخدمين عبر كاميرات الحاسوب بل يمكنهم أيضا جمع جميع الملفات على الحاسوب إن أرادوا. وأشارت الوثائق إلى أنه كان فى نية CIA تطوير برنامج جديد لاختراق أنظمة تشغيل السيارات من أجل تسهيل عمليات الاغتيال للأشخاص المطلوبين.
المثير أن هذه هى المرة الرابعة التى يتم فيها تسريب هذا الكم الهائل من الوثائق السرية للاستخبارات الأمريكية فى أقل من أربع سنوات، وكانت وكالة الأمن القومى NSA تعرضت لضربة مدوية عام ٢٠١٣ عندما كشف موظف سابق معها ، إدوارد سنودن، وثائق تكشف كيف قامت هذه الوكالة سرا بجمع بيانات عن اتصالات الأمريكيين وبالتجسس على دول حليفة على رأسها ألمانيا. بينما عرضت مجموعة قرصنة سرية اسمها «شادو بروكرز» للبيع على الإنترنت رزمة من وسائل القرصنة قالت إنها سرقتها من وكالة الأمن القومى مطلع العام السابق .وفى أواخر عام ٢٠١٦، اكتشفت وكالة الأمن القومى أن موظفا آخر يدعى هارولد مارتن نقل إلى منزله ما يقارب ٥٠ تيرابايت من البيانات والوثائق من بينها أدوات قرصنة حساسة. لم يكن الأمر مختلفا فى هذا التسريب أيضا فقد حصلت ويكيليكس على هذه الوثائق عن طريق موظف سابق من مخترقى الأمن الشبكى ولم يتم التصريح باسمه.
وقد دفع ذلك آسانج للتعليق ساخرا أنه عمل يتميز بعدم الكفاءة، الكارثى أن تبنى ترسانة مماثلة ثم تخزينها كلها فى مكان واحد، فى المقابل لم يأخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب موقفا محددا من هذه التسريبات واكتفى بقوله أن «أنظمة الـCIA عفى عليها الزمن» وبدا للبعض أنه يدعم آسانج خاصة أنه منذ توليه الرئاسة يواجه ترامب صراعات عديدة مع الـCIA من ضمنها انتقادات ترامب لوكالة الاستخبارات الأمريكية بسبب تسريب معلومات خاصة بصديقه المفضل مايكل فلين أدت فى نهاية الامر إلى إقالة فلين من فريق عمل ترامب, قوبلت هذه الانتقادات بتحذيرات من الـ CIA لترامب حول تصريحاته غير المبالية التى قد تؤثر على الأمن القومى للولايات المتحدة الأمريكية.
أثارت هذه التسريبات الشكوك حول علاقة ويكيليكس بوكالة الاستخبارات الروسية، خاصة أن كل مايتم نشهره مؤخرا يصب فى مصلحة الدب الروسى بداية من فضيحة البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون التى أدت فى نهاية الامر إلى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وصولا إلى فضيحة الـ CIA التى ستؤدى بالتبعية إلى فقدان الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها خاصة أن هذه التسريبات قد تضع الولايات المتحدة الأمريكية فى حرج دبلوماسى مع الخصم والصديق على حد سواء، يحول دون تبادل المعلومات بشكل رسمى بين أمريكا وباقى دول العالم، بالإضافة إلى أن هذه التسريبات ستؤدى إلى فقدان الثقة بين إدارة ترامب والشركات التكنولوجية بعد أن تصالح معها أوباما عام ٢٠١٠. وقدم الوعود للشركات التكنولوجية بتقديم المعلومات لها عند اكتشاف أى ثغرات أمنية.
على الجانب الآخر, أعلن آسانج عن عزمه التعاون مع شركات التقنية التى استهدفتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لخلق ثغرات فى منتجاتها تتيح لها التجسس على المستخدمين عن بعد، من أجل سد هذه الثغرات. بينما أكدت شركة آبل ردا على الوثائق المسربة أن التحديث الجديد قد عالج عددا كبيرا من الثغرات التى ذكرتها الوثائق المسربة، كما صرحت هيذر أدكينز مديرة الخصوصية وأمن المعلومات فى شركة جوجل، بأن التحديثات الأمنية التى تطلقها الشركة بشكل دورى لمستخدمى نظامى أندرويد وكروم تحميهما من عدد كبير من الثغرات التى تم الكشف عنها فى الوثائق المسربة الأخيرة. المخيف حقا, أنه لايزال هناك اكثر من نصف مليار شخص لا يزالون عرضة للثغرات الأمنية التى كشفها ويكيليكس ممن لم يقوموا بتحديث هواتفهم أو حواسيبهم.
أما شركة سامسونج, فستكون الشركة الأكثر تضررا اقتصاديا من هذه التسريبات وارتبط اسمها بعناوين الأخبار السيئة فى الفترة الماضية، سوف تتعرض لخسائر اقتصادية فى الفترة المقبلة بسبب إشارة التسريبات إلى استخدام وكالة الاستخبارات الأمريكية أجهزة تلفاز سامسونج الذكية فى التنصت على المستخدمين، وتتراوح الخسائر المتوقعة بحسب صحيفة بلومبرج الأمريكية ما بين قلة مبيعات هذا المنتج وانخفاض سعر أسهم الشركة فى البورصة العالمية.