رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أدباء وشعراء يتذكرون.. حكايات العيد

13-6-2018 | 21:42


للطفولة حكاياتها الرائقة والجميلة خاصة في عيد الفطر المبارك وبعد صيام شهر رمضان الكريم، هذه الحكايات تأتي لتحمل أزمنة وأمكنة وأجواء مختلفة ترتبط بالذات ومحيطها الحياتي والإنساني، من المدينة وأحيائها وحواريها إلى القرى والنجوع، سألنا أدباء وشعراء سرد حكاية من طفولتهم ترتبطبالعيد ولا تزال تشغل حيزا في ذاكرتهم، فكان أن تجلت الحكايات بتفاصيلها الحميمية وذكرياتها الجميلة..

 

خراف بلا راعي

الروائية منى الشيمي: كنا نخرج فور انتهاء تكبيرات العيد، مجموعة من صبية الحي، ننطلق كخراف بلا راعي، صوب متنزه شركة السكر المطل على النيل. نسير حفاة طوال المسافة من النجع حتى نصل، ليس لنحافظ على الأحذية نظيفة فقط، بل لأن عرق أرجلنا لم يطوع جلدها بعد، يتردد بعضنا في البدء في صرف العيدية، ويضعف البعض الآخرأمام شعر البنات والتوت أو الدوم. مازلت لا أنسى يوم ضاع حذائي، ضاع النهار وأنا أبحث عنه، وقبل أن أعود بدونه للبيت،  توجهت بكامل إرادتي إلى المولد، المقام في ساحة البوستة. صوبت بالبندقية على البومب، وركبت المراجيح التي كانت على شكل مركب، وتلك التي كانت تدور حول نفسها، تفرجت على الحاوي، والقرداتي وهو يجعل ميمون يرقص، انفقت كامل العيدية، وضحكت كثيرا قبل أن أعود ناهلة من بهجة العيد ما يكفيني في ساعة متأخرة باستعداد تام لعصا أمي عقابا لي على ضياع الحذاء.

 

العيد فستان جديد

الروائية زينب عفيفي: كنا صغار وكان للعيد فرحة، وكانت أمي تحرص أن تشتري لكل واحد من أخوتي شئ جديد، حذاء، شنطة، بنطلون، فستان، وكانت تخصني بثلاث فساتين، لكل يوم من أيام العيد فستان، كنت أخر العنقود ونصيبي من الدلع يفوق الجميع، كانت أختي الكبري هي من تحيك لي فساتين العيد، كنت اتزين بشرائط ضفائري الملونة بألوان كل فستان، ولا أستطيع أن أنسي يوم خرجت لركوب أرجوحة عم سعيد علي ناصية شارع بيتنا التي لا تبعد عنا كثيرا، ارتديت الفستان الجديد الذي نام في حضني طول ليلة العيد مع بقية الفساتين والحذاء المزين بالفصوص وشرائط شعري الملونة، وأنا علي حالي من الفرحة والتنطيط أنزلقت قدمي في الطريق قبل أن أصل لعم سعيد بخطوات، وضاعت الفرحة وأخذت أبكي، عدت إلي البيت وفستاني الجديد طالته أوساخ الشارع، أخذتني أمي إلي الاغتسال  وأنا غارقة في الدموع، وفي ثوان كنت أرتدي فستانا أخر من فساتين العيد، وأذكر أنها احتضنتني رحمة الله عليها وأخبرتني أننا كلنا ممكن يحدث لنا ما حدث معي، وأعطتني مزيدا من العيدية وقالت: هذه العيدية لأجل الفستان الجديد .. وتبقي الفرحة الكبري وأنا ارتدي الفستان الجديد وشعري يتطاير فوق أرجوحة عم سعيد التي كان يجرها حصانه البني العجوز الذي يزور شارعنا  في كل عيد.

 

الهوس بالكمال


الشاعرة المغربية منى وفيق:يااه، كيف أرشو هذا العمر الذي يركض ورائي دون أن يلحقني، أرشوه ليعود بي إلى ليلة يوم العيد قبل 21 سنة حيث بدا لي صباح العيد بعيدا جدا جدا وكنت أنهض كل 10 دقائق لأجرب الجنينز الأزرقالجديد والقميص بالكاروهات الحمراء والبيضاء.


الحذاء الـ " سبور" الجديد الذي كان شكله موضة تلك الأيام، كان ضيقا عليّ وكنت أعاند قدميّ والألم وأجرب المشي به والركض.. كنت طوال الليل أتردي الملابس وأقف أمام المرآة، أدقق بتفاصيل الملابس، تارة أرى أنها مناسبة ورائعة و تارة أقول لنفسي أنني تسرعت في هذا الاختيار ..لم أنم تلك الليلة وأنا أتخيل نفسي متألقة بملابسي الجديدة ومختلفة و متفردة بين أبناء الحي والجيران، أتذكر أنني زرت كل الجيران وبحثت عن كل أبناء وبنات الحي، لأتباهى بأنني أسبقهم في الموضة وأنني أمنح للعيد طعما مغايرا بملابسي وفيونكاتي وضحكاتي، لم آكل ذلك العيد حتى لا تتسخ ملابسي، رفضت فطائر "البغرير" بالعسل والزبدة حتى لا يسقط القطر فوق القميص، كنت أشعر أنني ألبس فوق جسدي إنسانا من دم و لحم وليس ثيابا ..كنت أخرج للحي بملابسي وعندما أدخل للمنزل أنزعها ثم أعيد ارتداءها مرة أخرى عند الخروج.. تلك الملابس الجديد وذلك الإحساس الأول بالعيد يشبه تماما براءة النصوص الأولى التي كتبتها ..كنت أضع رجلا فوق رجل ليظهر الحذا بالأسود والأحمر للضيوف الذين زارونا صبيحة العيد و ظهيرته، كنت أفتح ياقة القميص لتبدو الأزار البيضاء مرتاحة أكثر  وليزداد عنقي الحنطي لمعانا وتألقا .


كنت شخصا مهووسا بالكمال وكنت حريصة على ألا تخدش أي لمعة قميصي الجديد و كنت أختار الطريق الذي أمشي فيه كي لا تقفز ذرة تراب إل ىحذائي  .. العيد كان بالنسبة إلي هو الجمال و الكمال.. يوم استثنائي كان علي أن أكون في مستواه.. بعد العيد بأيام  تمزق القميص وحزنت جدا، حتى أنني علقته وبقيت أنظر إليه كأن شخصا أمامي تم بتر جزء منه، يومها عرفتُ أن ما يأتي في العيد يبقى في العيد وربما لهذا السبب تجدني اليوم أغير ملابسي أكثر من مرتين في اليوم، وأحرص على أن لا أرتدي نفس الملابس لوقت طويل وأتخلص منها بإعطائها لشخص آخر.. أما الجينز فبعد تمزق رفيقه القميص وضعته في خزانة ملابسي لأكثر من 3 سنوات وعندما عثرت عليه صدفة بعد أكثر من 3 سنوات وجدته قد فقد بريقه و لمعانه، صار رطبا ومغريا وجذابا وجميلا أكثر من اليوم الأول.. كنت سعيدة به، كان ذلك يوم عيد آخر.. إننا صنع آعيادنا عندما نعثر على ما خزناه منها في صندوق ذاكرتنا وحياتنا.. العيد يكرر نفسه عندما إننا نصنع آعيادنا عندما نعثر على ما خزناه منها في صندوق ذاكرتنا و حياتنا.. العيد يكرر نفسه عندما نشاء له ذلك.

 

وتبقى البهجة

القاصة والإعلامية سعاد سليمان: رغم كل الفقر المحيط لم يكن  يخلو احتفال أطفال المناطق الشعبية من بهجة ضاعت بافتقاد الأماكن والأشخاص ورحيل حالة الطفولة الشغوفة باللعب والفرحة ببهجة ملابس العيد علي بساطتها،رائحة كعك الجيران الذي تفشل أمي في صناعته ولكنها تبهر الجميع  بخبز "الفايش" ذو الرائحة المنعشة، أصبح فايش العيد أعجوبة عند جيراننا الاسكندرانية. كنت أحب كعك الجيران وأقاطع مؤقتا فايش أمي، أعرف انه متواجد طول شهور قادمةفلم العجلة. اكتفي باستنشاق رائحته وأزاول نهمي للغريبة. كنت أفرح بكل الأشياء المتاحة الفستان الرخيص "جلابية الوقفة"، ساعات الانتظار عند الخياطة ضمانا للحصول عليها قبل صلاة العيد. الجزمة السوداء  ـ لم أرتدها أبدا ملونة ـ وأوسع قليلا من مقاس قدمي كي تصلح لأطول مدة ممكنة، أضع لها فرشا زائدا كي لا تنخلع من رجلي أثناء المشيوكأنها  كانت تطيع ظروفيفاجري بها "رهوانوإذا استعصت أخلعها وألعب حافية، وأعاود ارتداءها علي السلم حين العودة، أما العيدية فلم أكن أحصل عليها من جيب أبي ولكن من أقاربنا الذين يتوافدونتباعا ليست كلها حقا خالصا لي. يكتفي أبي بمنحي بعضهاويأخذ الباقي لأنه سيردها لنفس الأقارب بنفس القيمةولا أتذمر.. انسي مع اللعب الذي لا ينتهي إلا مساء كل النواقصالأكثر دقة.إنني لم أكن أعلم أنها نواقصالبهجة الكبري مع الراديو وصوت أم كلثوم وهي تغني لليلة العيد التي أنساتنا، وتظل هذه البهجة هي الباقية والتي تشعرني كم كان العيد جميلا رغم كل شيء.

 

ست البنات

الروائية د.هويدا صالح:  كان صوت عم"نصيف" بائع الأقمشة هو الصوت الذي نظل نترقبه طوال شهر رمضان" يلا القماشات الحلوة لست البنات"، وكل واحدة ترى في نفسها ست البنات التي تناديها أقمشة عم نصيف. حينما يعلو صوته من أول"الدرب" أجري للداخل لأخبر أمي أن بياع القماش وصل، ويدي على قلبي أن تتأخر أمي في الخروج ، فأيدي النساء  في دربنا تتخاطف الألوان الزاهية التي يخرجها الرجل من "خُرْجِه" الذي أثقل ظهره العجوز. كان الرجل على كبر سنه لا يفوت فرصة التفاف النساء والفتيات حوله أقمشته الجميلة والمتنوعة، ويداعب هذه  بجملة عن لين الحرير على جسدها البض، ويغمز لتلك عن أثر الحرير الأحمر الإنجليزي الذي سوف يساعدها على قضاء ليلة"حمراء" مع سيد الرجال. لم يكن أحد من النساء يغضب من كلماته المفخخة بجمل موحية، لأنهن يعتبرنه عجوزا مأمون الجانب، لا تضر كلماته شيئا.

عيد رمضان هو العيد الأكثر بهجة والذي ننتظر  فيه تحقق حلم الجمال. وغالبا كان الحلم يتم، ونتشوق نحن الصغيرات ليد الخياطة وهي تأخذ المقاسات لأجساد صغيرة متفجرة بالحياة، ونرسم صورة ذهنية للفستان الجديد بألوانه الصاخبة.

 

الطريق إلى القضارف

الروائي السوداني مهند رجب الدابي: لأكثر من عشرة سنوات في طفولتي كان لا يعنيني من العيد سوى أمرٌ واحد فقط؛ وهو السفر إلى مسقط رأسي في مدينة القضارف، وخلال الرحلة التي تستغرق أكثر من ستة ساعات متواصلة أجد نفسي خلالها أمرُّ بالنيل الفياض الملتوي، وأرى الغابات الكثيفة والوحوش التي ليس لها وجود، وأسمع من هناك الأصوات التي لا يسمعها غيري، ثم نَمرُّ بمدينة "مدني" فأسمع الباعة المتجولين ينادون بأصوات جميلة وتتردد في ذهنيّ الأغنيات الحالمة، ثم عندما نصل إلى سلسلة جبال "الفاو" لا أستطيع الإنتظار، فأحدث هرجاً وضيقاً لمن حولي فقط من أجل الجلوس جوار النافذة، لأرى تلك البقرات الصغيرات في أعلى الجبال، وأحاول أن ألتقط الصور للشجيرات النابتات في الصخر، ثم عندما تلوح صومعة غلال مدينة القضارف في الأفق أشعر بأن السيارة بطيئة جداً، وأنني إن نزلت لمضيت إلى بيت جدي أسرع منها، تلك التفاصيل كانت العيد الحقيقي. مضى جدي، وأختلفتْ الطرُق التي نسلكها كل سفر، لكن الصور التي إلتقطتها مخيلتي ستبقى طويلاً، للأبد.

 

أفراح كبيرة

الشاعر والكاتب عبد الرزاق الربيعي من سلطنة عمان: عندما كنا صغارا كان العيد يمثّل لنا مناسبة سعيدة ننتظرها بشغف كبير، لأنه يمثل لنا معبرا نحو الفرح في مدينة شعبية يسكنها الفقراء، والكادحون النازحون من المناطق الجنوبية في العراق هي مدينة "الثورة"، فكنا نرتدي الملابس الجديدة، ونتلقى "العيديات" والحلوى، ومنها حلوى العيد" الكليجة"، ونذهب إلى الأراجيح، والأماكن التي فيها الألعاب، وكلّ هذه المباهج لم تكن متاحة لنا خلال بقية أيام السنة، وسنة بعد أخرى بدأنا نكبر، وبدأ احساسنا بفرحة العيد تتراجع شيئا فشيئا، وذات  مساء أحد أعياد الفطر، سألت جدّتي" لماذا العيد لم يعد مثلما كان؟" فحاولت تطييب خاطري فقالت لي "هذا عيد صغير، وهو عيد الصائمين، انتظر العيد الكبير (عيد الأضحى)، سترى أن الفرح الحقيقي هناك"، سألتها "ومتى موعده؟" قالت بعد شهرين أو أكثر قليلا" قلت لها "حسنا"، وانتظرت بفارغ الصبر، وصرت أعدّ الأيام يوما بعد يوم، حتى بلغنا عيد الأضحى، وتكررت حالة شعوري بالإحباط، فعدت إلى جدّتي معبّرا لها عن إحباطي، لكنها قابلتني بضحكة، سألتها "لماذا تضحكين يا جدّتي؟" أجابت"ما دمت لم تعد تبتهج كثيرا بالعيد، فهذا يعني إنك كبرت، لأن العيد فرحة كبيرة للصغار قبل الكبار"، من يومها أخليت ساحة أفراح العيد الكبرى للصغار.

 

البلد الصحراوي

الشاعر مؤمن سمير:أعاني مثل بعض الناس من الوقوع في ما يمكن تسميته بـ"كآبة المناسبات السعيدة" وكأن الشعور المقبض يكون رداً عفوياً من الأرواح الخوافة والمتشككة في النوايا والمرتابة حتى من البهجة،على الضجيج والزحام والدينامية المرتبطة بطقوس المناسبات وبهرجتها.أذكرأن الأعياد كانت تمر عليَّ في البلد الصحراويالذي ولدت فيه لأب وأم تمت إعارتهما إليها.ببرود تام فكان أبي يعطيني العيدية، فأكتفي بدسها في جيب بنطالي القصير إذ أنني لا أخرج بالأساس فلماذا أفكر في كيفية إنفاقها وابتكار طرق ضاجة وملونة؟ وعندما عدنا إلى مصر فوجئت بكم الحركة والحياة التي هي على النقيض تماماً مما كان فكانت الصورة تُظهر كيف أن الطفل السمين الذي يلبس النظارات موجود لكنه متأخرٌ دائماً عن الآخرين، وفي النهاية يجلس على حجرٍ ويهز رأسه وبعد أن تزوجت وأنجبت وجدت نفسي أفعل عكس ما يفعله الجميع حيث أبعث بأولادي وأمهم بدءاً من يوم "وقفة العيد" وحتى نهاية أيام العيد إلى منزل جد الأولاد حيث يلهون بطبيعية وحيث أبقى أنا أنظر من خلف الستائر وأهز رأسي.

 

نقش الكعك

الشاعر إيهاب خليفة: أمي تصنع الكعك في البيت، ونحن نشترك معها في نقشه بالمناقيش اليدوية، مع غناء نشاز غالبا. ضحك استثنائي ومشاغبات طفولية، كأن يدعي أحدنا أن نقش الآخر سيئٌ، أو يلصق قطعة من العجين في مؤخرة الشَّعر، على كل حال يجب أن لا نوغل في المشاغبات السمجة؛ حتى لا يضيع أجر الصيام. بعد أن ننتهي يحمل كل منا صاجا كأنه ليلة القدر فوق رأسه ويمضي باتجاه الفرن العمومي، عشرات النساء ينتظرن في ليلة العيد خارج البيوت، قبل تسليم الصيجان تضع كل سيدة علامة في صيجانها وترقمها؛ حتى تميزها؛ فلا يختلط كعك سيدة بغيرها. نحن كحراس استثنائيين نجلس لمراقبة الوجود ومعرفة دورنا في هذا التيه المدهش من الصيجان. روائح المخبوزات تسكر الحواس، وتعذب الأنوف. في هذه الليلة تسهر النساء على استرجاع حيواتهن القاسية التي يَبَّسَ فرحها العوز والحاجة وطلبات العيال. كل منهن تضمد جراح الأخرى بحكاية. أما نحن فنسهر مشغولي البال بملابس وأحذية تكلمنا من بعيد بينما تتراءى أراجيح من بعيد وضحكات.

 

مدفع الافطار

الشاعر أسامة حداد: حكايتي مختلفة أنا من انتظر أن يمضي رمضان ليأتي إلى العالم في ثاني أيام عيد الفطر ولدت مع صمت مدفع الإفطار الذي كان يربض أمام بيت جدي فيهز النوافذ العالية بصوته المدوي اخترت أن أهنئ العالم بالعيد بطريقتي الخاصة صارخا في وجهه: ها أنا جئت، فهل كان العيد مبهجا بقدومي؟.


عشت طفولة مزعجة وسعيدة حيث كانت الروابط الاجتماعية وثيقة وأكثر ما يحضرني الآن ليس خبيز حلوى العيد ولا البالونات والألعاب الصغيرة والملابس، ففي رمضان 1393 كانت معايدات الجنود يحملها سعاة البريد، أنموذج موحد اكتفي الخال بكتابة اسمه لم يكتب غيره، أما عمي فقد حملت تهنئته برمضان والعيد وعدا بالنصر هدية العيد، لم أكن أعرف أنه كتبها قبل العيد بعشرة أيام على الأقل وأن وعده بالعودة غدا مستحيلا، والآن توقف مدفع الإفطار، صارت المدافع مجرد ذكريات وغاب من كانوا هم العيد  واحتفظت بمعايدات خالي الذي يتذكر هذه الأيام كأنها الأمس وعمي الذي لم يعد بالنصر كما أخبرني.

 

حقيبة سعادة ممتلئة

القاص والباحث ياسرثابت: قبل العيد بأيّام، كنا ننزل إلى السوق لشراء ملابس العيد. قبل النوم، كنا نستحم ونرتدي بيجامات جديدة، ونضع ملابسنا الخروج الجديدة إلى جانبنا ونحاول أن نغمض أعيننا بالقوة كي يمضي الوقت بسرعة ونستيقظ ليبدأ العيد. وبعد نوم عميق، نستيقظ باكرًا وبكل نشاط على غير عادتنا، لأداء صلاة العيد، ثم نعود إلى المنزل لنتناول إفطارًا شهيـًا.  وبعدها نتلقى العيدية من أبي وأمي، ونرتدي ملابس العيد التي حلمنا بها طوال الليل وننتظر مخططات أمي وأبي للعيد بفارغ الصبر. وبينما يُعايدان الأقارب والأصدقاء على الهاتف، نركض إلى المطبخ بطريقة سرية ونتذوق حبات الكعك ونعيد ترتيبها كي لا تشك أمي أن هناك حبة ناقصة.كم كنا نتصرف بعجلة، فلا مكان للصبر في قاموسنا، فهذا العيد والعيد لا يشبه أي يوم آخر.

 

رحلة البهجة   

القاص د.عمر صوفى: من أجمل ما أتذكر ذهابى فى العيد من قريتنا الصغيرة إلى المدينة ـ مدينة سنورس ـ التى تبعد بنحو ثلاثة كيلو مترات أقطعها مع مجموعات من الأطفال سيرا على الأقدام، من أجل اقتناص البهجة. لم تكن سنورس مدينة زاهية، لكنها كانت بالقياس إلى عزبتنا الصغيرة، وفى ظل العزلة التى نحياها، حيث لا كهرباء ولا تلفزيونات ولا تليفونات ولا محلات لبيع أى شىء، رغم أننا فى ثمانينيات القرن العشرين، تبدو لنا سنورس موطن البهجة ونبع السعادة. كنا نقطع تلك المسافة من أجل الاستمتاع بالأراجيح أو شراء بعض اللعب البسيطة أو شرب بعض المياه الغازية المثلجة، أما الذهاب إلى السينما فى مدينة الفيوم البعيدة فكان حلمًا لا يقدم على تنفيذه إلا الأطفال المتمردون فى نظرنا. رغم العزلة.. كنا نصنع بهجتنا بأبسط الأشياء، لا ينغص صفونا إعلانات مترفة تبدو حلما لا يتاح لمعظم الأطفال، ولا كماليات لا تترك فى القلب سوى حسرة وربما حقدا ونقمة. كانت أعيادنا بسيطة.. لكنها سعيدة.