رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تجاوزنا التهديدات الوطنية وبقيت أمامنا تحديات بناء الإنسان

27-6-2018 | 21:38


حلمي النمنم

جاء خطاب التنصيب مكثفاً ومركزاً، الخطاب ألقاه السيد الرئيس فى البرلمان، صباح السبت، عقب أداء اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة، تنتهى فى يونيه ٢٠٢٢، لم يأت الخطاب من فراغ، لكنه يبنى على ما تم خلال السنوات الأربع الماضية، ويحدد الأولويات للمرحلة الجديدة، والتى لخصها الرئيس فى كلمات وأفكار محددة، وهى أن مصر تتسع للجميع، المتفق والمختلف، لا يستثنى من ذلك سوى منْ مارس الإرهاب والعنف واعتنق الفكر المتطرف، وهذا يعكس إيمانا بالتعددية والتنوع الخلاق، وهذا التنوع يقتضى بناء الإنسان ومن ثم الاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة..






حين تولى الرئيس السيسى الرئاسة الأولى، يونيه ٢٠١٤، كانت الوطنية المصرية مهددة، والآن تراجع التهديد، ولكن أمامنا تحديات عديدة، يجب أن نجتازها ونتخطاها، حتى لا يعود التهديد.




كانت التهديدات واضحة سنة ٢٠١٤، والحق أنها كانت موجودة قبلها، لكنها كانت استفحلت، وباتت تهدد بانفراط عقد الجماعة الوطنية، أقصد المصريين، وتهدد مصر فى وجودها وكيانها ذاته، وتمثلت التهديدات فى أطراف أو عوامل ثلاثة، تكاملت أو تواطأت على الوطنية المصرية، وتتمثل فى تيار الإسلام السياسى، الذى يتبنى إسقاط الدولة الوطنية، لتحل محلها دولة الخلافة أو بعض الولايات ذات النزوع الطائفى تمهد عندهم لقيام دولة الخلافة، التى يتوهمون قيامها، وقد فشل هذا التيار فى كل مكان وجد به، فشل فى سوريا وفى ليبيا وفى تونس ومن قبل فى الجزائر وغيرها، ربما كان فشله الأبرز فى مصرنا، حين تولى الإخوان الحكم لمدة عام، وباءوا بفشل عظيم، لم يكن الفشل لسوء الأداء وسوء النوايا فقط، ولكن لأن مشروعهم، غير قابل للتحقيق، الفكرة بحد ذاتها غير صالحة للعصر ولا للتطبيق العملى، وفى كل مكان حاولوا تطبيقها عادت بالكوارث والويلات على المجتمع والدولة والوطن. تفتت المجتمع وتشرذمت الدولة وتمزق الوطن.




لم تتراجع هذه الفكرة وذلك التيار تلقائياً، بل بنضال حقيقى خاصة الشعب المصرى كله، وكان فى الصدارة منه الطلائع، أو من أطلق عليهم الرئيس السيسى فى خطابه أمام البرلمان هذا الأسبوع «فريق الإنقاذ» الذى تمثل أولاً فى قواتنا المسلحة ورجال الشرطة وبقية مؤسسات الدولة المصرية، وسقط منها شهداء وجرحى، تحملنا عبئاً ضخماً، ومازلنا نتحمله فى سيناء الغالية.




ويجب القول إنه منذ أسقط مصطفى كمال أتاتورك دولة الخلافة سنة١٩٢٤، وهناك حنين لدى البعض لاستعادة الخلافة مرة ثانية، لكنه ظل مجرد حلم متعلق بالتاريخ حينا، وخوف على الإسلام حيناً آخر، ذلك أن هناك من ربط بين الدين والحكم، واعتبر أن الدين إلى ضياع ما لم يكن ممثلوه فى السلطة والحكم، لكن مع جماعة الإخوان وما نتج عنها من بقية فصائل الإسلام السياسى، تحول الحلم بالخلافة إلى مشروع سياسى، وكان ذلك ممكنا احتماله لو أنهم ظلوا فى نطاق العمل السياسى والفكرى، لكن لأنهم فشلوا فى إقناع الرأى العام بأفكارهم قرروا أن يفرضوها فرضاً علينا، فاتجهوا إلى العنف والإرهاب ، ثم التواطؤ مع الدول الاستعمارية لتدفع بهم فى المقدمة، وجرى الارتباط بينهم، منذ عقود بعيدة فأساءوا إلى الإسلام كدين وإلى المسلمين أمام العالم، حيث وصم المسلمون بالإرهاب والتطرف، وما ظاهرة الإسلاموفوبيا التى تجتاح الغرب، سوى نتيجة من نتائج ذلك التطرف.




الخلافة تعنى فعلياً عدم الاعتراف بالوطنية كفكرة وشعور، وعدم الاعتراف بالدولة الوطنية، وهذا هو سر الخلاف والعداء مع جماعة الإخوان وكل فصائلها، المصريون انحازوا منذ الزمن القديم إلى هويتهم الوطنية، ولم يقايضوا عليها، ولم يحاولوا استبدالها بأى معنى آخر، طوال التاريخ .




التهديد الآخر، كان فى تيار العولمة، والذى يسعى أيضاً لإضعاف الدولة الوطنية وإسقاطها، إن أمكن بدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحت هذه المسميات تم إسقاط بغداد سنة ٢٠٠٣، ومن قبلها يوغسلافيا، والفكرة الأساسية فى هذا التيار، أن معايير حقوق الإنسان ومعايير الديمقراطية، صارت معايير دولية، تتجاوز سلطة ودور الدولة الوطنية، وسوف نلاحظ هنا أوجه الشبه بين أنصار الخلافة ودعاة العولمة، كل منهما ضد الوطنية والدولة الوطنية عموماً، لذا لم يكن غريباً أن نجد تحالفاً وتعاونا بين أنصار التيارين وكل منهما كان يدعم الآخر، أمامنا نموذج الإخوان فى مصر وإدارة أوباما فى الولايات المتحدة.




وقد أخذ تيار العولمة فى التراجع مع التصدى له، وبروز فشله حتى فى الدول الداعية إليه فى بريطانيا تم الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوربى، وفى أسبانيا كانت هناك محاولة لانفصال إقليم كتالونيا، وإقليم الكبك فى كندا، وفى الولايات المتحدة، على عهد أوباما، ازداد الاحتدام العنصرى بين البيض والسود، ثم كان التمرد الأكبر من روسيا والصين على العولمة، وأخيراً ما نراه فى الولايات المتحدة الآن وأزماتها المتكررة مع حلفائها الأوروبيين ومع الصين فى فرض الضرائب والجمارك على الواردات إلى أمريكا، والمعنى هنا أن الولايات المتحدة تقول ليس هناك عالم واحد، هناك أمريكا أولاً وأخيراً.




التهديد الثالث، هو نتيجة للتيارين السابقين، أقصد حالة التشظى والتفتت التى يمكن أن تصيب المجتمع فى لحظات التراجع والضعف، إذ تبدو بعض الولاءات ذات الطابع القبلى والعشائرى أو المناطقى، وقد علا صوت هذه الحالة فى بعض المناطق بعد ثورة يناير ٢٠١١، حين بدا أن الدولة تتجه إلى الضعف، فظهرت بعض الصيحات فى أكثر من محافظة، ولكن تم تجاوزها بسرعة شديدة .




وقد تراجعت هذه التهديدات، ولكن بقيت التحديات أمامنا، فلن نقضى يومنا نتغنى – فقط – بوطنيتنا، لكن لا بد لنا أن نزكيها ونقويها.




وقد أشار الرئيس فى خطاب التنصيب، صباح السبت، إلى بعض هذه التحديات، وأهمها أن مصر تتسع لنا جميعاً، بلدنا جميعاً، تتسع للمؤيد والمعارض، من وافق الرئيس ومن اختلف معه، والحق أن وجود المؤيد والمعارض، ضرورة حياة، سياسياً واجتماعياً وكذلك فكرياً، فلن يكون جميع المواطنين متشابهين فى آرائهم ومشاعرهم وأفكارهم، ومصر تسع الجميع، والخلاف فى الرأى والفكر والتوجه لا يجب أن يتحول إلى استقطاب وتنافر وعداء، بل يجب أن يكون مصدراً للتعدد وجزءا من التنوع الخلاق، الذى يثرى الحياة ويرتفع بالعقل والوجدان، المرفوض أن يتجه المختلف إلى الإرهاب، أى رفع السلاح على سائر المواطنين وترهيبهم.




الترهيب لا يكون بحمل السلاح والترويع فقط، ولكن أيضاً باعتناق أفكار متطرفة تقوم على إنكار وجود الآخرين أو تكفيرهم، ومن ثم يكون هذا التفكير قابلاً إلى أن يتحول إلى عنف وإرهاب، فالعنف المادى سيسبقه عنف فى الفكر وفى التعبير، إرهاب الإخوان فى الأربعينيات سبقته كلمات وآراء حسن البنا، وإرهابهم الآن جاء نتيجة أفكار سيد قطب وسائر القطبيين الذين تشربوا أفكاره .




وتحقيق التعدد والتنوع الخلاق فى المجتمع وعلى مستوى الدولة، يتطلب مجهوداً فى كثير من المجالات، فى مقدمتها التعليم والثقافة والإعلام والفكر الدينى وغيرها من المجالات، وقد وضع السيد الرئيس يده على أصل المشكلة وجوهرها، حين استعمل تعبير «بناء الإنسان»، وخاصة فى مجالات الصحة والتعليم والثقافة، وأنه سوف تكون لها أولوية خلال السنوات الأربع القادمة .




صحياً وطبياً، نحن نعرف الحكمة القديمة، العقل السليم فى الجسم السليم، وتعليمياً، يقتضى الأمر جهداً ووقتاً أطول، هنا يتعلق الأمر بالتربية، تربية النشء، على أن الحياة قائمة على التعدد، والتنوع، ولا مجال كبيرا فيها للأحادية، الاختلاف هو سمة الحياة، هناك الخير والشر ما بينهما أطياف واسعة. وكذلك كل شيء، التنوع فى الجنس واللون، التنوع فى الأديان والثقافات والأفكار، باختصار نظام الحفظ والتلقين، والإجابة الأحادية التى يرددها كل التلاميذ، لن تقدم لنا جيلاً يؤمن بالتعدد ويقتنع به.




أمامنا مجهود شاق لأربع سنوات، فى السنوات الأربع الأولى، كنا أمام تهديدات وجودية للوطنية وللدولة ولنا، وقد تجاوزنا هـذه التهديدات، وأمكن تثبيت أركان الدولة، يكفى أن الاحتياطى النقدى تجاوز ٤٤ مليار دولار، لأول مرة فى تاريخنا، والآن نبدأ سنوات التحديات، التى علينا أن نخوضها، بالعمل الجاد والوعى العميق، وليس أمامنا أى خيار آخر، سوى أن نعمل وأن ننجح