رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تجار الدين..وتجار الديمقراطية!

17-6-2018 | 18:25


عبد القادر شهيب

فى كلمته أمام مجلس النواب بعد أداء القسم لفترة رئاسية جديدة.. استخدم الرئيس السيسى مصطلحًا جديدًا وهو «تجار الديمقراطية» جنبًا إلى جنب مع تجار الدين، بما يفيد أنهم متساوون.




ومصطلح تجار الدين هو مصطلح قديم استخدم كثيرًا للإشارة إلى هؤلاء الذين يستخدمون الدين فى تحقيق أهداف سياسية.. وفى العصر الحديث اقترن هذا المصطلح «تجار الدين» بجماعة الإخوان، الذى حرص مؤسسها «حسن البنا» على إخفاء أهدافها السياسية عندما ادعى أنها مجرد جماعة دينية دعوية لن تفعل سوى الدعوة للدين والقيم الدينية فقط.. غير أنه عندما اشتد عود جماعته وحظيت بدعم خارجى «خليجى وإنجليزى» واسع جاهر بالأهداف السياسية لجماعته، استنادًا إلى أن الإسلام دين ودولة وأن المسلم الحق يهتم بشئون الأمة وأمور السياسة مثلما يهتم بشئون الدين وأمور الدعوة.. وبمرور الوقت نفذ البنا كلامه ذلك عمليًا عندما انخرط فى فى عمل دؤوب من أجل التواجد على الساحة السياسية والمشاركة فى البرلمان لتحقيق نفوذ سياسى والاحتفاظ بقنوات تعاون وتواصل مع الملك والحكومات المتعاقبة.






وقد انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية نهج الاتجار الدين إبان الحرب الباردة التى نشبت بينها والاتحاد السوفيتى السابق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهى استخدمت الدين فى حشد العديد من الدول العربية والإسلامية ضد الاتحاد السوفيتى الكافر والملحد، دفاعًا عن الإسلام.. وتحديدًا فى حفل هذه الدول فى البداية على استخدام أموالها فى أنشطة وأعمال عدائية مناهضة للاتحاد السوفيتى تصب أساسًا فى المصلحة الأمريكية، ثم في استخدام شبابها للقتال ضد القوات السوفيتية، التى دخلت أفغانستان.. وقد أنفقت دولنا العربية والإسلامية الكثير من أموالها وساعدت على إرسال شبابها للقتال فى أفغانستان حتى خرجت القوات السوفيتية منها، وهى كانت مقدمة لانهيار واختفاء الاتحاد السوفيتى كله فيما بعد، وبالتالى انتهاء الحرب الباردة التى استمرت عدة عقود حاربت فيها أمريكا السوفيت بأموال العرب وشبابهم.




أما بعد انتهاء الحرب الباردة على إثر سقوط الاتحاد السوفيتى فقد وجدت أمريكا أنها لم تعد بحاجة للاتجار بالدين على غرار ما فعلته من قبل إبان سنوات الحرب الباردة، خاصة أن من دربتهم وسلحتهم أمريكا خلال عملية الاتجار بالدين انقلبوا عليها.. فهم لم يهددوا فقط دولنا العربية والإسلامية، وإنما اتسعت تهديداتهم لتطال دول أوربا وأمريكا.. وذلك حينما تكون تنظيم القاعدة من مجموعات انخرطت فى القتال ضد القوات السوفيتية فى أفغانستان، وانطلق هذا التنظيم ليوجه أنشطته إليها، ولم يقتصر الأمر فقط على عودة ما أطلق عليهم الأفغان العرب الذين شكلوا تنظيمات محلية فى دولنا العربية، وشنوا عمليات إرهابية ضدنا، مثلما فعل تنظيم الجهاد وتنظيم الجماعة الإسلامية فى مصر خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى.




وعندما ذاق الأمريكان والأوربيون مرارة طعم الإرهاب، الذين صنعوا تنظيماته وقدموا الرعاية والدعم لها من قبل، فإنهم اتجهوا إلى التفكير فى إعادة تشكيل منطقتنا سياسيًا من جديد، وذلك بالسعى إلى إسقاط الأنظمة السياسية الموجودة بها واستبدالها بأنظمة جديدة تمنحهم وقاية وحماية من هذا العنف والإرهاب الذى طالهم، خاصة بعد حادث سبتمبر فى نيويورك.. حيث انتهت دراساتهم وأبحاثهم إلى أن أفضل حكم لنا مناسب لهم هو حكم الإخوان، أى حكم ما اعتبروه جماعة دينية معتدلة تقدر بحكم نشأتها وتكوينها وفكرها على ترويض الجماعات الدينية الأخرى الأكثر تطرفًا.




ولأنه كان من الصعب المجاهرة بذلك، فإن الأمريكان اختاروا المتاجرة بالديمقراطية لتحقيق مخططهم هذا، الذى صاغوه فى البداية خلال نظرية الفوضى الخلاقة، ثم طوروه خلال مفهوم الربيع العربى.. وهذا ما يعترف به أحد المحافظين الجدد فى أمريكا، بيل كريستول، الذى كشف النقاب عن سر ادعاء أمريكا عندما قررت غزو العراق بأنها كانت تسعى لأن تخلص شعبه من الديكتاتورية، وأن تحقق له الديمقراطية.. فهو يقول إن الشعب الأمريكى لا يقبل بأن يخوض حربًا إلا من أجل هدف أخلاقى جميل ورفيع، ولذلك كان الادعاء بأن أمريكا احتلت العراق لتخلصه من الديكتاتورية، رغم أنها جلبت له الدمار والخراب والانقسام، فضلًا عن الهيمنة الخارجية «الإيرانية».. وبهذا المعنى فإن الاتجار بالديمقراطية لا يستهدف فقط خداع العرب بصفة عامة، وإنما يستهدف أيضًا خداع الأمريكيين أيضًا؟




إن أمريكا أثبتت مبكرًا فى الأربعينيات من هذا القرن أنها ليست حريصة على تحقيق الديمقراطية أو على حماية حقوق الإنسان، عندما كلفت المخابرات المركزية الوليدة أن تتدخل بشكل مباشر فى الانتخابات البرلمانية الإيطالية لتمنع فوز الحزب الشيوعى الإيطالى بالأغلبية، وتمكن الحزب الديمقراطى المسيحى من كسب الانتخابات، حتى تتشكل حكومة إيطالية موالية لها بعيدة عن تأثير نفوذ الاتحاد السوفيتى، وذلك فى غمار الحرب الباردة، التى خاضتها أمريكا ضده فور انتهاء الحرب العالمية الذى تمخض عنه بروز قوتين عظيميين فى العالم، بينما كانت أمريكا تبغى أن تكون هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم.




إلا أن ذلك لم يمنع أمريكا فيما بعد من المتاجرة بالديمقراطية عندما قررت أن تغير الأوضاع السياسية لمنطقتنا بما تراه موائمًا ومناسبًا للحفاظ على مصالحها، وقررت تمكين الإخوان من الحكم فى عدد من البلاد العربية من بينها بالطبع مصر.




من أجل ذلك أنشأت أمريكا منظمة خاصة أسمتها منظمة الوقف الديمقراطى تتولى هى، بدلًا من المخابرات المركزية، توفير التمويل والدعم اللازم لجماعات وحركات ترفع رايات التغيير السياسى وحماية حقوق الإنسان وإنجاز التحول الديمقراطى.. فقد قررت أمريكا أن تعتمد على بعض منظمات المجتمع المدنى فى تنفيذ خطتها الخاصة بمنطقتنا، وهى الخطة التى كانت تستهدف تمكين الإخوان من حكم بلادنا.. ولهذا السبب أنشأ الحزبان الأساسيان فى أمريكا والحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، لكل منهما منظمة مجتمع مدنى هما «المعهد الجمهورى والمعهد الديمقراطى»، وعبر هذه المنظمات تدفقت الأموال الأمريكية لدعم الحركات والمجموعات، التى انخرطت فى جهد وعمل منظم لتنفيذ ما تسعى إليه أمريكا من تغيير سياسى، واستثمرت فى ذلك رغبة عارمة من أجل التغيير كانت تسود بلادنا، فى ظل إما ركودا سياسيا أو غموض المستقبل السياسى، وأيضًا معاناة اقتصادية واجتماعية لفئات واسعة من مجتمعاتنا.




ولقد انكشف أمر الاتجار بالديمقراطية فى بلادنا بوضوح خلال أعوام ٢٠١١ - ٢٠١٣ - ٢٠١٢.. فإن الأمريكان منحوا أول موافقتهم للإخوان على الترشح لانتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢ بعد حصول الرئيس الأمريكى الأسبق منهم على تعهدات مكتوبة ملزمة موقعة من المرشد بديع ونائبه خيرت الشاطر.. وعندما استخدم الحكم الإخوانى المستبد والفاشى العنف ضد المصريين المحتجين على الإعلان الدستورى، الذى منح به مرسى نفسه سلطات شبه دينية وقف الأمريكان داعمين لهم.. وهذا ما فعلوه أيضًا عندما انتفضت ملايين المصريين فى ٣٠ يونيه للتخلص من هذا الحكم.. بل إن الأمريكان عاقبونا بوقف المعونات العسكرية وحرضوا الأوربيين على حصارنا!.




ونحن يجب أن ننتبه لخطر الاتجار بالديمقراطية، مثلما تنبهنا لخطر الاتجار بالدين.. فإن الديمقراطية لا تستورد ولا تصدر، وإنما هى تصنع محليًا.. الديمقراطية تحقق عبر نضال وكفاح طويل.. ولن يساعدنا أحد من الخارج على أن نصنع لأنفسنا ديمقراطيتنا.. ومن يدعى ذلك إما واهما أو مخدوعا أو مشاركا في مخطط خارجى لايستهدف مصلحة بلده يغطى أو يخفى ذلك بهذا الادعاء.




إن تاريخ أمريكا والعديد من مؤسساتها بعد الحرب العالمية الثانية فى هذا الصدد هو تاريخ لإجهاض الديمقراطية وليس مساعدة الشعوب على تحقيقها.. لذلك يتعين أن نحذر من تجار الديمقراطية مثلما نحذر من تجار الدين، خاصة أننا جربنا خطر تعاونهم معًا، والذى صنع لنا حكما فاشيًا ومستبدًا كاد، لولا سلم الله، أن يقضى على كيان دولتنا الوطنية.