رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


زيارة "كيم" الثالثة للصين لتبديد المخاوف والشكوك الصينية

21-6-2018 | 07:00


تحمل الزيارة الثالثة، خلال هذا العام لرئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون للصين، رسالة فحواها أن بيونج يانج لن تهمل المصالح الاستراتيجية الصينية، حتى خلال شهر العسل الدبلوماسي مع الرئيس الأمريكي ترامب، حيث تعهد كيم، خلال اجتماعه مع نظيره الصيني شي جين بينج، بالتعاون مع المسئولين الصينيين من أجل الوصول إلى سلام حقيقي في عملية فتح مستقبل جديد في شبه الجزيرة الكورية، بعد أن توصلا إلى تفاهم بشأن قضايا مشتركة من أهمها إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.

 

مصالح مشتركة:

تشير الدراسات السياسية إلى أن السياسة الخارجية لكوريا الشمالية، بدأت تتجه نحو فتح آفاق من التعاون مع كل القوى الدولية بهدف بناء اقتصاد كوري قادر على المنافسة العالمية، وباتت السياسة الكورية تقوم على مبدأ التوازن في المصالح الاستراتيجية، إذ يطمح كيم إلى تطوير علاقات سلمية مع الولايات المتحدة، والحفاظ فى الوقت نفسه على علاقاته التاريخية مع الصين، التي تعد من بعيد شريكه الأول على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.

 

كما تأمل بكين في أن تصبح شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي، على أن لا يكون للتقارب بين واشنطن وبيونج يانج تأثيرات سلبية على المصالح الصينية وألا يكون على حسابها، ومن شأن هذا السيناريو ـ في حالة حدوثه ـ أن يهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة.

 

واذا كانت الصين لم تتمثل في القمة بين كيم جونج اون ودونالد ترامب في 12 يونيو في سنغافورة، فقد كانت الوسيط الدبلوماسي القوي والضاغط لإتمام هذا اللقاء، بل وأعارت الرئيس الكوري الشمالي طائرة للوصول الى سنغافورة.

 

فقد وضع كيم في مقدمة أولوياته، خلال زيارته الثالثة إلى الصين، أن يتناقش مع الرئيس الصيني فيما تم التوصل إليه من اتفاقات مع الجانب الأمريكي، وما يمكن أن يكون في صالح كوريا الشمالية بالكامل، بجانب ما تم الاتفاق عليه من نزع السلاح النووي.

 

ولا ريب أن إطلاع الصين على كافة جوانب المباحثات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، بات أمراً في غاية الأهمية، لأنه يترجم شكل الصداقة بين كوريا والصين من جهة، ومن جهة أخرى يتيح لكافة الأطراف "الأسيوية" أن تعدل طريقها بما يتناسب مع التوجهات الأمريكية الجديدة في المنطقة، وفي مقدمتها الانسحاب من بعض الاتفاقات، والتي كان من أبرزها القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق التدريبات العسكرية "الاستفزازية" بين واشنطن وسيئول، والتي كانت مصدر إزعاج حقيقي لكوريا الشمالية، وتهدد العلاقات المشتركة بين الكوريتين، حيث أن أخر مجموعة من التدريبات العسكرية المشتركة بين الأمريكان والجنوبيين، كانت على كيفية اقتحام الحدود الكورية الشمالية.

 

يُشار إلى أن التحالف الصيني -الكوري الشمالي قائم منذ حارب البلدان جنبا الى جنب خلال الحرب الكورية (1950-1953) لكن تطبيق الصين عقوبات الأمم المتحدة الرامية الى اقناع بيونج يانج بالتخلي عن برنامجها النووي، أدى الى بعض التوتر فى العلاقات التي بات البلدان يحرصان على إعادتها كما كانت.

 

ففي أواخر مارس الماضي، زار كيم جونج أون بكين فى أول رحلة له إلى الخارج منذ وصوله الى سدة الحكم أواخر 2011، ثم قام بزيارة ثانية فى مايو المنصرم الى مدينة داليان الشهيرة بمرفأها في شمال شرق الصين.

 

أهمية خاصة للزيارة

تكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة على خلفية تزامنها مع مجموعة من التطورات والأحداث وهي:

 

أولاً: انطلاق شرارة حرب تجارية بين أمريكا والصين، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على سلع صينية قيمتها 50 مليار دولار، وتعهده فرض مزيد من الرسوم إذا اتخذت بكين إجراءات انتقامية، ثم إعلان الصين عزمها على فرض رسوم مماثلة في الحجم والكثافة.

 

وجاء قرار ترامب، بعد أن فشلت جوالات دبلوماسية مكوكية بين بكين وواشنطن في معالجة الخلل في الميزان التجاري، في إجراء يرتبط بحقوق الملكية الفكرية والتكنولوجيا. وقال ترامب: "لا يمكن الولايات المتحدة السماح بعد الآن بخسارتنا التكنولوجيا والملكية الفكرية من خلال ممارسات اقتصادية غير منصفة"، مؤكداً: "هذه الرسوم ضرورية لمنع المزيد من النقل غير المنصف للتكنولوجيا والملكية الفكرية إلى الصين، وستحمي الوظائف الأمريكية".

 

وفي خضم هذه الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، فإن كوريا الشمالية تعتبر "ورقة مهمة" للصين في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وقد توجه مسؤولون كوريون شماليون أيضا الى الصين في الفترة الأخيرة للاطلاع على إصلاحاتها الاقتصادية وهذه إشارة أخرى إلى التبعية الاقتصادية لبيونج يانج حيال جارتها بكين.

 

ثانياً: أن هذه الزيارة تأتي عقب القمة التاريخية بين ترامب وكيم في سنغافورة، بهدف الطلب الكوري من بكين المساعدة في تخفيف العقوبات على كوريا الشمالية وتقدم المزيد من المساعدات الاقتصادية لها، خاصة أن الوثيقة الموقعة بين الرئيس الأمريكي ونظيره الكوري الشمالي، والتي تنص على المضي قدماً فى عملية نزع السلاح النووي فى شبه الجزيرة الكورية، غامضة ولم تتضمن أي توقيت زمنى واضح، الأمر الذى جعل الأمريكيين يصرون على بقاء العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية حتى تقوم بتفكيك برنامجها النووي بالكامل.

 

ثالثاً: الاتجاه إلى تحقيق دفعة قوية للعلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، بعدما أعلنت واشنطن أن كوريا الشمالية قد تسلمها قريبا دفعة أولى تضم رفات 200 جندي أمريكي قتلوا في الحرب الكورية، وذلك بموجب الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب والرئيس الكوري الشمالي، كيم جونج أون، خلال قمتهما التاريخية في سنغافورة الأسبوع الماضي.

 

وبحسب البند الرابع من اتفاق سنغافورة فإن "الولايات المتحدة وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية" تتعهدان العثور على رفات أسرى الحرب والذين فقدوا في المعارك وإعادة الذين حددت هوياتهم منهم إلى بلدهم في الحال". وكانت واشنطن وبيونج يانج ابرمتا اتفاقا سابقا استعادت بموجبه واشنطن بين العامين 1990 و2005 رفات 229 جندي أمريكي، ولكن مفاعيل هذا الاتفاق تم تجميدها إثر تدهور العلاقات بين البلدين.

 

يبقى القول إن زيارة كيم الثالثة للصين ستكون لها نتائج بعيدة المدى، على صعيد العلاقات الكورية الصينية في المستقبل المنظور سواء فيما يتعلق بالدور الصيني في تخفيف العقوبات على بيونج يانج، مع التمسك بمصالح بكين الاقتصادية والسياسية في المنطقة، أو فيما يتعلق بعلاقة واشنطن مع بكين بعد انطلاق شرارة الحرب التجارية بين البلدين، أو فيما يتعلق بإعادة منظومة العلاقات الدولية في شبة الجزيرة الكورية بما يحافظ على أمن واستقرار المنطقة ودولها من تهديدات الأسلحة النووية.