رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


هل يجوز للمرأة أن تتقلد وظيفة رجل دين؟

18-3-2017 | 23:41


بقلم : القس د.إكرام لمعى – رئيس السينودوس الإنجيلى

ذكر شيخ المؤرخين "هيرودت" الملقب بأبي التاريخ 484 – 425 ق.م أن علاقات الرجل بالمرأة كانت متروكة للصدفة، ولا تفترق عما يشاهد بين الحيوانات، وكان إذا ولدت المرأة ولدا يجتمع القوم عندما يصل الولد إلى سن البلوغ وينسبونه إلى أقرب الناس شبها به, وهذه العادة كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام؛ حيث كان المجتمع أميا؛ فينسب الابن للأم وليس للأب وكان هكذا عند القبائل الجرمانية (ألمانيا).

أما بعد أن ودع الإنسان هذه البداوة وأصبح له وطن، اشتغل بالزراعة، وهنا أوجد الإنسان نظام البيت، وبدأ منذ ذلك الوقت ظهور العائلة، ومما ساعد على هذا التشكيل العائلي أنه كان لكل عائلة معبودها الخاص بها تختاره من بين أسلافها، ولقد حدث ذلك عنداليونان والرومان والهنود الجرمانيين بالتوازي.

ويعتبر إبراهيم أبو الأنبياء هو الحلقة الانتقالية بين الحياة الرعوية وبين الاستقرار،وذلك عندما دعاه الله ليستقر في أرض فلسطين، وبعد الاستقرار وتوالى الأجيال تحول الله يهوه من إله عائلة إلى إله قبيلة ثم بعد هجرة تلك القبيلة إلى مصربسبب يوسف الصديق وتكاثرها على مدى أربعمائة عام ثم عودتهم إلى فلسطين تحت قيادة النبي موسى تحول الله إلى إله أمة.

وقد ترتب على هذا التحولمن المجتمع الرعوي إلى المجتمع الزراعي وظهور النظام العائلي حرمان المرأة من استقلالها، ولذلك نرى أن رئيس العائلة عند اليونان والرومان والجرمانيين والهنود والصينيين والعرب يمتلك زوجته كما يمتلك الرقيق بطريقة الشراء، بمعنى أن عقد الزواج كان يتم على صورة بيع وشراء وهذا واضح في القانون الروماني، وقد ذكره المؤرخون المعاصرون لهيرودوت بالقول: إن الرجل يشترى زوجته من أبيها فتنتقل إليه جميع حقوق الأب عليها (لاحظ هنا - عزيزي القارئ - أن بعض الطوائف المسيحية حتى اليوم في وصايا الكاهن للعريس في حفل الزفاف يؤكد عليه أنه هو الوصي على عروسه بعد أبيها.. إلخ وفي وصايا الزوجة يوصيها أن تدعو زوجها بـ"سيدي" مثل ما كانت سارة تقول لإبراهيم)، وكان الزوج في ذلك الوقت من حقه أن يتصرف في زوجته بالبيع لشخص آخر، وعند موت الزوج تنتقل الزوجة مع التركة إلى الورثة من أولادها الذكور وبالطبع المرأة هنا ليس لها الحق في أن تمتلك أي شيء لها أو ترث، وللزوج الحق في الزواج من أكثر من واحدة.

في مرحلة ثالثة، تكونت الدولة فأعطت المرأة حق الملكية أو بعضا منها، وأيضا حق الإرث ناقصا أو كاملا طبقا للشرائع الحاكمة في ذلك الوقت.

وباختصار شديد، نستطيع القول إنه مع مرور الزمن وتحضر بعض الدول والحضارات وتخلف الأخرى، فإن هناك تلازماً بين الحالة السياسية والحالة العائلية في كل بلد؛ ففي كل مكان أو حضارة قام الرجل بوضع المرأة في مكانة منحطة وعاملها معاملة الجوارى ووضع نفسه في ذات المكانة والمنزلة؛ إذ يفقد هو معنى الحرية ووجدانها وبالعكس في البلاد والحضارات التي تتمتع فيها النساء بحريتهن الشخصية يتمتع الرجال بحريتهم السياسية؛ فالحالتان مرتبطان ارتباطا كليا، والسؤال: "أي الحالتين تؤثر في الأخرى؟" والإجابة أنهما متفاعلتان؛ فشكل الحكومة يؤثر في العلاقات والآداب المنزلية التيتؤثر في الهيئة الاجتماعية, ففي البلاد المتخلفة تجد المرأة في حكم الجارية للرجل والرجل في حكم العبد للحاكم؛ فالرجل في هذه البلاد ظالم في بيته مظلوم في حالة خروجه منه, لكن في البلاد والحضارات المتقدمة تجد أن الحكومات مؤسسة على الحرية واحترام حقوق الإنسان، لذلك ارتفع شأن النساء فيها إلى درجة ملحوظة سواء في حرية الفكر أو العمل.

يقول قاسم أمين في كتابه "المرأة الجديدة" إننا يمكن أن نلخص تاريخ حياة المرأة في العالم الإنساني إلى أربع مراحل:

عاشت المرأة حرة في العصور الأولى حيث كانت الإنسانية لم تزل في مهدها, ثم بعد تشكيل العائلة وقعت في الاستعبادالحقيقي، ثم لما قامت الإنسانية على طريق المدنية تغيرت صورة هذا الرق، واعترف المجتمع الإنساني لأول مرة للمرأة بشيء من الحق, ورغم ذلك خضعت المرأة لاستبداد الرجل الذي قضى عليها بألا تتمتع بالحقوق التي اعترف لها بها، ثم لما بلغت الإنسانية مبلغها من المدنية, نالت المرأة حريتها التامة وتساوت المرأة مع الرجل في جميع الحقوق أو على الأقل معظمها.

ثم يقول: "أربعة أحوال يقابلها أربعة أدوار من تاريخ التمدن في العالم والمرأة المصرية في الدور الثالث من حياتها التاريخية، بمعنى أنها في نظر الشرع إنسان حر له حقوق وعليه واجبات, ولكنها في نظر رئيس العائلة وفي معاملته لها ليست حرة بل محرومة من حقوقها الشرعية, وهذه الحالة التي عليها المرأة اليوم هي من آثار الاستبداد السياسي الذي تخضع له البلاد والعباد".

كتب قاسم أمين هذه الكلمات عام 1900م؛ أي منذ أكثر من قرن وعقد؛ فهل تغير الحال إلى الأفضل أم للأسوأ ؟ أعتقد أنه للأسوأ؛ لأن التفسير المتخلف للكتب المقدسة لم يكن بنفس القوة التي يطرح بها نفسه هذه الأيام؛ فلم تكن الأصولية في أمريكا وأوروبا كما هي اليوم، ولم تكن الكنائس التقليدية بقوة اليوم في بلادنا، ولم تكن الحركة الكارزمية والحركة الإيفانجيليكية (الإنجيلية المتشددة) ظهرتا بعد في العصر الحديث, ولم يكن ظهر في عالمنا العربي حسن البنا وسيد قطب وتنظيمات القاعدة وداعش وحماس والجهاد.. إلخ, ولعلك تلاحظ - عزيزي القارئ - أن الحركات الأصولية الدينية المسيحية والإسلامية اجتاحت عالمنا معاً في وقت واحد ومتزامن، لذلك ليس من الغريب أن تكون دعوة رسامة المرأة قساً أو تعيينها إماماً في الإسلام إحدى البدع الخارجة على الدين والأخلاق العياذ بالله.