رغم أنه يقيم مهرجان يقيّم الأفلام أخلاقيا .. الأب بطرس دانيال رئيس المركز الكاثوليكي : لا يمكن أن نرضى جميع الأذواق
حوار : هبة عادل
في زمن تراجع فيه الضمير وتوارت الأخلاق.. وانعكس ذلك علي كل شئ بما فيها الفن الذي يهمنا ويخصنا ويعنينا كقائمين علي متابعة الحركة الفنية لاسيما في مصر.. نجد أن جهة تهتم أيضا بالعمل السينمائي وترعاه وتحتفي به ولكنها في إطار هذه الرعاية تضع نصب أعينها تماما الأخذ بعين الاعتبار مراعاة الجانب الأخلاقي والبعد الإنساني في تقييم وتحديد الأفلام التي يشملها اهتمام هذا المركز العريق المعروف باسم المركز الكاثوليكي المصري للسينما..
والذي يقيم مهرجانا سنويا في مثل هذه الأيام من كل عام لاختيار الأفلام المتميزة والفنانين المبدعين في كافة مجالات العمل السينمائي ليكرمهم ويمنحهم ما يستحقونه من جوائز وشهادات تقدير.. فيما يتم اختيار الأفلام المشاركة علي أساس محدد جدا في لائحة المهرجان وهو البعد الأخلاقي والإنساني كمعيار اساسي للاختيار إلي جانب المعايير الفنية الأخري.
في هذا الإطار اختار المركز هذا العام خمسة أفلام من بين 42 فيلماً وقد تم عرضها خلال أسبوع المهرجان وهى نوارة - البر التاني - هيبتا - لف ودوران - يوم للستات - وقد حضرت هذه الأفلام وفي ذهني التركيز في البحث على تطبيق هذا الشرط في الأفلام المعروضة، وقد وضعت في هذا الاطار مجموعة من الملحوظات والتساؤلات التي طرحتها بدوري علي الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي للسينما ورئيس المهرجان لإلقاء المزيد من الضوء حول هذه النقاط فماذا قال:
في البداية هنأته علي نجاح مهرجان هذا العام فقال:
أشكركم وأشكر كل من يساهم معنا بالجهد والرعاية لقيام وخروج هذا المهرجان العريق الذي احتفل هذا العام بدورته الخامسة والستين بشكل لائق وناجح، وقد لمست ذلك من خلال ردود أفعال كل من شرفنا بالحضور لاسيما وقد اتسم مهرجان هذا العام بحضور مكثف للضيوف وكل من قمنا بدعوته.
ونحن بالفعل نحاول دائما تلافي السلبيات وتقديم أفضل ما لدينا.
علي أي اساس تم وضع المعيار الأخلاقي لاختيار الأفلام المشاركة في المهرجان؟
المركز أنشئ علي منشور مهم في جميع المراكز الكاثوليكية في العالم منذ عام 1936 حيث وجد البابا بيوس الحادي عشر تصاعداً للفن السينمائي في أمريكا وقد أقلق هذا الاختراع رجال الدين فأكد هذا البابا علي ضرورة الاستفادة من هذا الفن بما لا يتعارض مع مبادئ الدين والأخلاق بل توظيفه في خدمة البشرية... وفي مصر قام الأب بطرس فرنسيدس مع الأخ الراحل فريد المزاوي بتطبيق هذه القواعد في المركز المصري منذ بدأ المهرجان وإلي الآن ونحن نسير في إطار هذه الخطي....
ولكن قد يتحفظ الكثيرون من المشتغلين والمهتمين بمجال العمل السينمائي علي هذا المعيار في تقييم أعمالهم، لاسيما وأنه معيار ليس فقط شائكاً ولكنه معيار مطاط يختلف من فرد لآخر حسب العمر والثقافة والتعليم وأشياء كثيرة.
أعرف أيضاً أن البعض يرفض هذا المعيار ولكنها مسائل متباينة..
إذن كيف تختارون فعليا الأفلام ويتم تحديدها علي أساس هذا المعيار من خلال لجنة المشاهدة التي تترأسها؟
أولاً لا أقوم وحدي بهذا الدور ولكننا نشترك فيه جميعا وبحيادية وديمقراطية تامة وأذكر مثلا هذا العام «قال لي الكاتب الكبير كرم النجار وكان أحد اعضاء لجنة التحكيم لم أر في حياتي رئيس مهرجان لا يتدخل في الاختيارات ولا الجوائز» مثلما وجدت مع أبونا بطرس دانيال الذي يحترم جميع آراء اعضاء لجنة التحكيم..
ومن ثم فنحن لا نتوقف عند مشهد واحد أو آخر بعينه قد يراه البعض خارجا أو ما إلي ذلك ولكن نقوم بتقييم العمل كله وكيف أنه يقدم رسالة إنسانية هامة أو يعالج قضية تشغل الجمهور العام، علي أن تخلو المناظر والقصة من الرخص والإسفاف وحتي لو قدمت مشاهد أو حكايات فيها مثلا خيانة زوجية مثلما حدث في فيلم «سهر الليالي» الذي عرض منذ سنوات .. المهم أن تنتهي الأحداث بالندم وإظهار خطورة خطية الخيانة علي الفرد والمجتمع.
فلا نقبل أبدا أي مشاهد مبتذلة توضع لمجرد الترويج التجاري، ولا نقبل التجريح في الأديان أو الإسقاطات السياسية السلبية وهكذا....
وماذا لو وجدتم مشهداً خارجا في فيلم إطاره العام جيد فنياً؟
إذا كان المشهد يخدم السياق العام للفيلم وغير مقحم للابتذال أو للمتاجرة فلا مانع، خاصة إذا كنا من خلاله ندعم ونركز علي إظهار قيمة إنسانية أغلي، وكما ذكرت أننا نوضح قيمة الندم وسلبيات الخطأ وما إلي ذلك...
هل يمكن أن تحدثنا عن بعض الكواليس التي يتم فيها النقاش حول فيلم بعينه كان مثيراً للجدل؟
كثيراً ما يحدث هذا بدون ذكر هذه الأفلام ولكننا لا نأخذ الموضوع من مجرد مشهد لأننا بحثنا من خلال هذا المعيار فقط فلن نجد فيلما يخلو من مشهد هنا ولقطة هناك، وعموما لا يمكن إرضاء جميع الأذواق ومن يريد أن ينتقد سينتقد مهما قدمنا فإذا عرضنا فيلما بدون ولا مشهد خارج.. فقد يقال إنه ضعيف فنيا ولا يقدم أي رسالة وهكذا فعلينا أن نريح ضمائرنا قبل كل شيء ونكون متأكدين أننا نختار أفلاما تقدم رسالة حتي لو احتوي علي مشهد أو غيره يخدم الإطار العام.
ومثلا فيلم «يوم للستات» شاهدناه في لجنة الاختيار وأردت أن أشاهده وحدي بمفردي لأقيمه مرة أخري ولكني وجدته رغم وجود بعض المشاهد الحميمة إلا أنه فيلم يعلي من قيمة وشأن المرأة ويشرح ويتفهم أحاسيسها تماما في جميع الأعمار... وحتي لو احتوي علي بعض الشتائم فهي ليست إلا لغة عادية تتداولها النساء بشكل عادي ويومي في الأحياء الشعبية.
... في رأيي المشكلة الحقيقية أننا ليس لدينا النضج الكافي لتلقي هذه الأمور بعين واعية كما ينبغي.
إذا تحدثنا بأكثر دقة عن فيلم يوم للستات فقد لاحظنا أكثر من نقطة مثلا ظهور النجمة الشابة ناهد السباعي تقريبا طوال الفيلم «بالمايوه» وهي تعوم في حمام السباحة وترقص به وركزت الكاميرا عليها حتي تحت الماء؟
ناهد السباعي في هذا الفيلم جسدت دور فتاة شعبية ليست في كامل قواها النفسية والعقلية وأحلامها البسيطة كلها تتجسد في ارتداء هذا المايوه... وهذا في حمام السباحة في يوم مخصص للسيدات فقط فطبيعي أن تتحرر في هذا اليوم من قيود وضغوط الحارة وتفرح بنفسها وبأنوثتها المفقودة.
وماذا عن البطلة إلهام شاهين التي تحكي عن عملها منذ طفولتها كموديل يتم رسمه عاريا أمام الرسامين الذين يستغلون جمال جسدها العاري؟
هي فقط حكت عن هذا العمل لصديقاتها وذلك في إطار مأساتها وكون والد حبيبها قد رفض تزويجه وإياها بسبب هذا الفعل المشين وكيف أن عدم زواجها من حبيبها حرمها متعة الحياة الطبيعية كزوجة وأم ، فهي هنا دفعت الثمن كما أن الموضوع كان مجرد كلام ولم تظهر في مشهد عادي وهي بتترسم.
وأما مشاهدها الحميمة في الفراش مع البطل محمود حميدة وبدون زواج وكانت مشاهد مطولة زمنيا علي الشاشة ولكنها بدت كخيالات خلف ستائر ولم تركز عليها الكاميرا بشكل مباشر والمشهد نفسه في صميم دراما العمل حيث المرأة المحرومة من حبيبها وهو الذي تزوج رغم أنفه من أخري اختارها له والده فكان هذا المشهد هو نتاج الحب الضائع والحرمان - ونلاحظ أنه لم يحتو علي مشهد فج أو صوت خارج صادر منهما أو محاولة للإثارة أو الابتذال ولم يوضع بغرض الإسفاف.
إذا وجدتم في لجنة اختيار الأفلام مشهدا خارجا وباقي الفيلم يقدم قيمة فنية وإنسانية هامة هل يحق لكم قطع هذا المشهد وفقا للائحة المركز؟
إذا أردنا قطع مشهد لابد من العودة لصناع الفيلم واستئذانهم في هذا الشأن ولم يصادفنا مثل هذا الموقف..فإذا وجدنا أن المشهد مخل لدرجة تستوجب قطعه فإننا نرفض الفيلم كله من الأساس.
وماذا عن مشهد إمساك الشباب في غرفة تبديل الملابس فى حمام السباحة بقطعة الملابس الداخلية الحريمي الحمراء والذهاب بها إلي الشارع في الحارة؟
هذا المشهد أنا اختلفت عليه جدا وكدت أرفض الفيلم بسببه ولكن وجدته يعبر عن الحرمان والكبت الذي يعيشه هؤلاء الشباب نتيجة تأخر سن الزواج نظرا للاعباء الاقتصادية فتفهمت المشهد فى هذا الإطار وفي إطار الرسالة الأكبر التى يقدمها الفيلم..
تكرر مشهد المايوه أيضا في فيلم «نوارة» حيث الشابة رحمة حسن ابنه محمود حميدة وهي في حمام سباحة فيللتهم...
كما قلت .. شابة تمارس العوم في حمامة سباحة فيللتها في بيت والدها .. وليس أمام أحد فهذا طبيعي وكما قلت من يريد النقد ينتقد.
في فيلم نوارة.. البطلة منة شلبي.. الخادمة الآتية من حي شعبي لتعمل كخادمة في بيت الثري محمود حميدة وهي الفتاة «المكتوب كتابها» ولكنها ترفض المعاشرة الزوجية مع زوجها وتقاومه بكل السبل لحين الإعلان الرسمي عن «ليلة الدخلة» نجدها أمام الظلم الذي تعرضت له والعلقة الساخنة من شقيق صاحب المنزل تنهار وتسلم نفسها لزوجها في مشاهد كانت أيضا حميمية بدرجة كبيرة؟
هذه الفتاة ظلت مخلصة جدا لمبادئها لكنها عندما تعرضت لأزمة نفسية ضاغطة أصحبت ضعيفة جداً وهذه طبيعة النفس الإنسانية حين تضعف تحتاج إلي لمسة الطبطبة من حبيبها فاستسلمت لحبيبها وهو زوجها في الأساس ولم يكن بالمشهد أى إسفاف أو حركات مبتذلة ولا تركيز في أى تفاصيل..
فيلم آخر وهو «هيبتا» والذي حصد معظم جوائز المهرجان فضلا عن حصوله علي لقب أحسن فيلم في مهرجان هذا العام الفيلم يتحدث عن مراحل الحب السبع كما يراها كاتب الرواية والتي يشرحها من خلال أحداث الفيلم النجم ماجد الكدواني وكأنه في محاضرة نقدية ثم يجسد الفيلم رؤي الأبطال الأربعة الذين يعبرون ويجسدون مراحل الحب هذه وفي هذا الإطار نجدها كلها شخصيات ونماذج مشوهة ومشوشة فلدينا مثلا أربع حوادث انتحار داخل الفيلم منها اثنتان لامرأتين دون مراعاة لاطفالهما الصغار؟
إنها لحظات ضعف قد تصيبنا ونتعرض لها جميعا ومنا من يتحملها ويقاومها ومنا من تهزمه وهنا نريد لفت الانتباه لسلبية هذا الاتجاه وضرورة تخطيه ومقاومته خاصة عندما يري المشاهد علي الشاشة العذاب الذي تتركه الأم لطفل تختار له أن يعيش يتيما بعدها.
تحكى «ىاسمين رئيس » إحدي بطلات الفيلم عن حادث اغتصابها من خطيبها بشكل عفوي يبدو مستفزاً...
أفضل مما تكذب.. هي استطاعت أن تواجه بشجاعة الحدث الذي تعرضت له ظلما ولا تدفن رأسها كالنعامة وتكذب علي شريك حياتها الجديد وهو اتجاه محترم جدا نريد ترسيخه..
وحبيبها البطل «عمرو يوسف» الذي يوافق في لحظة علي الزواج منها رغم مروره بأزمة نفسية إثر فقدانه ابنته التي حاول بسببها الانتحار... هل هذا معقول؟
نعم ولم لا ... عندما وجد أنه يحبها وبحاجة إليها وإلي أن يكمل معها مشوار حياته بشكل سوي وسليم وناضج.
ويضيف النجم أحمد داود..يعمل رساما ويرفض العمل كونه في غير حاجة للمال فلا يريد أن يتحمل مسئولية ويستميل قلب فتاة مخطوبة ويأخذها من خطيبها.....
هو يري نفسه متحملا المسئولية من خلال عمله كرسام أما فترة الخطوبة فهي في جميع الأديان موضوعة كاختبار لمشاعر الطرفين فالفتاة وجدت نفسها مع هذا الفنان أكثر من خطيبها وهذا حقها..
وتابع: أنوشكا قدمت دور الأم القاسية عندما تتعرف علي مشاعر ابنتها المراهقة تجاه شاب مريض تحبه إنها مشاعر أم طبيعية تخاف علي براءة ابنتها ومستقبلها من هذا الموقف الصعب.
والطفل عبدالله هشام جسد قصة حب في سن صغيرة مع ابنة الجيران....
حب برىء من طفل لطفلة.. حالة طفولية بريئة وجميلة ولو لا حكي ماجد الكدواني لكل هذه النماذج في الخلفية والتي ربطت الأحداث واضعة المبادئ في كل قصة وحالة لم نقبل الفيلم، لكن هذه النماذج غير السوية هي ما يريد المحاضر الذي قدمه الكدواني أن يصلحها ويحللها لجمهوره.
وكلها نماذج حية في الواقع الذي نعيشه وأنا مع اتجاه طرح الواقع لمعالجته وليس الهروب منه.
فيلم «البر التاني» يناقش قضية الهجرة غير الشرعية للشباب .. بالرغم أنه لم يحتو علي أي مشهد خارج ولكن ما القيمة الاخلاقية التي يقدمها؟
هذا الفيلم ذكره النقاد بأنه لا يحمل قيمة فنية عالية وأنه غير روائي، حتي الشخصيات كلها لها نفس الهم والحالة حيث ترك الأهل وجمع تحويشة العمر من أجل السعي للسفر والحياة الأفضل فيهلكون في عرض البحر.. هو فيلم يقدم رسالة للشباب الذين ربما يسمعون أو يقرأون عن هذه الكارثة كثيراً ولكن تجسيدها في فيلم يعمقها أكثر ويجعلهم يخافون علي أنفسهم وذويهم من الخداع والضياع فهي رسالة توعية حقيقية للشباب ...
وأخيرا فيلم «لف ودوران» الذي يعتمد في فكرته علي التزوير والنصب وانتحال شخصيات أخري من أحمد حلمي ودنيا سمير غانم بهدف الاستغلال المادي فما رسالته الإنسانية؟
هو فيلم كوميدي خفيف.. وتم تصويره في شرم الشيخ، وقال المحافظ اللواء خالد فودة إنه ساعد أحمد حلمي في هذا الفيلم وإتاحة أماكن التصوير فهو فيلم يروج للسياحة هناك ويوضح قيمة العائلة والتفافها حول الشاب الابن في مرحلة اختياره الزوجة المناسبة، ففي إطار الكوميديا قدموا فيلماً يجمع أفراد الأسرة بشكل جميل.