تقرير.. من 30 يونيو إلى 3 يوليو 2013 أيام لا تُنسى حُفرت في التاريخ
تمر غدا
( السبت ) خمس سنوات على ثورة 30 يونيو، التي أسدلت الستار على فصل من التآمر الخارجى
على مصر، وكانت قرارا شعبيا لتصحيح مسار ما حدث في أعقاب 25 يناير عام 2011، وطوق نجاة
أنقد مصر والمنطقة العربية من مصير فوضوي محتوم، كما كانت انتصارا لإرادة شعب رفض التطرف
والمتاجرة بالدين وصمم على استرداد ما اختطفته جماعة الإخوان من ثمار ثورة يناير، فمثلت
بذلك محطة مهمة في عودة توازن البلاد السياسي والريادي.
أوقات عصيبة
مرت على المصريين جعلت من الفترة الممتدة من ٣٠ يونيو إلى ٣ يوليو عام ٢٠١٣ أياما لاتنسى
حفرت في التاريخ لما حملته من دلالات ومعانى، فقد مثل وصول الإخوان للحكم وضعا كارثيا
للمصريين، بسبب تولى مقاليد الأمور رجل جاء بمحض الصدفة البحتة كبديل، ولم يكن مؤهلا
لهذا المنصب الرفيع سياسيا أو بروتوكوليا، مما جعل مكتب الإرشاد يقوم بدور محرك قطع
الشطرنج على الرقعة السياسية التي شابها الكثير من الغموض والعوار والعوامل التي فاقمت
الأزمة السياسية فتصاعدت حدتها، و عاشت البلاد على مدى عام كامل حالة انهيار سياسي
في ظل حكم جماعة سرية متطرفة تتاجر بالدين و بالوطن وتبيع جغرافيته وتكره تاريخه.
إرهاصات الثورة
بدأت بعد مرور عشرة شهور على حكم محمد مرسي وجماعته، بتأسيس حركة حملت اسم "تمرد"
جمعت توقيعات المصريين لسحب الثقة منه، مطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتجاهل
مرسي تلك التوقيعات ورفض إجراء الانتخابات المبكرة واصفا إياها بالمطالب العبثية، وعندما
جمعت الحركة 22 مليون توقيع لسحب الثقة دعت الموقعين للتظاهر يوم 30 يونيو التي كانت
الذكرى الأولى لتولى مرسى منصب رئيس الجمهورية.
وفي يوم
٣٠ يونيو، تجمع الملايين من معارضي نظام مرسي في تظاهرات سلمية عمت أرجاء ميادين مصر
وطالبته بالرحيل و إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتركزت التجمعات بصفة خاصة في ميدان
التحرير وفي الميادين الرئيسية في عدد كبير من المحافظات، فيما خرج أنصار مرسي في تظاهرات
مؤيدة له في أماكن مختلفة أبرزها وأكبرها كانا ميداني رابعة العدوية والنهضة، وفي هذا
اليوم وقع قتلى وجرحى، وأحرقت مكاتب لجماعة الإخوان المسلمين، ومكتب الإرشاد بالمقطم
وأسفرت الاشتباكات عن وقوع 10 قتلى٠
وأصدر وزير
الدفاع آنذاك الفريق أول عبد الفتاح السيسي بيانا في الرابعة عصرا بتوقيت القاهرة،
ذكر فيه أنه من المحتم أن يتلقى الشعب ردا على حركته ومظاهراته وخروجه للشوارع، وأن
على كل طرف أن يتحمل قدرا من المسئولية في هذه الظروف الخطرة المحيطة بالوطن، وأشار
البيان إلى أن القوات المسلحة لن تكون طرفا في دائرة السياسة أو الحكم، وأن الأمن القومي
للدولة معرض لخطر شديد إزاء التطورات التي تشهدها البلاد، و أثار هذا البيان فرحة واضحة
بين المطالبين بإسقاط مرسى في جميع أنحاء البلاد، وارتفعت صيحات "الجيش والشعب
إيد واحدة".
وفي اليوم
التالي ( الأول من يوليو عام ٢٠١٣)، قامت مظاهرات إخوانية محدودة العدد لم تلق استجابة
جماهيرية وحملت شعارات ما أسمته "الدفاع عن الشرعية"، ومع تأزم الوضع السياسي
لم يكن في مقدور القوات المسلحة أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب
التي استدعت دورها الوطني، واستشعرت أن الشعب يدعوها لنصرته والحماية الضرورية لمطالب
ثورته، واستوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها، فاقتربت من المشهد السياسي آملة وراغبة
وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة.
وعصرا أصدرت
القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا يمهل القوى السياسية 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف
التاريخي، وذكر البيان أنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات
المسلحة ستعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها، في أعقاب ذلك، طالب كل من
حزب النور السلفي والدعوة السلفية الرئيس محمد مرسي بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية
مبكرة،إلا أن خطابا للرئيس السابق محمد مرسى امتد لساعتين ونصف الساعة جاء بما لا يلبي
ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، وعكس ذلك عجزا واضحا عن الإقرار بالواقع الصعب الذي تعيشه
مصر وبفشله في إدارة شئون البلاد منذ أن تولى مهام منصبه قبل عام.
وجاء ذلك
بناء على ما بذلته القوات المسلحة سابقا وتحديدا منذ شهر نوفمبر من عام ٢٠١٢، من جهود
مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي، وإجراء مصالحة وطنية بين كافة
القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة، و بدأت تلك الجهود بالدعوة لحوار وطني استجابت
له كافة القوى السياسية الوطنية باستثناء مؤسسة الرئاسة التي رفضته في اللحظات الأخيرة،
وباءت جميع الدعوات والمبادرات التي توالت وتتابعت بعد ذلك بالفشل، حيث تقدمت القوات
المسلحة أكثر من مرة برفع تقرير حول الموقف الاستراتيجي على المستوىين الداخلي والخارجي
للرئيس متضمنا أهم التحديات والمخاطر التي تواجه مصر على المستويات الأمنية والاقتصادية
والسياسية والاجتماعية، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام
المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.
وفي إطار
متابعة تلك الأزمة اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة برئيس الجمهورية في قصر القبة
يوم 22 يونيو عام 2013 طارحة رأي القيادة العامة في هذا الصدد ومؤكدة رفضها للإساءة
لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، ولترويع وتهديد جموع الشعب المصريين، و كان الأمل
معقودا على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لشعب
مصر بما يحقق طموحه ورجاءه.
وتمسكت جبهة
المعارضة بالدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة
استنادا على مسئوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية
والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد، واتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات
أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصي أحدا من أبنائه وتياراته وينهي حالة
الصراع والانقسام، ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب في بيان كل مصري إلى تحمل مسئوليته
"أمام الله والتاريخ والعالم"، محذرا من الانجراف إلى الحرب الأهلية
"التي بدت ملامحها في الأفق والتي تنذر بعواقب لا تليق بتاريخ مصر ووحدة المصريين
ولن تغفرها الأجيال لأحد". كما دعا بابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني المصريين
إلى التفكير معا والتحاور معا، وطلب منهم الصلاة من أجل مصر.
وفي الساعات
الأولى من يوم 2 يوليو عام ٢٠١٣، أصدرت الرئاسة بيانا جاء فيه أن الرئاسة المصرية ترى
أن بعض العبارات الواردة في بيان الجيش "تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب في
حدوث إرباك للمشهد الوطني المركب"، وفي نفس اليوم أصدرت محكمة النقض حكما ببطلان
تعيين النائب العام طلعت عبد الله، الذي شغل المنصب بعد عزل مرسي للمستشلر عبد المجيد
محمود، ووقعت اشتباكات في محيط جامعة القاهرة استمرت إلى صباح اليوم التالي، أدت إلى
مقتل 22 شخصا٠
وفي يوم
3 يوليو، أعلن المتحدث العسكري أن قيادة القوات المسلحة تجتمع بقيادات وقوى سياسية
ودينية شبابية بعد انتهاء المهلة التي منحتها القوات المسلحة للقوى السياسية، وفي حوالي
التاسعة مساءا بتوقيت القاهرة، أذاع التليفزيون المصري بيانا ألقاه وزير الدفاع عبد
الفتاح السيسي، أنهى فيه رئاسة محمد مرسي، وعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها
المجتمعون، شملت تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وأداء رئيس المحكمة الدستورية العليا
اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس
المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس
جديد للبلاد، على أن يكون لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية
خلال المرحلة الانتقالية، و تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات
لإدارة المرحلة الحالية.
و تشكيل لجنة
تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم
تعطيله مؤقتا، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا بسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات
مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، ووضع ميثاق شرف إعلامي
يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا
للوطن، و اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكا
في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
وأهابت القوات
المسلحة في البيان الصادر عنها، شعب مصر بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمي وتجنب
العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء، محذرة أنها ستتصدى بالتعاون
مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم لأي خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق
مسؤوليتها الوطنية والتاريخية، وتبع ذلك البيان احتفالات في ميدان التحرير وعدد من
المحافظات المصرية.