السعادة شعور ذاتي، وشخصي، ويختلف مفهومها، وطرق تحقيقها من شخص لآخر، ويمكن قياس سعادة الشخص بمدى كثرة المشاعر الإيجابية، ونُدرة المشاعر والعواطف السلبية.
وعندما يتمتع الناس السعداء بصحة أفضل؛ تكون لديهم قدرة أكبر على الإبداع، والعطاء، وينجحون أيضًا، في إشاعة جو من السعادة بالوسط الذي يعيشون فيه.
ولكن لماذا يصادف الإنسان، رغم ذلك، هذا العدد الكبير من أصحاب المزاج السيء؟ وكيف يكون الإنسان سعيدًا، خاصة أن العالم سيحتفل الإثنين 20 مارس، باليوم العالمي للسعادة.
تعتقد الخبيرة الألمانية جينا شولر، أن أصحاب المزاج السيء، ليسوا بهذه الحالة النفسية التي يبدون عليها، موضحة أنهم لا يحتاجون سوى محفزات إيجابية على السعادة.
وأطلقت «شولر»، حملة بعنوان: «اكتب نفسك سعيدًا»، واستطاعت خلال أيام قليلة، تشجيع 3700 من النساء، والرجال، على المشاركة بهذه الحملة.
وتعتمد فكرة الحملة التي دشنتها «شولر»، على حصول المشاركون على عنوان شخص مشارك في الحملة، ويكتبون له خطابا شخصيا، يستخدمون فيه أسئلة محفزة على السعادة مثل: «ما أجمل ذكريات طفولتك؟»، و«بماذا تفتخر؟».
وقالت «شولر» إن الصدى الذي أحدثته حملتها، هائل، منوهة بأن أكثر ما ميّز هذه الحملة، وساعد على نجاحها، هو التعرّف على شخص غريب، دون أفكار مسبقة، ودون تحيز.
وأضافت أن الجميع يتطلعون إلى الحصول مرة أخرى، عبر صندوق البريد، على شيء مكتوب باليد، بعد أن كان كل ما يحصلون عليه، في صندوق بريدهم، هو فواتير، ومطالبات بالدفع.
كانت مملكة «بوتان»، جنوب آسيا، صاحبة الفكرة؛ بعدما أعلنت في سبعينات القرن الماضي، عن أن إسعاد شعبها، بات هدفا للدولة، وأنشأت وزارة للسعادة.
أما عالم النفس الألماني توبياس رام، من جامعة براونشفايج للعلوم التطبيقية، فإنه يبحث عن السعادة في إطار مشروع علمي، حيث يطور أسلوبا تدريبيا خاصا يثير السعادة، ويستخدمه المعلمون، للمساعدة على تجنب ما يُعرف بالإرهاق الذهني في الوظيفة، وجعل هؤلاء المربين أكثر إبداعا.
ويتعلم هؤلاء المدرسون، في دورات خاصة، زيادة نسبة الاستعداد للسعادة، وذلك من خلال الحرص على إدراك ما هو جميل، والشعور بالشكر والمنّة، لما هو إيجابي، وكذلك عقد النية أكثر على أداء
أعمال صالحة.
وأثبت الباحثون الآن صحة المقولة القديمة، بأن الإنسان هو من يصنع سعادته بنفسه، حيث أظهرت دراسات دولية، أن الاستعداد الفطري للإنسان لأن يكون سعيدًا، يتوقف في 50% منه على عوامل في داخل الإنسان، في حين أن 10% منه فقط تتوقف على ظروف الحياة.
وعلى سبيل المثال فإن الحصول على وظيفة جديدة، أو سيارة جديدة، أو جهاز تلفاز جديد، لا يسهم في تحقيق السعادة بعيدة المدى.
وتم تجريب هذا التدريب، على السعادة المخصصة للمعلمين، في دورات لمدة 4 أسابيع، شارك فيها أكثر من 150 طالبًا.
ويوزع «رام» في بداية الدورة، كراسة تتضمن تدريبًا على السعادة بعنوان: «ثلاثة أشياء جيدة»، يُطلب فيها من كل طالب أن يسجل على مدى 14 يوما، ثلاثة أشياء جيدة عاشها في يومه، وأن يرفق بهذه الأشياء الثلاثة، مساهمته الشخصية التي قدمها لإنجاح هذه الأشياء، بما في ذلك الأمور الصغيرة مثل: الاستمتاع بالشمس، أو مراقبة السناجب أثناء تسلقها الأشجار، حسبما أوضح «رام».
واكتشف باحثون آخرون، أن هذا التفكير والتأمل المسائي، يؤثر بشكل إيجابي على النوم نفسه، ويعرّف الباحثون السعادة بأنها: شعور ذاتي أو شخصي بالراحة، والرفاهية، التي تتميز بالمعايشة الكبيرة للمشاعر الإيجابية، وندرة المشاعر والعواطف السلبية.
ولقياس درجة هذه السعادة، ترجم الباحثون المؤشر المعترف به عالميا، للتجارب الإيجابية، والسلبية «SPANE» إلى اللغة الألمانية، وأظهرت النتائج التي وجدها الباحثون لدى هؤلاء الطلاب، أن هذا التدريب يمكن أن يكون مستديمًا.
ومن المنتظر أن تبدأ أواخر أبريل المقبل، تجربة رائدة مع معلمين بمدرسة ثانوية بمدينة براونشفايج الألمانية.
ويعتقد يوهانيس هيراتا، أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية أوسنابروك الألمانية، أنه من الممكن نقل نموذج إجمالي ناتج السعادة القومي، من مملكة بوتان، إلى ألمانيا أيضًا، معتبرا أن ذلك يعني وضع الاقتصاد في خدمة إسعاد البشر.
وأضاف الخبير الاقتصادي: «أنا على قناعة بأنه سيكون من المفيد لنا، أن نعمل أقل في وظائف تتطلب دوامًا كاملاً، وربما كان من الأفضل لنا خفض عدد ساعات العمل إلى 30 ساعة أسبوعيًا، عندها سيكون لدينا وقت أكثر من أجل أبنائنا، ومن أجل أنفسنا، وسنستطيع التغلب بشكل أفضل على الكثير من متطلبات الحياة مما سيخفض الضغوط النفسية التي نتعرض لها».