بقلم – يوسف القعيد
عرفت أول ما عرفت الجزائر من خلال الروايات. فى البداية كانت روايات مكتوبة بالفرنسية، ثم جرت ترجمتها إلى اللغة العربية. وكان نشرها الأول فى فرنسا. لأن الجيل الأول من كُتَّاب الرواية فى الجزائر كتبوا بالفرنسية، لغة المحتل الذى حاول إلغاء اللغة العربية، اللغة الأم. لأن المشروع الاستعمارى الفرنسى قام على فكرة جعل الجزائر جزء من فرنسا. وليس مجرد استغلال إمكاناتها والاستيلاء على مواردها وتحويلها لبلاد تابعة. فكرة الاستعمار الفرنسى قامت على طمس الهوية وإلغاء الشخصية الأصلية، واغتيال اللغة حتى تصبح البلاد المحتلة جزءاً من فرنسا.
الاستعمار هو الاستعمار. وأنا لا أحب كلمة استعمار. لأنها آتية من التعمير. والمستعمر والمحتل، حتى وإن قدَّم بعض الخدمات للبلاد التى يحتلها. فإن هذه الخدمات يتم القيام بها حتى تُمكِّنه من استغلال هذه البلاد بأقصى صورة ممكنة. وليس من أجل مصلحة الشعب المحتل أبداً. فهى لا تعنى المستعمر فى قليل أو كثير.
فى هذه المرحلة قرأنا «مولود فرعون»، و»مولود معمرى»، و»كاتب ياسين»، و»محمد ديب»، ورواياتهم التى قرأناها وأعجبتنا وشعرنا أنها تشكل صوتاً روائياً جديداً ضمن تيار الرواية العربية، كانت مترجمة عن الفرنسية. واستفادت كثيراً من تجليات الرواية الأوروبية التى سبقت كثيراً الرواية العربية والمصرية.
أحد هؤلاء الروائيين كتب عن منفى اللغة، وقال إن إبداعهم يولد فى المنفى. لأنه يصل للناس عبر لغة غير لغتهم الأصلية. وتمنى لو أنه استطاع أن يستعير الحرف العربى لكى يكتب به. ويوصل أفكاره من خلاله. لكن الزمان كان قد فات. والفرصة لم تعد قائمة. وأكمل الجيل الأول مشروعه من خلال منفى اللغة الفرنسية. رغم أن بعض هؤلاء الروائيين من أبناء الجزائر تفوق كثيراً جداً على أدباء فرنسا أنفسهم. وكتب كتابة تنفى قدرة الفرنسيين على الكتابة عن بلادهم.
لا أستطيع أن أنكر أن النص الروائى الذى كتبه بعض الكتّاب الفرنسيين، لم يكن أقل تقدماً مما كتبه الروائيون الجزائريون. وبالتحديد الروائى الفرنسى الذى ينحدر من أصول جزائرية: ألبير كامى، الحاصل على جائزة نوبل فى الآداب. وكان أصغر من حصل عليها. فقد كان فى الأربعينات من عمره عندما جاءته نوبل. واعتبر أحدوثة من أحدوثات الرواية العالمية فى القرن العشرين.
من رواياته التى جرت أحداثها فى الجزائر. وتعد من علامات الكتابة الروائية فى زماننا، روايتى: الغريب، والطاعون. وكتابات أخرى على شكل يوميات ترجمت مؤخراً. ولم تحظ بالاهتمام التى حصلت عليه رواياته من قبل. ذلك أن يومياته ومذكراته التى ترجمت أخيراً فى بيروت، تدور أحداث الكثير منها فى الجزائر. لكن للنص الروائى شرعية تتفوق كثيراً جداً على شرعية اليوميات والمذكرات.
لم يبق الحرف الفرنسى سيداً للكتابة الروائية فى الجزائر. فقد عرفنا كُتاباً كتبوا باللغة العربية مباشرة. وعبروا المسافة بين الأبجدية الفرنسية والأبجدية العربية. أذكر منهم عبد الحميد بن هدوقة، والطاهر وطار.
ولكى نتعرف على أبطال الحرف العربى والكتابة باللغة العربية فى تاريخ الجزائر الحديث، نتوقف أمام إسمين أساسيين، يعتبرا من الرواد الأوائل لفكرة هجرة الكتابة بالفرنسية، ومحاولة الكتابة باللغة العربية، وقد نجحا تماماً فى المحاولة التى قاما بها. ودخلا التاريخ.
عبد الحميد بن هدوقة مولود سنة ١٩٢٥، وتوفى إلى رحمة الله سنة ١٩٩٦، يعتبر صاحب أول رواية جزائرية باللغة العربية «ريح الجنوب». وله من الكتابات الأخرى: الجزائر بين الأمس واليوم، دراسة نشرت تحمل اسم وزارة الأخبار للحكومة الجزائرية المؤقتة سنة ١٩٥٩.
ومن مجموعات القصص القصيرة: ظلال جزائرية نشرت فى بيروت عن دار الحياة سنة ١٩٦١، الأشعة السبعة: صدرت فى تونس عن الشركة القومية للتوزيع والنشر سنة ١٩٦٢. ولم يكتف بن هدوقة بكتابة الرواية والقصة القصيرة والدراسة، بل كتب النص الشعرى. له: الأرواح الشاغرة: ديوان شعر صدر فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٦٧.
ومن رواياته: ريح الجنوب صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٧١، وبعدها مباشرة مجموعة: الكاتب وقصص أخرى مجموعة قصص صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٧٤. ثم نهاية الأمس صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٧٥. وبعدها: بان الصبح رواية. صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٨٠. ثم الجازية والدراويش. رواية صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٨٣.
ولم يكتف بالكتابة. بل كانت له جهود فى الترجمة، وترجم: قصص من الأدب العالمى مجموعة قصص واختارها من الأدب العالمي، صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٨٣. ثم النسر والعقاب. قصة للأطفال بالألوان. صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٨٥. وامتد نشاطه لترجمة النصوص المسرحية. حيث ترجم: قصة فى ايركوتسك. مسرحية سوفياتية مترجمة. صدرت فى الجزائر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة ١٩٨٦. وكتاب: دفاع عن الفدائيين. دراسة مترجمة عن عمل قام به المحامى جاك فيرجيس نشرت فى بيروت سنة ١٩٧٥، وسلمت هذه الدراسة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. ثم غدا يوم جديد. رواية. صدرت فى الجزائر سنة ١٩٩٢، ثم صدرت لها طبعة جديدة فى بيروت عن دار الآداب سنة ١٩٩٧. أمثال جزائرية، صدر فى الجزائر، عن الجمعية الجزائرية للطفولة سنة ١٩٩٣.
أما الطاهر وطار فقد ولد فى سنة ١٩٣٦، فى سوق أهراس، وتوفى فى ١٢ أغسطس ٢٠١٠. وهو مولود فى بيئة ريفية وأسرة أمازيغية تنتمى إلى عرش الحراكتة الذى يتمركز فى إقليم يمتدّ من باتنة غربا إلى خنشلة جنوبا إلى ما وراء سدراتة شمالا وتتوسّطه مدينة الحراكتة، ولد الطاهر وطار بعد أن فقدت أمه ثلاثة بطون قبله، فكان الابن المدلل للأسرة الكبيرة التى يشرف عليها الجد المتزوج بأربع نساء أنجبت كل واحدة منهن عدة رجال لهم نساء وأولاد أيضا.
من نتاجاته الأدبية فى سياق المجموعات القصصية: دخان من قلبى تونس ١٩٦١ الجزائر ١٩٧٩ و٢٠٠٥، الطعنات: الجزائر ١٩٧١ و٢٠٠٥، الشهداء يعودون هذا الشهر العراق ١٩٧٤ الجزائر ١٩٨٤ و٢٠٠٥ وله فى كتابات النصوص المسرحية والقصصية: على الصفة الأخرى. مجلة الفكر تونس أواخر الخمسينيات، الهارب مجلة الفكر تونس أواخر الخمسينيات الجزائر ١٩٧١ و٢٠٠٥.
أما فى الكتابة الروائية، حيث مجال تميزه الأساسى. فقد كتب وأصدر: اللاز الجزائر ١٩٧٤ وتعتبر رواية اللاز أول رواية للطاهر وطار وذلك سنة ١٩٧٤ وهى تعالج الصراع بين الثوار والثوار أيام الثورة التحريرية، حيث ذبح بعض الشيوعيين والمثقفين بسبب انتماءاتهم الأيديولوجية، نشرت هذه الرواية فى أكثر من بلد، وبأكثر من لغة، وهى تدرس إلى جانب رواية الأم لمكسيم غوركي والعقب الحديدية لجاك لندن، فى المدارس النقابية والحزبية. وأهم عمل للروائى جعلته من أشهر الروائيين العرب.
ثم كتب: الزلزال بيروت ١٩٧٤، والحوادت والقصر: الجزائر جريدة الشعب فى ١٩٧٤، عرس بغل، العشق والموت فى الزمن الحراشى تجربة فى العشق. الشمعة والدهاليز، الولى الطاهر يعود إلى مقامه الزكي. الولى الطاهر يرفع يديه بالدعاء ٢٠٠٥، قصـيدٌ فى التذلل.
ولم يكتف مثل كل أبناء جيله بالتأليف فقط، فقد ترجم ديوان للشاعر الفرنسى فرنسيس كومب بعنوان الربيع الأزرق ١٩٨٦.