في ذكراها الـ66.. 23 يوليو كيف أصبحت الثورة البيضاء؟
شهدت الثورات حول العالم قديماً
وحديثاً الكثير من أعمال العنف، لذلك سميث بالثورات، أي الإنفجار في وجه الطغاة أو
المستبدين ، وغالباً ما تكثر الضحايا وتراق الدماء، ولكن في حال ثورة 23 يوليو
1952 لم ترق قطرة دم واحدة وأصبحث ثورة يوليو بين مثيلاتها "الثورة
البيضاء".
ومن المعروف من خلال الرصد التاريخي للأحداث أن لكل عصر مميزات ساعدت على التنمية
ووضع مصر في مصاف الدول المتقدمة وأيضاً أخطاء أعاقت البلاد عن التنمية وجعلتها
تتراجع، ولا ينكر أحد دور حاكم مصر محمد على باشا صاحب النهضة الحقيقة لمصر وضم
الشام والسودان معها لتصبح دولة كبرى رغم أنف السلطان العثماني والباب العالي،
واستمرت النهضة حتى عصر الخديو إسماعيل الذي شهدت مصر في عهده تطور هائل حتى أصبحت
القاهرة تضاهي المدن الأوربية في التقدم والعمارة، إلى أن وصل الحكم إلى الملك فاروق،
ونكذب أنفسنا لو قلنا أن الفساد شمل كل مدة حكمه، فقد شهدت البلاد في فترة حكمه العديد من الإنجازات التي قام بها خلفاً لفؤاد الأول ،
فقد أسس فاروق الجامعة العربية ووطد علاقات مصر بشقيقاتها وتألقت في عهده الحياة
النيابية ، وشهدت أيضاً الفنون انتعاشاً علاوة على إنشاء جامعة فاروق الأول وتعلية
قناطر أسيوط وإسنا وغيرها من المشروعات، وأرخت صحافتنا تلك الإنجازات.
بدأت المساؤئ في الظهور ومنها قضية الأسلحة الفاسدة في حرب 1948 وتردي الأحوال الإقتصادية ، مما دعا لظهور
الضباط الأحرار لمحاولة تغيير الحكم، وبالفعل تمكنوا من السيطرة على كل نقاط
الشرطة في القاهرة ومحاصرة القصور الملكية معلنين بدء الثورة ، وفور علم الملك
بالحدث إلا أنه لم يحرك ساكناً، وبرغم وجود الحرس الملكي وهم قوة لا يستهان بهم
إلا أن فاروق لم يأمر فرداً منهم برفع بندقيته في وجه أي من الضباط الأحرار، فالدم
من الجانبين مصري وهو لا يرغب في إراقة دماء المصريون .. ذلك مادار في نفس فاروق.
قدمت وثيقة التنازل عن الحكم للملك فاروق لتوقيعها، وهنا صرخ فاروق .. ليس لزوال
عرشه وبُعده عن مملكته بل لأن وثيقة التنازل كتب بها "نحن فاروق الأول ملك
مصر" وطلب فاروق إضافة كلمة "السودان" للوثيقة لأنه كان ملكاً لمصر
والسودان ، وبعد التعديل وقع فاروق وامتثل لمطالب الضباط الأحرار ورحل وأسرته في
السادسة من مساء يوم 26 يوليو 1952 على ظهر اليخت "فخر البحار".
كان ذلك رد فعل فاروق، لم يشأ أن تراق الدماء ووقع على الوثيقة طواعية تضمن وحدة
مصر والسودان .. وكان مقابل نبل فاروق في سهولة التنازل والرحيل نبلاً آخر لا يقل
عن سلوكه شهامة ورحمة ، فبعد تمكن الضباط الأحرار سأل أحد الضباط البكباشي جمال
عبد الناصر، ماذا نحن فاعلون مع الملك؟ فرد ناصر عليهم السؤال : ماذا تريدون أن
نفعل معه؟ فأتى جواب أحدهم : نحاكمه ثم نعدمه .. فرد ناصر: إن كنت تريد إعدامه ،
فلم محاكمته ؟ .. وأكد ناصر أمام صحبه أن الثورة التي تبدأ بالدم تنتهي بالدم
وأعطى لهم مثالاً بما فعلته الثورة الفرنسية، وهنا ولدت فكرة خروج الملك سالماً
لتبقى ثورة يوليو الثورة البيضاء .