باحثون مصريون ومكسيكيون يؤكدون: الحضارة الإسلامية في أمريكا اللاتينية تاريخ من المد والجزر
أوصت
ندوة "مؤثرات الحضارة الإسلامية في أمريكا اللاتينية من القرن 15م إلى 19
م"، التي أقيمت أخيرا بمكتبة الإسكندرية ضمن برنامجها للدراسات
الحضارة الإسلامية بالتعاون في المجال التاريخي والثقافي مع بلدان أمريكا
اللاتينية من خلال تبادل الزيارات العلمية من الباحثين بين مكتبة الإسكندرية
وأمريكا اللاتينية، وإقامة المعارض التي تضم صورا ووثائق تتناول المجموعة العربية
والمشاريع الخاصة بالعالم الإسلامي بالمتحف القومي لثقافات العالم بالمكسيك وانشاء
المراكز البحثية المشتركة في المجال الوثائقي وذلك بمشاركة الباحثين من مكتبة
الإسكندرية والمكسيك، والتعاون المشترك للمنشورات والبحث العلمي بين الباحثين ونشر
كل جديد من الجانبين، انشاء المواقع الإلكترونية ونشر الانتاج الفكري وأرشيف
الوثائق الخاص بالعالم الإسلامي المكسيكي لاطلاع الباحثين عليها، المشاركة في
مؤتمر الأندلس الدولي الذي سوف يعقد في المكسيك عام 2019.
الندوة التي جاءت ثمرة التعاون بين باحثين من المكسيك ومكتبة الإسكندرية، تضمنت عدة محاور
تشمل الوجود الإسلامي في أمريكا اللاتينية قبل كريستوفر كولومبوس ثم الهجرات التي
توالت على أمريكا بعد سقوط الأندلس، فضلا عن الوجود المورسكي ثم المجموعات العربية
وقواعد البيانات التي يقوم عليها الباحثين المكسيكيين في هذا الشأن وختاما ما
يتعلق بالعمارة والفن المدجن في أمريكا اللاتينية.حيث إن الكثير من الباحثين قاموا
بترجمة الكثير من الكتب الخاصة بالحضارة الإسلامية في الأندلس، حيث تطرق إلى بعض
الكتب التي تناولت الفن الإسلامي والعمارة في الأندلس وأمريكا اللاتينية.
شارك في الندوة مجموعة باحثين من
بينهم د.جمال عبد الرحمن من جامعة الأزهر، ود.دانييلا مينديث، المتخصصة في الأرشيف
الوطني بالمكسيك، ود. اليخاندرا جوميث كولورادو، د.محمد
عبد السميع من مركز المخطوطات، ود.مريم سعادة الباحثة في الوثائق والمخطوطات
الإسلامية، ود.حسام العبادي بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية، ود.محمد الجمل مدير برنامج دراسات الحضارة
الإسلامية بمكتبة الإسكندرية، وقد تناول هذا الأخير الأصول الأندلسية للعمارة
والفن المدجن في أمريكا اللاتينية مستعرضا لتطور العمارة الإسلامية في الأندلس في
العصور الإسلامية من خلال المنشآت المعمارية في جامع قرطبة ومدينة الزهراء، وجامع
الباب المردوم في طليطلة وقصور الجعفرية في سرقسطة وعمارة المساجد في اشبيلية
وغرناطة ومالقة والمرية، وبعد سقوط المدن السابقة غلي يدى الممالك المسيحية في
اسبانيا انتقلت تلك الأساليب الفنية في العمارة المسيحية علي يدى المدجنين وهم
المسلمون الذين بقوا في بلدانهم بعد سقوطها وانضمامها قشتالة واراغون وليون، وقد
انتقلت تلك التقاليد المعمارية الي العالم الجديد في أمريكا الجنوبية في المكسيك
والبرازيل وبيرو وشيلي وكوبا بحيث نرئ منشآت تماثل نظائرها في جامع قرطبة وقصور
الحمراء .
وكان الوجود الموريسكي في أمريكا
اللاتينية محورا لحديث د.جمال عبد الرحمن الأستاذ بقسم اللغة الإسبانية جامعة
الأزهر، والذي أشار إلى أن الوثائق تذكر أن كريستوفر كولومبس طلب أن يرافقه مترجم
للغة العربية "وقد رافقه بالفعل اليهودي خوان دي توريس". كما تذكر عدة
وثائق وجود مسلمين وصلوا إلى العالم الجديد مباشرة بعد كولومبوس. وأن أغيليرا
بليغيثويلو يشير إلى بعض أسماء لموريسكيين أندلسيين وصلوا إلى أمريكا:
ألفونسو دى تريانا، الأخوة جانييث، وايستبان الخ. أما ايوخينيو شهوان فيذكر لنا أن
أول أجنبى وطأت قدماه تشيلى كان موريسكيًا: إنه البارومثكيتا الذى
قاد سفينة سان أنطونيو فى حملة إيرناندو ماجيلان عام 1520 ونذكر
أن السلطات المسيحية الإسبانية قد أزعجها وجود مسلمين فى أراضى العالم الجديد،
وكوَّن هؤلاء المسلمين يمارسون شعائر الإسلام بشكل علنى، ولهذا فقد منح الكاردينال
ثيسنيروس بعض صلاحياته لممثل محكمة التفتيش فى أمريكا عام 1517، وجاء فى خطاب
المنح "لأن فى هذه الأراضى كان هناك مواطنون
يرتكبون – ضمن جرائم أخرى- جريمة ممارسة عقيدة موسى ومحمد.
إن هؤلاء يحافظون على
شعائرهم وتعاليمهم واحتفالاتهم المخالفة لعقيدتنا المسيحية". ومن
المعلوم أن القسيس توما راجا قد طلب من السلطات الإسبانية السماح
المويسكيين بالسفر إلى أمريكا للعمل فى صناعة الحرير إلا أن طلبه قُوبل بالرفض،
وفى عام 1539 أصدر الملك الإسبانى قرارًا بعدم سفر المسلمين واليهود وأبنائهم ممنْ
تنصروا حديثًا إلى أراضى العالم الجديد. أما فى عام 1543 فقد أصدر كارلوس الخامس
قرارًا بطرد المسلمين من أمريكا. ، وقد أصدر الملك فيليبى الثانى
فى سنة 1596 تعليمات تقضى بأنه "لبقاء الهنود على
اعتناقهم السليم للدين المسيحى وجب إبعاد المويسكيين عنهم وعدم الاتصال بهم
مطلقًا، وبذلك شددت الرقابة للتفتيش على المويسكيين الذين مروا إلى الهند وهم
موجودين بإسبانيا الجديدة، أما الأشخاص الذين الذين يُعثر عليهم فوجب إرسالهم فى
الحال دون السماح لأى واحد منهم بالبقاء مهما كانت الأسباب".
ولفت د.عبد الرحمن إلى أن كثرة القرارات فى هذا الشأن معناها أن
الموريسكيين ظلوا موجودين فى أمريكا، فرغم كل هذه القرارات المتلاحقة التى تقضى
بإبعاد المويسكيين عن أراضى العالم الجديد، فإننا نجد فى المصادر التاريخية ما
يؤكد أن الوجود الإسلامى فى أمريكا لم ينقطع مطلقًا، إذ يتحدث خوان لوبيث بيلاسكو
فيذكر انه رغم الحظر والأمر بعدم السفر إلى أمريكا دون تصريح إلا أن الكثير من
العرب واليهود ذهبوا إلى الأراضى الأمريكية كتجار وبحارة.
وقال "من ناحية أخرى نشير إلى
أن قرارات الحظر المذكورة كان يتم التحايل عليها من قبل الموريسكيين، إذ كان هؤلاء
يستخدمون تصاريح سفر صدرت لأشخاص آخرين، كما نشير إلى أن التظاهر باتباع المسيحية
وممارسة الإسلام فى الحقيقة، والإقامة فى قرى أمريكية بعيدة عن مراقبة رجال
الكنيسة، كل ذلك أسهم فى وجود عدد من المسلمين يصعب حصره. ويذكر
الباحث الفرنسى لوى كارداياك أنه فى عام 1560 تمت محاكمة ثلاثة موريسكيين فى كوثكو
ببيرو بتهمة ممارسة شعائر الإسلام، هذا بالإضافة إلى عدة محاكمات تمت فى
المكسيك، بل إن رئيس أساقفة غواتيمالا نفسه –فرانثيسكو ماروكين- كان من أصل موريسكى،
وقد اتهم عام 1543 بعدم صحة عقيدته المسيحية. تقول مصادر كثيرة إن سلطات محاكم
التفتيش فى العالم الجديد –فى بويرتو ريكو على سبيل المثال- لم تكن تهتم كثيرا
بتنفيذ التعليمات الخاصة بحظر دخول المسلمين أو تلك التعليمات الخاصة
بالتفتيش عن كتب محظورة، بل إن العمدة أغيلار نفسه -كما تقول المصادر نفسها-
قد اتهم عام 1550 بعدم تنفيذ
الأوامر الملكية الصادرة ضد موريسكيى بويرتو ريكو. من ناحية
أخرى يجب أن نضع فى الاعتبار أن قلة المصادر التابعة لمحاكم التفتيش والخاصة
بموريسكيين لا ينبغى أن يفهم على أنه دليل على قلة عدد المسلمين ، فقد كان من
المستحيل تقريبا أن تقوم السلطات بإحكام المراقبة فى تلك الأراضى الشاسعة، ثم إن
السكان الأصليين لم يكن بإمكانهم التمييز بين الشعائر الإسلامية والمسيحية، ولم
تكن لهم مصلحة فى الإبلاغ عن الذين يمارسون شعائر الإسلام. إذا وضعنا فى الاعتبار
أن السلطات لم تكن تهتم كثيرا بتنفيذ تعليمات الحظر الصادرة إليها لاستطعنا أن
نتفهم سر وجود مسلمين كثيرين فى أمريكا دون أن يترجم ذلك إلى عدد كبير من
قضايا ضدهم.
بدورها قالت الدكتورة دانييلا
مينديث، أنها اعدت قاعدة بيانات عبارة عن وثائق لها علاقة بالوجود الإسلامي في
المكسيك وترجع إلى فترة القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وأوضحت أن هذه
الوثائق موجودة في الأرشيف الوطني في المكسيك وتعود إلى محاكم التفتيش فضلا عن
وثائق أخرى متعلقة بالممتلكات الوطنية ووثائق الزواج والمحكمة العليا بالمكسيك.
وأشارت إلى أن تلك الوثائق بها أسماء
أشخاص يحملون أسماء إسلامية مثل محمد ورمضان، حيث قامت بعرض عدد من تلك المجموعات
التي تم إعدادها عن الوجود الإسلامي في المكسيك في تلك الحقبة تتضمن بعض تفسيرات
القرأن باللغة الإسبانية فضلا بعض الوثائق الخاصة بالوريسكيين.
من جانبها عرضت الدكتورة اليخاندرا
جوميث كولورادو، الباحثة المكسيكية، المقتنيات الخاصة بالشرق الأوسط الموجودة في
المتحف القومي لثقافات العالم في المكسيك منها صور قديمة للمتحف يضم مجموعات في
الفن خاصة بالشرق الأوسط، لافتة إلى أن المتحف يضم أكثر من 17 ألف قطعة أثرية من
أماكن مختلفة من العالم. كما استعرضت المجموعات العربية والمشاريع الخاصة بالعالم
الإسلامي بالمتحف القومي لثقافات العالم بالمكسيك من خلال عملها كمديرة للمتحف
الوطني في جيريرو ومسؤولة عن قسم مجموعات الشرق الأوسط في المتحف الوطني لثقافات
العالم بالمكسيك الذي يتضمن أقسام عن مصر والمغرب وإيران والعراق ومختلف بلدان
العالم الإسلامي.
حيث تناول الباحث د. حسام العبادي
بعض الوثائق المحفوظة في متحف امريكا بمدريد حيث أظهرت هذه الوثائق الفترة المبكرة
للمسلمين في أمريكا اللاتينية واستخدامهم الآيات القرآنية وخاصة سورة الإخلاص
والمعوذتين وآية الكرسي، وعقد مقارنة بين هذه الوثائق من حيث نوع الورق والحبر
والخط مع الوثائق المتعلقة بالدول الإسلامية التي قامت في المغرب والأندلس، كما
أظهر أن المسلمين بأمريكا اللاتينية حاولوا إخفاء مظاهر إسلامهم من خلال الاستعانة
ببعض النماذج الثقافية من الحضارات المحلية في أمريكا اللاتينية