رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أزمة القس الأمريكي برانسون تزداد اشتعالا بين واشنطن وأنقرة

18-8-2018 | 09:43


يرى مراقبون أن الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بسبب إستمرار احتجاز أنقرة للقس الأمريكي اندرو برانسون مرشحة لمزيد من التوتر والتداعيات ، بعد أن توعد وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين أنقرة بفرض مزيد من العقوبات إذا لم يتم الإفراج سريعا عن برانسون المحتجز في تركيا منذ عام ٢٠١٦ بتهمة التجسس وممارسة أنشطة إرهابية.


وبينما فرضت تركيا ضرائب إضافية على البضائع الأمريكية ، حيث أكد البيت الأبيض أنه لن يصمت تجاه استمرار حجز برانسون ، مشيرا إلى أن تركيا عاملته بطريقة غير عادلة.


وباتت قضية القس" أندرو برانسون " المنحدر من ولاية كارولينا الشمالية ملحة للولايات المتحدة الأمريكية عامة وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب خاصة ، حيث تصر واشنطن على إطلاق سراحه، إذ أنه ينتمي للكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة، والتي تعد ذات تأثير كبير على السياسة الأمريكية ، إلى جانب أن الإدارة الحالية مكونة من الحزب الجمهوري المدعوم بشكل كبير من هذه الكنيسة.

وبدأت الأزمة في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل التي وقعت منذ عامين في تركيا، والتي أعلن على إثرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالة الطوارئ، وشن أكبر حملة اعتقالات شملت سياسيين وصحفيين وذوي الجنسيات الأجنبية وكل من يعارضه، ومن بين المعتقلين كان برانسون، الذي تحول في محبسه إلى أكبر أزمة عالقة بين أنقرة وواشنطن.


وجاء ربط أنقرة تسليم واشنطن لرجل الدين التركي فتح الله جولن الذي تعتبره المحرض الأول على محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف عام 2016 بالإفراج عن القس برانسون ليسكب المزيد من البنزين على نار الأزمة المشتعلة بين البلدين والتي تعد الأكثر حدة منذ فرض واشنطن حظرا على شراء الأسلحة على أنقرة بعد محاولاتها غزو جزيرة قبرص عام 1974.

وفى العام الماضي عرض أردوغان على الإدارة الأمريكية ، تسليم فتح الله جولن مقابل الإفراج عن القس الأمريكي، وقوبلت المساومة التركية بالرفض الأمريكي، وبقيت قضية برانسون فتيلا مشتعلا لأزمة أمريكية تركية غير مسبوقة .

وتداعيات الأزمة الحالية جعلتها غير قابلة للحل، وحتى إذا تم الإفراج عن القس لأمريكي، يسود التشاؤم بشأن عدم تحسن العلاقات بين حليفي الناتو بأي شكل من الأشكال، خاصة بعد فرض واشنطن حزمة من العقوبات ضد أنقرة، فبالإضافة إلى مشاريع قوانين في الكونجرس التي تهدف إلى منع وصول تركيا إلى المؤسسات المالية الدولية وشراء مقاتلات "الشبح" من طراز F-35، ومعاقبة وزارة المالية الأمريكية وزيرين تركيين، جاء مضاعفة التعريفات الجمركية على الفولاذ والألمنيوم التركيين.

الرئيس التركي أردوغان، انخرط في مشاحنة دبلوماسية طويلة مع الولايات المتحدة ودول عدة بالاتحاد الأوروبي، وألقى باللوم في المشاكل الاقتصادية التي تشهدها تركيا حاليا على ما سماه "الحرب الاقتصادية" التي تشنها قوى خارجية، ولكن يبدو أن الأتراك لا يستسيغون هذا التبرير، فعندما يتعلق الأمر بالمحن الاقتصادية يتم عادة إلقاء اللوم على الحكومة نفسها.

ولفتت الأزمة انتباه المستثمرين، وبعد أن أوقف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إطلاقه للأموال الرخيصة، المدعمة للمشروعات في الأسواق الناشئة فى تركيا، تواجه حاليا الشركات هناك صعوبة في سداد ديونها بالعملات الأجنبية، ومع خسارة الليرة التركية 44 فى المائة من قيمتها مقابل الدولار هذا العام، تلجأ العديد من الشركات للبنوك لإعادة هيكلة قروضها، وامتدت الأزمة إلى القطاع المالي، لدرجة أن البنك المركزي الأوروبي حذر من تعامل بنوك الاتحاد مع تركيا، وأثر ذلك على ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات البطالة والفقر فى البلاد.

وفي الوقت الذي استعر فيه النزاع الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وتركيا، ضاعف أردوغان المخاطرة، وتحدى الضغط الأمريكي قائلا إذا كان لديهم الدولارات.. نحن لدينا الله"، وأعلن وزير ماليته وصهره برات آلبيراق، عن خطته المنتظرة للإصلاح الاقتصادي، لكنه فشل في إقناع المستثمرين بل أدى لانهيار الليرة التركية أكثر.

وبات الاقتصاد التركي بعد انهيار قيمة الليرة قريبا جدا من نقطة اللا عودة، ويرى محللون أن أردوغان لن يستطيع حتى لو تراجع إلى الوراء قليلا وأطلق سراح القس الأمريكي ، إعادة العلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه أو وضع الاقتصاد في المسار الصحيح ، مشيرين إلى أن تهديده "بالبدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد" وإشارته إلى روسيا، يمكن أن يؤشر إلى تكوين محور بعيد عن التحالف الأطلسي ، لكن ذلك لن يؤدى فى النهاية إلا إلى تفاقم المشاكل الدبلوماسية والاقتصادية بين واشنطن وأنقرة والتي يتطلب إصلاحها سنوات فى ظل قيادة ذات أفكار جديدة.