وزير المالية صهر أردوغان "وش السعد".. هوت الليرة التركية 20% بعد توليه بأيام لتفقد أكثر من 40% من قيمتها منذ بداية العام الحالي
لم تكن العقوبات الأميركية وحدها التي قصمت ظهر الليرة التركية، لكنها هي التي عمّقت اهتزاز الثقة باقتصاد إقليمي، يعاني من سلطة فردت عضلات منجزها الاقتصادي، على قطاعها المالي، فكانت المتسبب الأول بانهيار لؤلؤة التاج، الليرة التركية.
وعندما غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع رسوم الحديد والألمنيوم التركيين الواردين لأميركا، فكأنما "ذبابةٌ" سقطت في "صحنِ" الرئيس التركي فهو بدلا من التماسك واستبدال "الشوربة" فوراً بخطة أزمات بديلة من أهل الاختصاص، بدأ يتخبط ويتصدى بنفسه وبمساعدة صهره للأزمة الأكثر شراسة فكاد أن يكسر الطاولة!
كانت رحى الليرة تدور مالياً وسريعاً جداً، وكان أردوغان يفكر اقتصادياً وسياسياً، كمن يركض وسط الفوضى، مسلحا بالسيطرة والنفوذ، وبأقربائه الذين أوكل إلى أحدهم أهم مفاصل العمل المالي بالبلاد، وهو وزير المالية التركي ومع الهزة الأولى هوت الليرة التركية 20% خلال أيام لتفقد أكثر من 40% من قيمتها منذ بداية العام الحالي
اختار الرئيس التركي، إطالة مدى ملف العملة الأكثر صعوبة في هذه الأزمة، إلى أكثر مدى ممكن، وتحدي مختلف الضغوط المستغلة مع الولايات المتحدة، ومواصلة إثبات السيادة على حساب قدرات الاقتصاد وصورته، وتداعيات ذلك على المستثمرين والدائنين والأسواق الناشئة المجاورة لتركيا جغرافيا أو بالعلاقات التجارية.
وتزيد الديون التركية الخارجية بعملات مثل اليوان الصيني والجنيه الإسترليني لأكثر من 50% من الناتج القومي التركي الإجمالي، وهو التحدي الأكبر في ظل انخفاض كبير لليرة وعزوف للمستثمرين الأجانب عن ضح استثمارات جديدة جنباً إلى جنب مع حرب تجارية تتصاعد مع الولايات المتحدة.
لم يكن احتجاز القس الأميركي أندرو برونسون عام 2016، التوتر الوحيد بين أنقرة وواشنطن لكنه مع جملة من الخلافات العميقة، تحول إلى عنوان عريض للأزمة. وفيما يرى السياسيون في القس مصدر قوة نظراً لحساسية التهم الموجهة له، إلا أن كثيرا من الماليين والاقتصاديين باتوا يرون في القس كبشاً ثميناً يمكن التضحية به .
وحتى قبل اندلاع الأزمة، كان الاقتصاديون يحثون تركيا على رفع أسعار الفائدة بشكل حاد لدعم الليرة وكبح التضخم، لكن أردوغان في كل مرة كان يسير بالاتجاه المعاكس، جاعلاً من عملة بلاده، سلاحاً قوياً بيد غيره من شركائه التجاريين، ومدعياً في إحدى خطاباته بقدرته على "البحث عن شركاء وحلفاء جدد" وهذا في عالم التجارة كلام غير عقلاني، فالتجارة ربح وخسارة ومصالح صعبة التوافق والتحقق، وليست منتصرا ومهزوما.
لم تأتِ الأزمة التركية فجأة، إنما ظهر أثر الحمى سريعاً فالخلل الهيكلي والمالي تعود جذوره للعام 2015 عندما بدأت تركيا فعلياً تعاني من سياسات نقدية ومالية توسعية أدت لاختلال الميزان التجاري الخارجي، وعجز الميزانية العامة.
ودفع الخلل الهيكلي المزمن نسبة التضخم إلى أكثر من 15% في يوليو الماضي، وتراكمت المشاكل على مدى نحو 3 سنوات ماضية، بانتظار الفرصة السانحة للانفجار والتأثير على المؤشر المالي الأهم، وهو سعر صرف #العملة_التركية شديد الحساسية لأمرين: ثقة العالم والعلاقات التجارية معه.
وليستعيد أردوغان الثقة ربما عليه التخلي عن التدخل بالسياسات المالية المتعلقة بالإنفاق العام للدولة وتوجيه دفته نحو التحديات التركية مع العالم، وليس الأولويات "الأردوغانية"، ويبدو أنه بعيداً كثيراً عن هذا المنهج مع تمسكه بوجود صهر له على أعلى هرم الإدارة المالية بالبلاد وهو زوج ابنته البيرق الذي سيظل مرفرفاً كإشارة عدم ثقة أمام مستثمري العالم.
ولم يكتف الرئيس بإحكام قبضته دستورياً على السلطات بالبلاد، فراح يمعن أكثر بالشخصانية في إدارة الملف المالي عبر زوج ابنته.
وعندما خفضت وكالتا ستاندرد أند بورز وموديز اللتان تقومان بالتقييم المالي للدول، رتبة تركيا وتصنيف ديونها السيادية إلى مستوى "غير مرغوب به" كان السببان البارزان لهذه الخطوة هما "افتقار تركيا لخطة واضحة للأزمة ذات مصداقية" و"عدم وجود استجابة لما يجري من المخاطر بشكل كافٍ".
وربما يكون من المفيد لتركيا السلطة التصالح مع نظامها الاقتصادي على مستوى القطاع الخاص، الذي عانى هو الآخر من تبعيات التفرد والتدخل بالسلطة المالية (الإنفاق) والنقدية (البنك المركزي) بشكل متوازٍ خانق.