رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


انتخابات الرئاسة فى فرنسا الاختيار بين السيئ والأسوأ

23-3-2017 | 11:24


تقرير: عزة صبحى

على وقع الإرهاب والخلل الأمنى وفضائح الفساد المالى يمضى مرشحو الإليزيه فى عرض برامجهم فى أغرب سباق رئاسى تشهده الجمهورية الخامسة فى فرنسا. توقعات عزوف الناخبين وتوقعات فوز مرشحين من خارج الأحزاب التقليدية نذير بإفلاس القوى السياسية التقليدية التى سادت لسنوات طويلة ماضية وقد تكون بداية لأفكار جديدة لقيام الجمهورية الفرنسية السادسة .

 

طرد ناسف فى مكتب للبنك الدولى فى باريس وإطلاق نار فى مدرسة ثانوية فى مدينة جراس فى جنوب فرنسا وأخيراً محاولة إرهابية فاشلة فى مطار أورلى فى باريس. ثلاث حوادث متعاقبة أثارت الكثير من الجدل حول مدى كفاءة جهاز الأمن الفرنسى ومدى جاهزيته بعد كل الدعم المادى والبشرى الذى حصل عليه بعد إعلان حالة الطوارئ منذ عام مضى. الطرد الناسف أعلنت منظمة «تآمر خلايا النار» اليونانية الفوضوية مسئولياتها عن إرساله بكل وضوح. مما تسبب فى اتهامات بالتقصير للأمن الفرنسى وتساؤل عن كيفية عبور هذا الطرد الناسف كل إجراءات التفتيش فى المطار وفى الأجهزة المخصصة خاصة أن هناك طرداً مماثلاً كان قد أرسل إلى ألمانيا قبل طرد باريس وتم اكتشافه قبل انفجاره. وفى نفس السياق قام شاب - ١٨ عاما - بإطلاق النار فى مدرسة ثانوية فى مدينة جراس جنوب فرنسا مما تسبب فى إصابة ثمانية أشخاص وتم إلقاء القبض عليه، لم يهتم الفرنسيون إذا ما كان الشاب مختلاً عقلياً كما أعلنت الشرطة ولم يهتموا بدوافع هذا العمل الإجرامى لكن كان السؤال الأهم هو من أين حصل الشاب على السلاحين الناريين والقنبلتين اليدويتين وهى الأسلحة التى عثرت عليها الشرطة معه عند إلقاء القبض عليه .

الحادث الأخطر والذى له دلالات كثيرة كان نجاح إرهابى فى خطف سلاح أحد أفراد الحراسة داخل مطار أورلى فى باريس بعد أن أصابه، صحيح أن أمن المطار أطلق الرصاص على الإرهابى قبل استخدام السلاح لكن الحادث فى حد ذاته أثار الجدل حول كفاءة القوات الخاصة بحراسة المطار خاصة وأنها من أهم وأكفأ الوحدات العسكرية الفرنسية والتى تتولى منذ فرض الطوارئ حراسة المنشآت المهمة. زاد من الجدل اضطرار الأمن إخلاء مطار أورلى من المسافرين ووقف حركة الطيران به لفترة ليست قصيرة لتفتيش المطار خوفا من وجود إرهابيين فى الداخل مما زاد من اتهامات الفرنسيين للأمن بوجود خلل فى الإجراءات الأمنية وفى أسلوب التعامل مع الإرهاب والإرهابيين.

لم تتمكن هذه الحوادث من تحويل الأنظار عن متابعة سلسلة فضائح مرشحى الرئاسة خاصة مع وجود جديد كل يوم جعلها هى الخبر الأول فى الإعلام الفرنسى قبل التركيز على برامج المرشحين . أحدث هذه الفضائح ما نشرته صحيفة «لوكانارد أونشيه» عن ماكرون الحصان الأسود فى هذه الانتخابات والذى ترشحه الاستطلاعات للفوز مع مارين لوبن فى الجولة الأولى فى الثالث والعشرين من أبريل القادم واكتساح الأصوات فى الجولة الثانية فى مايو القادم. أكدت الصحيفة أن ماكرون خالف القانون الفرنسى عندما كان وزيراً للاقتصاد حيث قام بزيارة إلى لاس فيجاس فى يناير ٢٠١٦ للمشاركة فى اجتماع مع رجال أعمال فى إطار المعرض الدولى للمنتجات الإلكترونية حيث بلغ الإنفاق المالى لهذه الزيارة ٣٨٠ ألف يورو وتم إسناد تنظيم الرحلة إلى شركة الاتصالات «هافاس» دون طرح مناقصة بين كل الشركات كما ينص القانون. ماكرون أكد للصحافة أنه ليس لديه أية معلومات عن هذه الفضيحة وأنه لم يكن مسئولا شخصياً عن تنظيم الرحلة ولكن جهات أخرى فى وزارة الاقتصاد هى التى تتولى ذلك .

وفى الوقت الذى تجرى فيه تحقيقات الآن حول هذه الفضيحة يواجه ماكرون قضايا أخرى رفعت ضده أمام المحاكم بسبب ما صرح به فى إحدى جولاته الخارجية من أن الاستعمار الفرنسى للجزائر كان جريمة إنسانية. رفعت القضية جمعية «الأقدام السوداء» وهم الفرنسيون الذين عاشوا فى فرنسا فى عهد الاحتلال الفرنسى ومنهم من شارك فى العمليات العسكرية هناك. أكدت الجمعية أن تصريح ماكرون إهانة لتاريخ فرنسا ولهم كما أنه قد يسمح للجزائر بالتقدم للمحكمة الجنائية الدولية بشكوى ضد فرنسا والحصول على تعويضات مالية كبيرة، أعضاء هذه الجمعية وعددهم كبير اتهموا ماكرون بأن تصريحاته تهدف إلى جذب أصوات الفرنسيين من أصول جزائرية وعربية بصفة عامة ولو على حساب سمعة فرنسا .أما فضائح فرانسوا فيون مرشح يمين الوسط فتشهد جديداً كل يوم. وبعد الوظائف الوهمية لزوجته وأولاده ها هى فضيحة تلقيه قرضاً تبلغ قيمته خمسين ألف يورو عام ٢٠١٣ من رجل أعمال فرنسى ولم يدرج فيون القرض فى كشف ممتلكاته الذى قدمه إلى هيئة الشفافية العليا عند التقدم للانتخابات . أما أطرف فضائح فيون فكانت ما نشرته صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» عن حصول فيون على هدايا ثمينة أكثر من مرة من رجل أعمال عبارة عن «بدل» من أشهر المحلات فى فرنسا بقيمة ٤٩ ألف يورو . فيون من جانبه شن هجوما واسعاً على الإعلام الفرنسى واتهمه بالتحيز ضده وتعرضه لحملة اضطهاد. وتساءل فيون «ما هو مبرر قيام العشرات من الصحفيين بالتفتيش فى سلة المهملات للحديث عن ثيابى وغدا عن قمصانى ولماذا لا ألبستى الداخلية» ؟

استمرار مسلسل فضائح مرشحى الرئاسة وهو العنوان الحقيقى لهذه الانتخابات - والتراشق اليومى بالإهانات والاتهامات بين حملات مرشحى الرئاسة مع بعضها البعض وبين الإعلام .

كل ذلك ألقى بظلاله على الناخب الفرنسى الذى وجد نفسه مضطراً للاختيار بين السيئ والأسوأ مما زاد من احتمالات مقاطعة الكثير من الناخبين لهذه الانتخابات التى يسيطر عليها صراع الأفراد وليس صراع الأفكار، الأمر الذى سيلزم من المرشحين جهوداً كبيرة لحث الناخبين على المشاركة فى الانتخابات .

زاد من ارتباك المشهد السياسى يمين منقسم على نفسه يمثله مرشح متهم بالفعل ولكنه يصر على المضى قدماً فى هذه الانتخابات مفضلا مصلحته الشخصية على مصلحة الحزب .

ومرشح للحزب الاشتراكى الحاكم لا يحظى بثقة ولا تأييد كبار أقطاب وأعضاء الحزب بمن فيهم رئيس الدولة هولاند الذى أعلن تفرغه لإسقاط مارين لوبن ممثلة اليمين المتطرف لخطرها على فرنسا والمشروع الأوربى ولم يعد يهتم من يكون رئيس فرنسا القادم متخلياً بذلك عن واجبه الحزبى. ومرشحون آخرون يعرفون مقدماً أنهم ليس لديهم فرصة للفوز وإنما ترشحهم مجرد فرصة لعرض الأفكار، ووسط كل هذا تشير كل استطلاعات الرأى أن مارين لوبن ستحصل على ما يقرب من ٢٩٪ من الأصوات فى الجولة الأولى يليها ماكرون بنسبة ٢٦٪ ثم فيون بنسبة ١٩٪ . وتؤكد هذه الاستطلاعات أن ماكرون سيتمكن بكل سهولة من الفوز فى الجولة الثانية من الانتخابات بنسبة لا تقل عن ٦٠٪ بعد اصطفاف كل الناخبين وراءه خوفاً من نجاح اليمين المتطرف فى الوصول إلى الحكم. ويعنى ذلك أن المتنافسين فى الجولة الثانية لأول مرة فى تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة سيكونون من خارج التنافس التقليدى بين أكبر حزبين لليمين واليسار فى فرنسا الأمر الذى قد يعنى اضمحلال هذه الأحزاب وتمهيد الطريق لأحزاب جديدة تستطيع أن تحظى بثقة الفرنسيين فى المستقبل .