أمهات لا يحصدن الألقاب ولا تطاردهن الكاميرات .. منسيات .. لكن عظيمات
تحقيق : محمد الشريف
«الأم المثالية » لقب ينطبق على العديد من الأمهات لكنهن منسيات.. غابت عنهن كاميرات الإعلام وأقلام الكتاب هن على أرض الواقع أمهات مثاليات على الرغم من عدم حصولهن على ذلك اللقب.
«حواء » تحتفل مع نماذج من هؤلاء الأمهات وتمنحهن وساما خاصا قد لا يتكافأ مع ما قدمنهن من عطاء فى سبيل إتمام مسيرة أبنائهن متحملات فى سبيل ذلك الصعاب رافعات شعار العمل كرامة والعوز إهانة .
لم تكن تعلم السيدة إلهام عبد الهادى «بائعة الكتب »، خريجة جامعة الأزهر أن وجودها على الرصيف المقابل لجامعة القاهرة الذى كان شاهدا على معاناتها اليومية لمدة سبع سنوات سيكون الرصيف نفسه الذى جعل منها السيدة التى أشعلت مواقع التواصل الاجتماعى وأبكت المصريين، إلهام أنفقت كل ما لديها على علاج ابنها الوحيد بعد أن تبرع له شقيق زوجها بكليته، لكن شاء الله أن يسلبها إياه ليترك لها ستة أولاد وأمهم وفضلت العيش معها بعد وفاته تقول: أنفقت كل ما أملك على علاج ابنى بسام حتى لم يبق لدى ما أبيعه سوى «عباية » كانت هديته لى فى عيد الأم، لأن علاجه كان يحتاج إلى أكياس دم، وعندما جهزت ثمنها كان قد فارق الحياة.
تركت أم بسام المنصورة قاصدة القاهرة بحثا عن مصدر رزق يوفر لها نفقات أحفادها الستة وأمهم، تعمل 16 ساعة متواصلة يوميا فهى لا تغادر مكانها ليلا أو نهارا، تبيع الكتب بمساعدة أحد أصحاب المكتبات «فرشت بطانية لبضاعتها، قال لى صاحب مكتبة تبيعى كتب؟ الكتاب بيجيلى ب ١٥ جنيهاً وأنا هادهولك ب ١٥ وأنت بيعيه بـ٢٠ جنيها، الحمد لله عوضنى ربى فى أحفادى أبناء بسام الذين أحبهم أكثر من أولادي ولم أندم عندما قررت أن أنزل إلى الشارع وأعمل وأكافح حتى يتعلموا .»
سيدة الكرتونة
أم مسعود سيدة تحصد جنيهات معدودة فى نهاية يومها من بيع البقدونس تعينها على
صعوبات الحياة وتوفر لها قوت يومها بعد أن بلغت من العمر أرذله، فهى عجوز كفيفة أخفت التجاعيد ملامح وجهها، وتجاهد يوميا للعيش الكريم، وكل ما تملكه من حطام الدنيا «كرتونة » تقيها برودة الجو.
استطاعت أم مسعود أن تحول ضيق ذات اليد إلى مصدر رزق يوفر لها قوت يومها فنزلت إلى السوق وهى فى التسعين من عمرها، والأكثر مأساة من ذلك أنها فاقدة للبصر » تقول: عايشة لوحدى بقالى 30 سنة، وباخد معاش من وزارة التضامن 300 جنيه، والحمد لله، وبنزل أبيع البقدونس، وربنا سترها .»
وعلى الرغم من ذلك تتعفف أم مسعود أن تطلب من ابنتها التى تسكن بعيدا عنها أى مساعدة مادية وتقول «كل واحد فيه اللى مكفيه مش هروح أقول لبنتى هاتى فلوس عشان آكل كتر خيرها بتيجى تبص عليا .»
أم شيماء
فى ميدان رمسيس يكون البقاء للأقوى فى عالم يسيطر عليه الرجال، بينما تقف «أم شيماء » التى تجاوزت عقدها الخامس بمفردها مرتدية عباءة سوداء، تنادى بصوت غليظ لجذب الركاب دون خجل، وتمضى فى طريقها من الميدان حتى مدينة نصر .. إنها سائقة الميكروباص والأم لأربع بنات حصل ثلاث منهن على تعليم جامعى، أما الصغرى فطالبة فى الثانوية العامة، أم شيماء نجحت فى تجهيز وتزويج الثلاث بعد أن توفى عنها زوجها منذ 16 عاما، حين قررت بدء مشروع تجارى لتوفير متطلبات بناتها خاصة أنها لم تحصل على معاش للإنفاق على بناتها وتقول: «رفضت إن أى بنت من بناتى تنزل الشارع وتشتغل، بخاف عليهن من الهوا، وكل طلباتهن مجابة .»
وقد رفضت أم شيماء أى مساعدات مادية من جيرانها وأقاربها بل فضلت، أن تبيع كل ما تملك لتدفع مقدم الميكروباص الذى تتحمل مسئوليته بالكامل وتضيف: «مفيش أسوأ من إن الواحد ينام وهو شايل هم دين أو قسط، أنا قلت هبدأ على قدى خاصة إنى ست ماتعلمتش .»
«كنت بقعد جنب السواق وأشوف بيعمل إيه، مرة فى مرة اتعلمت وبقيت بطلع بالعربية » هكذا قررت أم شيماء قيادة الميكروباص بنفسها بعد أن عانت دلع السائقين حيث كان يتغيب بعضهم عن العمل متعمدا « تقول أى عامل بيعرف إنك محتاجه يبدأ يساومك، ويبلطج عليك، ويقولك مش شغال، وبعدين يقولوا الشباب مش لاقى شغل، لأ الشباب بيتعالى على الشغل وعلى أكل عيشه .»
اعتادت أم شيماء الحياة الصعبة، وأوجدت لنفسها طريقة التعامل مع السائقين والصنايعية والزبائن، بينما يبقى أولادها سر صمودها فى الحياة على حد قولها: «بناتى فخورين بيا وقلبهم عليا، برجع ألاقى بنتى محضرة لى العشا وبتخدمنى .» أم وليد.. سائقة التاكسى بالصبر والكفاح عاشت أم وليد ترعى أبناءها الصغار، فبعد وفاة زوجها لم تجد من يرعى أولادها الأربعة ويسد جوعهم، لم تفكر يوما فى نظرة المجتمع لها كأنثى لكن فكرت بمنطق الأمومة وشعورها بالمسئولية عندما قررت شراء تاكسى وتكون أول امرأة تقود سيارة بالأجرة فى مصر لتستكمل مسيرة زوجها فى تربية الأبناء. تقول: «طالما عمل شريف وما يغضبش ربنا هاشتغل وأكل عيالى، ولا يهمنى كلام الناس لأن لا أحد ينفق على أو يطعمنى، العمل فى مهنة شريفة أفضل من التسول .»
بائعة الملوخية
منى امرأة قررت أن تتحدى صعاب الحياة بابتسامة لا تفارق محياها، تزرع لتحصد، وتبيع لتجمع أموالا تنفقها على أسرتها المكونة من أربعة أفراد، غاب عنهم الأب بعد صراع طويل مع المرض تاركا لها بضعة قراريط تستأجرها سنويا، تبيع الجبنة بالشتاء والخضار بالصيف، زوجت إحدى بناتها والأخرى مخطوبة، تكد لإكمال جهازها وسط غلاء المعيشة الذى لا يستطيع مجاراته الرجال، يناديها الناس بالحاجة لكثرة حديثها عن الكعبة ورغبتها فى زيارتها، وكل ما تتمناه أن تطوف بها وتزور قبر الرسول تقول: «ربنا كريم هيلطف بنا »، لكن ما تراه مستحيلا هو زيارة رسول الله «أنا عارفة إنى هموت ومش هزوره .»
بائعة الفاكهة
تجلس زينب أحمد على فرشة صغيرة فى أحد شوارع وسط البلد، فلاحة عجوز مرتدية جلبابا بسيطا، يظهر على وجهها تجاعيد ترسم حياة الشقاء والكفاح التى عاشتها، تشعر وأنت أمامها كأنك أمام امرأة قوية حادة فى تعاملها وليس من السهل أن تدخل فى حوار معها، لكن سرعان ما تكتشف أنك أمام امرأه أضعفتها صعوبات
وعناء الحياة.
زينب أحمد، بائعة الفاكهة أم لثلاثة أولاد، ليس لديها مكان تسكن فيه، فبيتها هو عربة الفاكهة وسريرها هو الرصيف، تقف مكافحة تبيع طوال اليوم حتى تحصل على ثمن وجبتها التى تعطيها القوة لاستكمال باقى اليوم، عربة الفاكهة التى تملكها الشيء الوحيد الذى يؤنس وحدتها، فابنها الأول توفى بجلطة، والثانى توفى لعجزها عن توفير صمام لقلبه المريض، والأخير أماتته الحمى ، ليس هذا فحسب فهي تعانى من مشاكل فى ركبتها وأمراض عديدة أنهكت جسدها وألجأتها إلى عكاز حتى تتمكن من الحركة.
بائعة الترمس
تتلفح أم حسين بشال أسود، تشمر عن ساعديها لتقلب كومة الترمس الباردة فى صبر وإيمان وعزيمة، ست مصرية وابتسامة عريضة وفم يتمتم بعبارات الحمد ويرحب بالزبون الذى ينعطف إلى صينيتها لشراء الترمس. هى امرأة صعيدية مكافحة، هجرها زوجها من أكثر من خمس سنوات تاركها وبناتها تواجه الحياة وصعوباتها تقول: «الراجل طفش من 5 سنين وسابنى للزمن والمعيشة صعبة، ترك لى ولدا وبنتين وحجرة صغيرة فى مدينة ملوى بالمنيا، لم أجد مصدر رزق فى بلدتى فحملت أولادى فى زحام القاهرة باحثة عن عمل يوفر احتياجاتهم لأستقر بغرفة صغيرة بحى شبرا الخيمة، وانتهى بى الحال إلى ناصية أحد شوارعها لأفترش الرصيف وأكسب رزقى من بيع الترمس.
وتتواصل مأساة أم حسين فى ابنها الذى ينطبق عليه المثل القائل «من شابه أباه فما ظلم »، فقد هجرها هو الآخر كوالده تقول: «الواد طفش زى أبوه، وماعادش معايا غير البنتين وفيض الكريم »، لكن بصبر تصر أم حسين على العمل فى بيع الترمس متحملة برد الشتاء وحر الصيف فى سبيل راحة بناتها مضيفة: «أنا أتحمل قرف الشوارع وما اتحملش إن بناتى يشتغلوا خدامين فى البيوت »، ووفاء لأمهما ترفض ابنتا أم حسين الزواج لتسانداها.
بائعة المناديل
تجلس أحلام على لتبيع المناديل على منضدة خشبية تقترب من الأرض، يمر أمامها يوميا آلاف المواطنين والأطفال، لا ينظر لها سوى القليل منهم، تطاردها أحيانا البلدية، يقسو عليها الطقس فيقرصها برد الشتاء وتؤثر فى بشرتها حرارة الصيف، على الرغم من أنها فى العقد السادس من عمرها إلا أنها لا تقبل الإحسان من أحد، ولا تطلب المساعدة، بل تحصل على رزقها من بيع المناديل منذ 13 عاما. وهى أم لولدين، يعيش الأول دون شهادة ميلاد أو إثبات شخصية، والآخر عاش 25 عاما مسجلا فى شهادة الميلاد كأنثى بعد أن سجله والده باسم رضا دون أن يحدد النوع فتم تسجيله أنثى، ولجأت إلى الرصيف بعد وفاة زوجها وتسكن عند ابنتها المتزوجة، وعندما يفتعل زوجها المشكلات تترك المنزل وتتخذ من الرصيف مأوى لها تقول فى أسى: «أنا ببات كتير على الرصيف، وأنا مريضة وبتكسف أطلب من حد يكشف عليا مجانا، لا عندى معاش ولا دخل ثابت، أنا ماليش غير ربنا ومش عايزة غير مكان أنام فيه وكفن أحطه فى الجامع
بائعة الفطير
«مخبوزات وفطير وجبنة وعسل ».. هى بضاعة ماجدة تلك السيدة الستينية التى تفترش أحد الأرصفة بمنطقة الوراق بعد أن تبدل حالها من مديرة مدرسة إلى بائعة سريحة لتعول أسرتها تقول: «عندى 3 عيال جوزتهم لما كنت مديرة، لكن جوزى مريض والعيشة بقت غالية، ومعاشى أقل من 1000 جنيه، ومالناش مصدر دخل آخر، عشان كده نزلت أجرى على أكل عيشى، والشغل مش عيب .»
« لازم أحب شغلى مهما كانت طبيعته عشان أعرف اشتغل، وده اللى عملته لما كنت مديرة ولما نزلت الشارع على الفرشة، وماحستش بالإحراج، لأن الشغل مش عيب » .