لهذا.. الأمريكيون سوف يشركون الإدارة الذاتية في أي تسوية حول سوريا
الأمريكيون ليس لديهم خيار ثالث حول الوضع السوري، ويدركون تماماً إن تركوا روسيا وحلفاءها الإقليميين والمحليين يسيطرون على منافذ مهمة في الشرق الأوسط، سوف يكون ذلك تهديداً للمصالح الأمريكية الأوروبية في الخليج العربي والعراق - حيث النفوذ الأمريكي الإستراتيجي، وعمق سوريا يعتبر بوابة لجميع مداخيل الشرق الأوسط، وإن سيطرت عليها روسيا، سوف تحافظ على النظام بشكلها السابق، بحكم أن المصلحة الروسية تكمن في الإبقاء على الأنظمة الموالية لها، وهذا يعني ببساطة تثبيت المصالح الروسية بشكل كامل في بوابة شرق الأوسط - سوريا - لهذا فإن الأمريكيين لن يقبلوا هذا التمدد، ويدركون مستقبل سوريا وطبيعة تيهئتها لأحجية الشرق الأوسط.
من هنا ندرك تماماً أن الأمريكيين سوف يبقون في المنطقة مهما كلفهم الثمن، وإن اختلفت طبيعة تواجدهم أو نوعية علاقاتهم، وليس لديهم مكان سوى بوابة شمال سوريا، والإدارة الذاتية، وبما إن المعارك مع الداعش شارفت على النهاية، فإن التوجه الأمريكي سوف يركز على إيجاد حل سياسي وفق التفصيلة الأمريكية الأوروبية وليست التفصيلة الروسية، وهنا ندرك تماماً أن التحالف الفرنسي الأمريكي الإيطالي في شمال سوريا، وكذلك التحالف الأمريكي البريطاني في منطقة التنف الجنوبية، سيحاولون الحفاظ عليها، وإن كان ذلك دون ضرب كافة العلاقات مع تركيا، أي بمعنى أن العلاقات الأمريكية الأوروبية لن تكون في انقطاع تام مع تركيا، لأن أي تحالف روسي تركي بشكل كامل سيكون له انعكاسات سلبية على الشرق الأوسط، بسبب تحكم تركيا على مجموعات متطرفة سوف يتم استخدامها ضد الوجود الأمريكي الغربي. الوجود الإيراني كما هو واضح مجرد شماعة أمريكية غربية للبقاء في المنطقة لمواجهة روسيا، رغم أن التمدد الإيراني يشكل خطراً على المصالح الأمريكية في الخليج العربي والعراق؛ إلا أن الإبقاء على إيران ضمن مربع محدد دون التمدد أيضاً ينصب في المصلحة الأمريكية الغربية؛ لأن ذلك يضمن للشركات سوقا مستمرة لبيع الأسلحة في الخليج العربي الغني بالثروات، بالإضافة أن للاتحاد الأوروبي مصالح وعلاقات جزءية مع إيران، كما لدى إيران أطماع خاصة تختلف عن الهيمنة الروسية، وإن كانت أمريكا تحاول خلق اتفاقيات جديدة من أجل الحصول على حصة الأسد من إيران، بحكم إن الاتفاقيات التي تمت في ظل إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي انصبت في صالح الشركات الأوروبية، لهذا يحاول ترامب الضغط على إيران ليكون لها حصة الأسد.
وكذلك مسألة خطورة المنافذ البحرية التي سوف تكون مهددة تماماً من قبل النفوذ الروسي، وهو ما يقلق الاتحاد الأوروبي والأمريكيين، بحكم نصف الإنتاج النفطي العالمي يكمن في الخليج العربي والشرق الأوسط، وعندما تتحكم روسيا بهذه المنافذ سوف تتحكم بأسعار النفط، وبذلك تهيمن على العالم (الهيمنة الأمريكية حتى اللحظة كانت بالدرجة الأولى بسبب سيطرتها على المنافذ الدولية والممرات البحرية - والتحكم بالطاقة تعني التحكم بالسياسات الدولية)، لهذا كان التخلي الأمريكي عن تركيا في المراحل السابقة كحليف استراتيجي أول، سببه المعرفة الأمريكية بخطورة الوضع في سوريا إن سيطر عليها روسيا وحلفاؤها؛ لأن صناعة الداعش تمت بحرفية إقليمية وتقنيات استخباراتية دولية، واستفادت منها روسيا وأيضاً إيران والنظام السوري، وأمريكا والغرب. لذا أعتقد أن الأمريكيين سيبحثون عن مكان لقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية كطرف رسمي في المعادلة القادمة لسوريا حول سوريا، والمخاوف التركية سوف تتراجع بحكم أنها تحكم غرب نهر الفرات، أي بمعنى لن يكون هناك منفذ إلى البحر، ولن يكون هناك بديل عن تركيا في نقل النفط من العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، بعد الحصار الذي تعانيه إيران والمنافذ البحرية في الخليج العربي الفارسي، وتدرك تركيا أن المناطق التي احتلتها مع المجموعات المتطرفة سوف تعود إلى النظام السوري، لهذا فإنها سوف تحاول بشتى الوسائل إجراء تغيير ديمغرافي ودسّ العنصر التركماني في المنطقة على حساب تهجير الكرد والعرب منها حتى تضمن ولاء هذه المنطقة لها، وكذلك إن عادت سوف تعود إلى النظام السوري.
بينما الأمريكيون والغرب لا يريدون فتح جبهة مع تركيا غرب نهر الفرات ومنطقة منبج، لأنهم لا يريدون خسارة تركيا كلياً.