بالصور.. تفاصيل الزيارة الأولى للملك عبد العزيز التي وطدت العلاقة بين مصر والسعودية
دائماً مصر سباقة بالخير ومد جسور
الأخوة والصداقة بينها وبين الأشقاء العرب، وذلك في إطار توطيد العلاقات وترسيخ
مبادئ العروبة التي تنطوي على مراعاة حسن الجوار وتبادل المصالح المشتركة ، فقد
توترت العلاقات بين مصر والسعودية في عهد الملك فؤاد الأول بسبب هجوم من بعض
الأفراد المتشددين على قافلة المحمل التي كانت تحرص مصر من خلالها سنوياً على
إرسال كسوة الكعبة مع بعض المساعدات الطبية للحجيج بها ، وقد حدث أن وصلت القافلة
المصرية وصاحبها بعض العازفين على الطبول والآلات النحاسية كحفاوة وتنبيه بوصول
المحمل إلى الأراضي الحجازية، ولكن بعض المتشددين عارضوا الطبول وعزف الآلات
النحاسية وهاجموا القافلة، وقد حدث اشتباك بين حراس المحمل والمتشددين وتدخل الملك
عبد العزيز بن سعود لاحتواء الموقف، وقد قام ولي العهد الأمير سعود برأب الصدع عندما أتي إلى مصر لعلاج عينيه في 2 أغسطس 1926 وذهب سعد باشا زغلول للقاء الأمير سعود في مقر إقامته بمصر.
كانت العلاقات قد تجمدت في ذلك الوقت،
ومع تولي الملك فاروق الحكم فقد حرص على إذابة أي شوائب حدثت في الماضي، لذا هم
فاروق بزيارة المملكة السعودية في ديسمبر 1945 والتقى خلال زيارته للمملكة مع
المؤسس والعاهل السعودي الملك عبد العزيز الذي وعد برد الزيارة إلى مصر في يناير
عام 1946 .
فور عودة الملك فاروق إلى مصر أعطى
تعليماته إلى وزرائه كي تتزين مصر استعداداً لاستقبال الملك عبد العزيز، فقد كانت
تلك هي زيارته الأولى الرسمية لمصر، ومن المعروف أن الملك عبد العزيز كانت له
زيارة غير رسمية لمصر، حيث التقى بالرئيس الأمريكي وتشرشل في عرض البحر في بورسعيد
عند انتهاء الحرب العالمية الثانية.
تحددت الزيارة بين الملكين، وأرسل
الملك فاروق في 2 يناير 1946 اليخت الملكي المحروسة من السويس متجهاً إلى جدة كي
يأتي بالملك عبد العزيز ومعيته إلى مصر، وفي يوم الإثنين السابع من يناير استقل
عاهل السعودية اليخت الملكي المصري في الواحدة ظهراً من جدة ووصل إلى ميناء السويس
في العاشرة والنصف من صباح الخميس 10 يناير 1946 وتم تأمين اليخت الملكي بالطراد
فاروق الذي يسبق اليخت والطوافة فوزية التي تتبعه، وصعد الملك فاروق إلى اليخت
لاستقبال وتحية ضيف مصر الكبير.
استقل الملكان قطار ملكي تم تجهيزه
ليقلهما من السويس إلى القاهرة، وقد وصل إلى محطة مصر حيث كان في استقبالهما كبار
رجال الدولة والوزراء ، وتحرك الموكب بعد ذلك إلى قصر الزعفران حيث نزل الملك عبد
العزيز وحاشيته، وكانت القاهرة قد تزينت وأقيمت أربعة أقواس نصر كبيرة صممت على
الطراز العربي ، وزينت الطرق التي يمر بها الموكب الملكي مع التأمين الشامل وأضيئت
المباني الحكومية وأعطى الملك فاروق تعليماته بأن تفتح مطاعم القاهرة ثلاثة أيام لإطعام
الفقراء مجاناً احتفاءً بضيف مصر العزيز.
أعد برنامج لزيارة الملك عبد العزيز
لقصر عابدين ومقر الحكومة والبرلمان المصري والجامعة العربية والأزهر الشريف
وجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة"، وشمل البرنامج زيارة ضيف مصر لعدة
مناطق أثرية والقناطر الخيرية والمتحف الزراعي مع زيارة الفاروقية بانشاص وهي من
أهم الأراضي الزراعية في مصر حيث تحتوي على أهم وأندر النباتات والأشجار في
العالم، وزار ضيف مصر أيضاً مدينة الأسكندرية وشهد استعراضاً للجيش المصري قوامه
36 ألف جندي ، وأكتمل برنامج الزيارة بتشريفه للمحلة الكبرى قلعة الصناعة في مصر.
استمرت الزيارة لمدة 12 يوماً قضى
فيها الملك عبد العزيز آخر يومين في الأسكندرية وأقام في قصر رأس التين واجتمع
بالملك فاروق في قصر المنتزة، وفي صباح اليوم الثاني عشر عاد إلى القاهرة وحضر مأدبة
غداء أقامها الملك فاروق بقصر عابدين .. وبعد الظهر في قصر الزعفران التقى الملك
عبد العزيز بنقيب الصحفيين فكري باشا أباظة وأعضاء مجلس النقابة، ثم التقى بالطلبة
السعوديون في مصر وزودهم بنصائحه، وعند الغروب كان الملك قد غادر إلى السعودية من
ميناء السويس وقد أبدى تقديره للملك فاروق وللشعب المصري على الحفاوة البالغة التي
لاقاها أثناء زيارته إلى مصر.
بقي أن نشير إلى أنه صدر طابعاً
بريدياً تذكارياً في مصر إجلالاً لتلك المناسبة ، والطابع حمل صورة الملك عبد
العزيز، وكان للفن دور هام في الترحيب بالملك السعودي، فقد غنت كوكب الشرق أم
كلثوم أغنية "سلوا قلبي" وأضيف إليها خمسة أبيات من الشاعر محمد الأسمر
للترحيب فيها بالعاهل السعودي وغنتها أم كلثوم في الثاني عشر من يناير 1946
بالإذاعة .. أما الموسيقار محمد عبد الوهاب فقد غنى في تلك المناسبة أيضاً أنشودة "التاجين"
والتي كتبها صالح جودة ولحنها عبد الوهاب ويقول مطلعها : يارفيع التاج من آل سعود
يومنا أجمل أيام الوجود .. موكب الخير من البيت العتيد يختال على النيل السعيد .