قالت الكاتبة الفرنسية بولين بوك، إن الرئيس إيمانويل ماكرون حقق المستحيل بتوحيد أطياف مجتمعية شديدة التباين حول منصة واحدة ضده.
وفي مقالها بمجلة "النيوستيسمان" البريطانية، نبهت بوك إلى أن ماكرون لم يستطع إحراز هذا الإنجاز عبر سياسات بذاتها وإنما تلك السياسات خلفت توابع استفزت بدورها تلك الأطياف المجتمعية المتنافرة.
ولفتت الكاتبة إلى ذهول علماء الاجتماع والمؤرخين والصحفيين الفرنسيين على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية وعجزهم عن الوقوف على ماهية "أصحاب السترات الصفراء" ومنبعها وأهدافها التي لا يعرفها أحد وليس بين أفراد تلك الحركة مَن يُخبر على وجه اليقين.
لكن أيًا ما يكن، فالغضب هو السمة الرئيسية التي اتسمت بها تلك الحركة الاجتماعية الفرنسية، والتي بدأت كاحتجاج في الـ 17 من نوفمبر المنصرم ضد ضريبة على الوقود لكن ما لبثت أن أمست أزمة اجتماعية ظلت تتفاقم حتى باتت كابوسا قضّ مضجع حكومة ماكرون.
ونوهت الكاتبة عن تباين مطالب المتظاهرين من أصحاب السترات الصفراء: من فئة تطالب بخفض الضرائب، وأخرى تنادي برفع الأجور، وثالثة بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور، إلى فئة تنادي بحلّ الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي)، وأخرى تطالب باستقالة الحكومة أو حتى رحيل ماكرون، فيما تتطلع فئات إلى نظام سياسي جديد بالكامل.
لكن جميع تلك الفئات المتظاهرة اجتمعت على المطالبة بـكرامة شعَر الجميع بضياعها جرّاء السياسات المالية الأخيرة التي أصبح معها الفرنسيون يناضلون للوفاء بنفقات معيشتهم.
ورأت الكاتبة "عبقريةً" في اختيار المتظاهرين للسترات الصفراء كرمز يجمع شملهم في أولى مراحل الاحتجاج؛ ذلك أن هذه السترات تفرضها السلطات الفرنسية لدواعي الأمان منذ عام 2007، ومن ثم فكل مَن يقود سيارة يمتلك سترة صفراء.
وقد انطلقت جميع فئات المتظاهرين من نقطة واحدة هي ضريبة الوقود؛ ذلك لأنهم على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية يعتمدون في حياتهم على سياراتهم إما لظروف العمل أو ربما ببساطة لأنهم يعيشون في مناطق لا تكثر بها وسائل النقل العامة بخلاف المناطق الكوزموبوليتية.
ونبهت الكاتبة إلى أن هؤلاء الفرنسيين الثائرين لم يكن لهم من قبلُ صوتٌ في عالم ماكرون الكوزموبوليتي أما الآن فقد تغيرت الحال.
وبات علماء الاجتماع والمعلقون الفرنسيون عاجزين عن تحديد ماهية أصحاب السترات الصفراء الذين تضم كل حلقة من حلقاتهم أصحاب مهن متنوعة وأعمار وأجناس وأعراق واتجاهات سياسية متنوعة.
وفي محاولة لحلّ لغز حركة السترات الصفراء، أظهر استطلاعُ رأيٍ أُجري خصيصا لهذا الغرض أن أعضاء تلك الحركة يمثلون نسبة 20 بالمئة من الشعب الفرنسي، وأن تواجدهم في المناطق الريفية يزيد عنه في المدن الصغرى، وأن ذوي الأوضاع المالية الصعبة يميلون بنسبة 84 بالمئة إلى تأييد تلك الحركة، بينما يدعمها الموسرون بنسبة 67 بالمئة.
وأكد الاستطلاع أنه على الرغم من تألُّف حركة السترات الصفراء من كافة أطياف المجتمع الفرنسي، إلا أن الوجود الأبرز بين صفوفها هو لأبناء الطبقة العاملة والريفيين والمتعسرين ماليا.