رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الأزمات تهدد بانفراط العقد الأوروبي.. هروب انجلترا من عضوية الاتحاد.. وأعباء الديون تثقل عدة دول أبرزها اليونان.. والتظاهرات تجتاح فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا بسبب تردي الأوضاع

12-12-2018 | 13:02


بمرور الأيام تزداد الأزمات التي تهدد الاتحاد الأوروبي بين أزمات اقتصادية وتزايد لأعباء الديون، ثم خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد لأسباب مختلفة سياسية واقتصادية، إلى حركة السترات الصفراء التي انتشرت كالنار في الهشيم خلال الأسابيع القليلة الماضية وبدأت بفرنسا ثم انتقلت إلى دول أخرى كبلجيكا وألمانيا وهولندا وحتى المجر بخروج آلاف العمال للمطالبة بتحسين ظروفهم الوظيفية.

وهي كلها أزمات تربك الاتحاد الأوروبي، ما أثار مخاوف مراقبين بشأن مستقبل الاتحاد، الذي بدأت فكرته عام 1957 بين 6 دول، وتأسس عام 1992 بعد اتفاقية باسم معاهدة "ماستريخت"، ويضم في عضويته حتى الآن 28 دولة، ومنتظر خلال الأشهر المقبلة خروج أول عضو منه وهو المملكة المتحدة بعد استفتاء أجرته في يوليو 2016 وافق بالأغلبية على مغادرة الاتحاد.

وللاتحاد الأوربي نشاطات عديدة، أهمها السوق الموحد ذو العملة الواحدة وهي اليورو الذي تبنت استخدامه 19 دولة من أصل الـ28 الأعضاء، كما له سياسة زراعية مشتركة وسياسة صيد بحري موحدة.

 

أزمة الديون

في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 والركود الاقتصادي حينها، اندلعت أزمة الديون الأوروبية ما كان له تبعات ضخمة على العديد من الدول ومن أجل محاربة الأزمة ركزت بعض الحكومات على رفع الضرائب وخفض النفقات مما ساهم في الاضطرابات الاجتماعية.

وكانت اليونان واحدة من أكثر الدول تضررا بفعل أزمة الديون، حيث تعرضت لضغوط خاصة لأن صناعاتها الرئيسية هي الشحن والسياحة، وبعد الأزمة الاقتصادية في 2008، بدأت الدولة في رفع معدلات الاقتراض إلى أصبحت في 2010 غير قادرة على الاقتراض من الأسواق.

وفي أبريل 2010 طلبت الحكومة اليونانية قرضا مبدئيا قدره 45 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتغطية احتياجاتها المالية للجزء المتبقي من عام 2010، وبعدها ببضعة أيام خفضت ستاندرد آند بورز تصنيف الديون السيادية لليونان إلى وضع BB+ أو "غير المرغوب فيه" وسط مخاوف من التخلف عن السداد.

ومع حلول مايو من العام نفسه بدأت الحكومة اتخاذ إجراءات للتقشف، لتأمين قرض مدته ثلاث سنوات بقيمة 110 مليارات يورو، وقد قوبل هذا بغضب كبير من قبل بعض اليونانيين مما أدى إلى احتجاجات واسعة وأعمال شغب واضطرابات اجتماعية في جميع أنحاء اليونان، وتصاعدت الأزمة خلال السنوات التالية إلى أن بدأت الأوضاع تتعافى بعد إجراءات خفض أسعار الفائدة وإطالة مدة استحقاق الديون والمفاوضات بين الحكومة اليونانية ومنطقة اليورو لمنع الانهيار الاقتصادي.

وشهدت أيرلندا والبرتغال وأسبانيا وقبرص أزمات اقتصادية أيضا نتيجة الديون بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، واتخذ البنك المركزي الأوروبي سلسلة من التدابير الرامية إلى الحد من التقلب في الأسواق المالية وتحسين السيولة، إلا أن تكهنات اقتصاديين أكدت أن مواجهة تلك الأزمة سيؤدي لانهيار العملة وخروج اليونان أو غيرها من شأنه أن يكون بداية تفكك للعقد الأوروبي.

 

انسحاب بريطانيا

قبل أكثر من عامين، حسم البريطانيون رغبتهم في خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء شعبي، بموافقة 52% من المشاركين، لتبدأ بعدها عملية انسحاب ومفاوضات معقدة بين بريطانيا من جانب والاتحاد من جانب آخر، كان آخر خطواتها حتى أمس هو تأجيل البرلمان البريطاني للتصويت على اتفاق الخروج "البريكست" الذى عقدته رئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماى مع الاتحاد الأوروبي، وسيكون للانسحاب المتوقع تداعيات خطيرة على بريطانيا ومنطقة اليورو معا سياسيا واقتصاديا، كما أنه سينال من قوة القرار الدبلوماسى الأوروبى، فيما توقع بعض المحللين تفكك الاتحاد كليا.

وتعددت الأسباب التي دفعت بريطانيا للخروج من الاتحاد، منها زيادة أعداد المهاجرين واللاجئين، وزيادة النفوذ البريطاني وإمكانية إقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي دون خضوعها لقوانين الاتحاد، والعديد من الأسباب.

وفي وقت سابق، تطرق مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبى، إلى خطر انهيار الاتحاد الأوروبى، وقال فى مقابلة صحيفة إن التكتل الأوروبى فى خطر، وإن ثمة قوى تحاول تفكيكه، ورأى أنه لا أحد بوسعه اليوم أن يتبنأ بما إذا كان الاتحاد الأوروبى سيستمر على شكله الحالى فى غضون 10 أعوام.

ولم يكن شولتز هو الوحيد في تحذيره، حيث توقع المرشح السابق لتسلم منصب السفير الأمريكى لدى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل "تيد مالوك" تفكك الاتحاد، معتبراً أن خروج بريطانيا منه ليس سوى البداية، كما حذر سيغمار جبراييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن مستقبل أوروبا على المحك إذا أسيء التعامل مع مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.

 

السترات الصفراء

مع منتصف نوفمبر الماضي، بدأ احتجاجات عارمة في فرنسا بين العاصمة باريس ومدن أخرى رفضا لزيادة الضرائب على الوقود وتدهور الأحوال المعيشية وانخفاض القيمة الشرائية للعملة، وارتدى المحتجون "السترات الصفراء" كرمز لتظاهراتهم، وامتدت تلك الاحتجاجات إلى دول أوروبية أخرى، حيث شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل احتجاجات مشابهة، نظرا لتردي الأوضاع وارتفاع تكلفة المعيشة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية هناك.

وتعاني فرنسا من التضخم، والبطالة التي تزيد نسبتها عن 9%، فضلا عن تراجع معدل النمو حيث انخفض نمو الاقتصاد الفرنسي بشكل حاد خلال الربع الأول من العام الجاري، ليسجل نسبة 0.3 في المائة، وهي أقل وتيرة للنمو في أكثر من عام.

كما شهدت فرنسا في وقت سابق خلال هذا العام احتجاجات عمال السكة الحديد ضد خطط الرئيس إيمانويل ماكرون لإصلاح هذه الصناعة مما كان له آثار سلبية على معدل النمو، وتعتبر أيضا من أعلى الدول من حيث مساهمة الضرائب في الاقتصاد، حيث يمثل أكثر من 46% من اقتصادها من حصيلة الضرائب.

أما في العاصمة البلجيكية بروكسل، فقد خرجت احتجاجات مشابهة للتظاهرات الفرنسية اعتراضا على رفع أسعار الوقود والضرائب الأخرى، كما طالب المحتجين برحيل رئيس الوزراء، شارل ميشيل، وأغلق بعض محتجي "السترات الصفراء" الطريق السريعة في اتجاه مدينة ريكيم الواقعة في فلاندر الغربية قرب الحدود مع فرنسا، بحسب وكالة الأنباء البلجيكية (بيلغا).

وفي هولندا، وصلت حركة السترات الصفراء، وقررت حركة السترات الصفراء تنظيم مظاهرات احتجاجية ضد حكومة رئيس الوزراء مارك روته، والمطالبة بنظام حكم اجتماعي، ورفض الغلاء في قطاعي الصحة والتعليم، ومشكلة اللاجئين، وسن التعاقد.

كما وصلت احتجاجات "السترات الصفراء" إلى ألمانيا حيث بدأ عمال السكك الحديدية في البلاد بدأوا إضرابا عن العمل لمدة أربع ساعات، بسبب الأجور، مما أوقف حركة قطارات المسافات الطويلة وأضر بحركة قطارات الركاب والشحن، وهي ليست المرة الأولى لعمال السكك الحديدية وكان السبب ذاته وراء احتجاجاتهم وهو تحسين الأجور وظروف العمل.

وواصلت حركة السترات الصفراء التمدد حتى وصلت أيضا إلى إسبانيا وبلغاريا وصربيا والمجر، وربما تمتد إلى أبعد من ذلك، للمطالبة بتحسين ظروف المعيشة.