تظل علاقة الفنان الراحل أحمد زكى بوالدته علامة استفهام كبرى طوال مسيرته الفنية. فقد عاش حياة اليتم ولم تحنُ عليه والدته وتضاربت مشاعره تجاهها خلال مراحل حيلته المختلفة.
فقد ولد الفنان أحمد زكى فى 18 نوفمبر 1949 بمحافظة الشرقية، ولم يمهله القدر كى يعيش فى كنف أسرته المكونة من الأب والأم، ليرحل والده وهو فى عامه الأول وتضغط العائلة على الأم للتزوج حتى تجد عائلًا لها ولابنها الرضيع، وبالفعل رضخت الأم لتتزوج من "فران"، ولكن مع كبر الفتى الأسمر ظل زواج أمه عائقًا طوال حياته، خاصة أنه لم يقدر أن يعيش مع زوجها الثانى، فقد تركته فى بيت جده ليحيا نشأته بأى شكل وتكفل به أعمامه.
عاش أحمد زكى أيام طفولته وصباه فى بيت جده، وفى القلب غصة ولوعة وحرمان من عدم وجود أب أو أم تحنو عليه، وهو يرى اهتمام والدته بأشقائه بعيدًا عنه. هنا انتبه أحمد وهو على أعتاب مرحلة الشباب بأن حياته بدت قاتمة، ولابد من وجود متنفس لحياة أخرى كى يجد بين جنباتها أطياف السعادة التى حُرم منها.. فقد ظهرت موهبة التمثيل وهو فى مرحلته الإعدادية، وتمكن منها وهو فى المرحلة الثانوية، ووجد تشجيعاً من ناظر المدرسة الثانوية الصناعية الذى دعا لفيفًا من أهل الفن لحضور احتفالاً بالمدرسة، وكان الغرض من دعوة المدير للقاهريين أن يروا تلك الموهبة الجديدة، ونصحه الجميع بالوقوف على خشبة مسرح قصر ثقافة الزقازيق ليصول ويجول فيه ويصبح بيته الثانى بعد أن فقد الأول ومع نجاحه نصحه البعض بدخول المعهد وهو ما فعله ليتخرج فى عام 1973 وكان الأول على دفعته.
بدأ أحمد زكى مشواره مع الفن ولم تكن البداية سهلة، فالفتى الذى حُرم فى الصغر من حنان الأم، لم تحنُ عليه القاهرة بزحامها، فكانت البدايات فى المسرح، ومنه انتقل إلى النجومية وهنا لم يلتفت إلى عائلته، حتى أصبح نجمًا كبيرًا. ولم ينسَ أحمد زكى أن والدته فضلت أن تختار الزواج بدلاً من أن تضحى بسعادتها وتنكفئ عليه لتربيته ورعايته.. وظل مقاطعاً لها سنوات طويلة.. ولكن قلب الفتى الأسمر ليس بجاحد، فوضع أمام عينيه المبررات لوالدته، وبدأ التواصل معها بعد سنوات الانقطاع.. وبالفعل تم لم الشمل بينه وبينها وبدأ يغدق عليها من نعم الله التى أتاه إياها.. فقد أنشأ لها بيتاً خاصاً من أربعة أدوار فى نفس المكان الذى هُدم فيه بيته الأول وزودها بما تحتاج من أجهزة وأثاث.. وتأتى مرحلة مرضه فقد رافقته والدته طوال محنته تخفف من آلامه، وربما تجد فى ذلك تعويضاً له عن ابتعادها عنه طوال سنوات مضت.. ويرحل أحمد زكى تاركاً مجداً فنياً كانت مقوماته الإصرار والتحدى.. وما لبثت الأم أن تلحق بولدها بعد رحيله بعدما نال رضاها ونالت رضاه.