أصدرت الأمم المتحدة اليوم الخميس تقريرا أكدت فيه تعرض المهاجرون
واللاجئون "لأهوال لا يمكن تخيلها" منذ اللحظة التي يدخلون فيها ليبيا وطوال
فترة إقامتهم في البلد - إذا ما حالفهم الحظ في ذلك - أثناء محاولاتهم المتلاحقة لعبور
البحر الأبيض المتوسط.
ويغطي التقرير المؤلف
من 57 صفحة، والذي تشترك في نشره كل من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومكتب الأمم
المتحدة لحقوق الإنسان، فترة 20 شهراً حتى شهر أغسطس 2018، ويفصّل سلسلة مروعة من الانتهاكات
والاعتداءات التي ارتكبها عدد من موظفي الدولة وأفراد المجموعات المسلحة والمهربين
وتجار البشر ضد المهاجرين واللاجئين. وبين هذه الانتهاكات والتجاوزات عمليات القتل
خارج نطاق القانون والتعذيب والاحتجاز التعسفي والاغتصاب الجماعي والرق والسخرة والابتزاز.
وبناء على 1300 رواية
مباشرة جمعها موظفو حقوق الإنسان في ليبيا نفسها، وكذلك من المهاجرين الذين عادوا إلى
نيجيريا أو وصلوا إيطاليا، يتتبع التقرير كامل الرحلة التي يخوضها المهاجرون واللاجئون
بدءاً من الحدود الجنوبية لليبيا مروراً بالصحراء ووصولاً إلى الساحل الشمالي – وهي
رحلة "تشوبها مخاطر كبيرة تتمثل في الانتهاكات والاعتداءات الجسيمة ضد حقوق الإنسان
في كل خطوة على الطريق".
إن المناخ الانفلات
الأمني الذي يسود في ليبيا يوفر أرضاً خصبة لانتعاش الأنشطة غير المشروعة من قبيل الاتجار
بالبشر وشبكات التهريب الإجرامية، تاركاً المهاجرين واللاجئين "تحت رحمة عدد لا
يحصى من المتربصين الذين يرونهم كسلعة سهلة للاستغلال والابتزاز"، وفقاً للتقرير.
ويضيف التقرير:
"إن الغالبية العظمى من النساء والفتيات المراهقات اللواتي قابلتهن بعثة الأمم
المتحدة للدعم في ليبيا أفدن بأنهن تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل المهربين أو تجار
البشر".
وأجرى موظفو الأمم
المتحدة زيارات إلى 11 مركز احتجاز يقبع فيها آلاف المهاجرين واللاجئين، وقاموا بتوثيق
التعذيب وسوء المعاملة والسخرة والاغتصاب من قبل الحراس، وأفادوا بأن النساء غالباً
ما يُحتجزن في مرافق ليس فيها حارسات من الإناث، مما يفاقم من خطر التعرض للاعتداء
والاستغلال الجنسي. وكثيراً ما يتم إخضاع المحتجزات إلى عمليات تفتيش يقوم بها حراس
ذكور بعد تعريتهن أو أمام أنظارهم.
أما أولئك الذين
ينجحون في نهاية الأمر في محاولاتهم المحفوفة بالمخاطر لعبور البحر المتوسط، فيتم اعتراضهم
في البحر أو إنقاذهم من قبل خفر السواحل الليبي الذي يعيدهم مرة أخرى إلى ليبيا ليتعرض
العديد منهم إلى نمط الانتهاكات والاعتداءات التي هربوا منها ل.
وتم نقل ما يقرب
من 29000 مهاجر أعادهم خفر السواحل ليبيا منذ
أوائل عام 2017 إلى مراكز احتجاز المهاجرين التي تديرها إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية
والتي لا يزال الآلاف منهم محتجزون فيها لأجل غير مسمى وبشكل تعسفي دون اتباع الإجراءات
القانونية أو منحهم إمكانية الإستعانة بمحامين أو خدمات قنصليات بلدانهم.
ويشير التقرير إلى
أنه لا يمكن اعتبار ليبيا مكاناً آمناً بعد الإنقاذ أو الاعتراض في البحر، نظراً للخطر
الشديد من التعرض للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وينوّه التقرير إلى أن "عمليات
الصدّ" هذه قد عدّها مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب انتهاكاً لمبدأ
عدم الإعادة القسرية، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي.
ويدعو التقرير الاتحاد
الأوروبي ودوله الأعضاء إلى إعادة النظر في سياساتهم وجهودهم الرامية الى الحد من قدرة
المهاجرين واللاجئين على الوصول إلى شواطئ أوروبا نظراً للخسائر البشرية المترتبة على
هذه السياسات، وضمان أن يكون التعاون والدعم المقدمان إلى السلطات الليبية قائمين على
أساس من حقوق الانسان بما يتماشى مع التزاماتها في ضوء القانون الدولي لحقوق الانسان
وقانون اللاجئين، وان تضمن ان لا يؤدي ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إبقاء رجال
ونساء وأطفال عالقين في ظروف تعسفية مع قليل من الأمل في تلقي الحماية أو جبر الضرر.
ويتعرض المهاجرون
المحتجزون في هذه المراكز وبشكل ممنهج للتجويع والضرب المبرّح والحرق بأجسام معدنية
ساخنة والصعق بالكهرباء ويقاسون أشكالاً أخرى من سوء المعاملة وذلك بهدف ابتزاز الأموال
من أسرهم عبر نظام معقد من التحويلات المالية.
وتتسم مراكز الاحتجاز
بالاكتظاظ الشديد ونقص التهوية والإضاءة وعدم كفاية مرافق الاغتسال والمراحيض. وبالإضافة
إلى الإساءات والعنف المرتكب ضد المحتجزين هناك، يعاني العديد منهم من سوء التغذية
والتهابات الجلد والإسهال الحاد والتهابات الجهاز التنفسي وأمراض أخرى، فضلاً عن عدم
كفاية العلاج الطبي فيما يتم احتجاز الأطفال مع البالغين في نفس الظروف المزرية.
ويشير التقرير إلى
"التواطؤ الجلي لبعض الأطراف الحكومية، بمن فيهم الموظفون المحليون وأفراد المجموعات
المسلحة المدمجة رسمياً في مؤسسات الدولة وممثلو وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، في
تهريب المهاجرين واللاجئين أو الاتجار بهم".
وقال الدكتور غسان
سلامة، الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا:
"هناك إخفاق محلي ودولي في التعامل مع هذه الكارثة الإنسانية الخفيّة التي لا
تزال تحدث في ليبيا".
كما يُحتجز العديد
من الأشخاص في مراكز غير رسمية وغير قانونية تديرها مباشرة المجموعات المسلحة أو العصابات
الإجراميَّة. وكثيراً ما يُباع هؤلاء الأشخاص من مجموعة إجراميّة إلى أخرى ويُطلب منهم
دفع فدية عدة مرات. ويورد التقرير بأن "عدداً لا يُحصى من المهاجرين واللاجئين
فقدوا حياتهم أثناء الأسر من قبل المهربين بعد إطلاق النار عليهم وتعذيبهم حتى الموت،
أو تُركوا ببساطة ليموتوا من الجوع أو الإهمال الطبي". ويضيف التقرير بأنه
"كثيراً ما يتم الكشف عن جثث مجهولة الهوية لمهاجرين ولاجئين مصابين بأعيرة نارية
في جميع أنحاء ليبيا، وتحمل هذه الجثث علامات التعذيب والحروق وغالباً ما يتم العثور
عليها في صناديق القمامة وأحواض الأنهار الجافة والمزارع والصحراء".
وقالت ميشيل باشليه،
مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: "الوضع مروعّ للغاية. إن التصدي لظاهرة
الإفلات من العقاب المتفشية لن ينهي معاناة عشرات الآلاف من المهاجرين واللاجئين من
النساء والرجال والأطفال الذين يسعون إلى حياة أفضل فحسب، بل سيقوِّض الاقتصاد الموازي
غير المشروع والقائم على استغلال هؤلاء الأشخاص ويساعد على إرساء سيادة القانون والمؤسسات
الوطنية".