بقلم – نجوان عبد اللطيف
أحمد الخطيب هذا الشاب جميل الملامح الذى تنتشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعى ويظهر اسمه فى عدد من «الهاشتج» للمطالبة بالإفراج عنه لأنه مصاب بمرض وبائى يطلقون عليه «الليشمانيا الحشوية» ويكاد يفقد حياته للتأخر فى علاجه، أحمد طالب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ( ٦ أكتوبر) تم القبض عليه فى شقة بالشيخ زايد مع زملائه الذين يسكنون معه بالقرب من الجامعة، وظل مختفيًا قسريًا لأسبوع كامل لا يعلم أحد من أهله مكان احتجازه بالمخالفة للدستور والقانون، ثم ظهر كمتهم فى قضية الانتماء لجماعة إرهابية، وتنقل ما بين حجز قسم الشيخ زايد، وسجن الاستئناف وسجن طرة، حتى حكم عليه بالسجن المشدد ١٠ سنوات وغرامة ١٠٠ ألف جنيه، ثم نقل إلى سجن وادى النطرون.
لن أسهب فيما حدث لأحمد من ضرب وإهانة والحبس داخل زنزانة ضيقة مع حوالى ٤٠ سجينًا.
نعم سأتجاوز هذه المهانة واللا إنسانية فى السجون المصرية خاصة للمسجونين على ذمة قضايا سياسية أيًا كان انتماؤهم، فما يحدث لمن يصنفون إخوانًا لا يزيد عما يحدث لمن يطلق عليهم نشطاء، الكل فى التنكيل والتعذيب سواء.
قصة أحمد ليست مجرد معاملة غير إنسانية فى السجون تتجاوز كل الأعراف والمواثيق الدولية لحقوق المعتقلين والموافقة عليها مصر، ولكن المسألة أكبر بكثير من أحمد الخطيب نفسه، هى كما كتبها د. أحمد خالد توفيق الكاتب الشهير والطبيب فى مقال له بعنوان المرض الأسود نشره قبل يومين.
أكبر بكثير من سجين أصيب بمرض عضال، بل نحن نتكلم عن وباء خطير قابل للانتشار ولا تعرف كيف دخل مصر.
هذا هو مربط الفرس كما يقولون.. مرض وبائى أصيب به أحمد غالبًا أو يكاد يكون مؤكدًا أثناء تواجده بأى من السجون التى تنقل خلالها خاصة وأن فترة حضانة هذا المرض الخطير يمكن أن تصل إلى عامين ليس أكثر، وأحمد قضى ما يقرب من عامين ونصف العام فى السجن، وهذا المرض كما يقول د. أحمد خالد توفيق يسمى الحمى السوداء أو المرض الأسود، لأنه يكسب الجلد صبغة سوداء مميزة، ولقب باسم الطبيب الإسكتلندى ليشمان الذى استطاع عزل الطفيل وحيد الخلية وفى ذات الوقت توصل الأيرلندى دنوفان لنفس الشىء ولهذا صار اسم الطفيل هو(ليشمانيا دونوفانى) تخليدًا للعالمين.
الاسم المعروف والمشهور هو(كالا آزار) أو (الليشمانيا الحشوية).
ويضيف د. أحمد خالد توفيق عن هذا المرض أنه يصيب مليون حالة فى العالم سنويًا ويؤدى إلى وفاة ٢٠٠ ألف منهم.
والليشمانيا تسبب ثلاثة أنواع من الأمراض الكالا آزار وهو الأخطر ثم الليشمانيا الجلدية والثالث يصيب الجلد والأغشية المخاطية.
ويضيف د. أحمد خالد توفيق أن المرض ينتقل عن طريق لدغة ذبابة الصحراء (فليبرتوماس) وهى موجودة فى مصر، البعض يطلقون عليها (ذبابة الرمل) وتعيش على الكلاب كعائل وسيط ولكن لابد للذبابة من أن تلدغ أولًا مرتين بالليشمانيا حتى تنقل الطفيل لشخص آخر.
والبلاغات لمنظمة الصحة العالمية تقتصر حاليًا تقريبًا على البرازيل والصومال وإثيوبيا والهند وجنوب السودان والسودان، الوباء مولع بالقرى ذات الرطوبة العالية وغابات الأمطار، والأكواخ المصنوعة من طين.
مرض كالا آزار (الليشمانيا الحشوية) يتكون من حشد من الأعراض الشرسة، منها الحمى مجهولة المصدر.. الهزال.. العقد اللمفاوية.. تضخم هائل فى الطحال والكبد واللون الأسمر المميز، الأنيميا الشديدة، ويتسبب سوء التغذية ونقص البروتين وحالة القذارة العامة فى انتشار المرض. والتغيرات البيئية فى الرطوبة والحرارة تجعل الطفيل يزداد شراسة.
وتشخيص المرض صعب جدًا ما لم يكن فى منطقة موبوءة أى طبيب سيفكر فى سرطان الدم أو الليمفاوى.
ويشير د. أحمد خالد توفيق إلى أن العالم توصل لعلاج هذا الطفيل منذ زمن، وهو (حقن الأنتمونى خماسى التكافؤ) وعندما استخدم أدى لعلاج البلهارسيا للمصابين بالمرض، ومن ثم اكتشف كعلاج للبلهارسيا والملتفوسين الدواء الجديد الواعد يعطى لـ ٢٨ يومًا، ولا يحتاج لدخول مستشفى.
قصة اكتشاف المرض عند أحمد الخطيب هى فصل مهم فى المأساة، حيث لاحظ أهله أثناء زيارته فى السجن إصفرار بشرته وبرودة أطرافه وصعوبة حركته. فى ٧ سبتمبر ٢٠١٦ أخذت الأسرة عينة دم سرًا فى الزيارة بعد أن فشلوا فى أن تقوم إدارة السجن بإجراء التحاليل اللازمة له، وكانت النتيجة عدم الإصابة بفيروس سى حيث تشككو فى إصابته ولكن المعمل أثبت أن هناك سيولة عالية فى الدم تحتاج فحوصات أكثر؟
ونتيجة لصعوبة ظروف الحصول على العينة سرًا مضت ثلاثة أشهر حتى حصلوا على عينة دم أخرى فى ديسمير ٢٠١٦ ونتيجة لسوء أرقام السيولة وانخفاض المناعة فى الدم، لجأ أهل أحمد الخطيب لطبيب كبير طلب ضرورة بذل النخاع وتحليله للاشتباه فى اللوكيميا (سرطان الدم) وبعد إلحاح من أحمد على المسئولين فى السجن ثم عرض النتائج على طبيب السجن، الذى قام بعمل سونار أثبت تضخم الكبد والقولون ومن ثم طالب أهله بنقله للمستشفى للعلاج دون مجيب وقدموا شكاوى لمجلس حقوق الإنسان وللجهات المعنية والإدارة الطبية للسجون، وتم ترحيل أحمد من سجن وادى النطرون لسجن طرة، وقالوا عنده أنيميا يتعالج بمستشفى السجن، والحالة تزداد سوءًا وبدأت حملة النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى لإنقاذ أحمد الخطيب والإفراج عنه، وتم نقل أحمد إلى مستشفى قصر العينى فى ١٨ مارس ٢٠١٧ وتم سحب عينة من النخاع وتحليلها فى قسم الباثولوجيا الإكلينيكية، وجاء التقرير الطبى ليقول إنه من خلال فحص عينة بذل النخاع الخاصة بالمريض أحمد الخطيب تبين وجود طفيل الليشمانيا وهو ينتقل عن طريق اللدغ من حشرة ذبابة الرمل وجاء فى التقرير رجاء سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتلقى العلاج اللازم حيث إن التأخير يؤدى إلى مضاعفات خطيرة قد تؤدى إلى الوفاة ورجاء عمل المسح الطبى للمنطقة للحد من انتشار العدوى، الإمضاء رئيس قسم الباثولوجيا الإكلينيكية والكيميائية د. عزة أبو العينين..
ورغم هذا التقرير قرر المسئولون فى الداخلية نقل أحمد لمستشفى السجن مرة ثانية، وبعد قيام النشطاء بحملات على مواقع التواصل الاجتماعى، تم نقله لحميات العباسية، ولكن دون السماح لأهله بالزيارة منذ تم نقله لمستشفى السجن فى طرة حتى نقله لمستشفى العباسية وطبقا لتصريحات شقيقه:أحمد مقيد فى سرير المستشفى تحت حراسة مشددة والغريب أن العلاج ليس متوفرًا فى مصر، ومن ثم يطالب أهله بالإفراج عنه كى يتحملوا علاجه، تقرير قصر العينى طالب بمسح الأماكن التى تواجد بها المريض أحمد الخطيب وإجراء تحليل لكل المحيطين به، وحتى الآن لم تعلن مصلحة السجون أو وزارة الداخلية عن مثل هذه الإجراءات، مع أن احتمالات تفشى هذا الوباء كبيرة جدا فى السجون حيث تتواجد ذبابة الرمل فى الصحراء، وعدم توافر النظافة والبيئة الرطبة، ووجود مريض يحمل الطفيل وسط أعداد كبيرة من المسجونين ولفترة طويلة.
د. أحمد خالد توفيق يطرح عدة أسئلة مهمة تحتاج إجابات سريعة إذا كنا فى دولة حقًا أو حتى شبه دولة.. منها: من أين أصيب أحمد «بالكالا آزار»؟
وأين الحالة الأولى التى نقلت إليه المرض؟
وهل هناك احتمال خطأ فى التشخيص؟
الأمر خطير ويحتاج لأعلى درجات الشفافية، وما هو رأى مستشفى حميات العباسية وهو يضم أبرع أطباء المناطق الحارة فى مصر.
غير أسئلة د. أحمد لدى الجمهور الواسع على مواقع التواصل الاجتماعى أسئلة أخرى، لماذا لا يتم العفو عن أحمد الخطيب، الذى يكاد يفقد حياته من مرض أصابه فى السجن، لماذا التعامل مع المسجونين السياسيين وغير السياسيين بإهمال متعمد يتسبب أحيانًا فى إنهاء حياة بعضهم هو نوع من أنواع التعذيب البدنى بل يمكن وصفه بالقتل العمد، وليس بعيدًا ما جرى لـ ٣٦ مواطنًا فى سيارة الترحيلات ماتوا اختناقًا لإهمال متعمد من المسئولين عن ترحيلهم والتعامل معهم، وكأن حياتهم لا تساوى شيئًا.
ومن بين الأرقام التى رصدها مركز النديم أحد المراكز الحقوقية والذى تم إغلاقه بالقوة الجبرية وفق قرارات مغرضة، أن عام ٢٠١٥ كان هناك ٣٥٨ حالة إهمال طبى متعمد فى السجون وارتفع العدد فى عام ٢٠١٦ إلى ٤٤٨ حالة.
إهمال المرضى من المساجين جريمة يعاقب عليها القانون وتكاد تصل إلى كونها ظاهرة مع تزايد أعداد من يتعرضون لها.
ورغم صدور قائمتين لمن شملهم العفو الرئاسى لم يكن أحمد الخطيب وغيره من المرضى من المسجونين فى قضايا سياسية ضمنها، رغم أن الكشوف كانت تشمل اسمه، كما صرح بذلك د. أسامة الغزالى حرب طبقًا لظروفه الصحية، التى تتطلب عفوًا صحيًا.
من صاحب الكلمة الفصل فى قوائم العفو لماذا يظل أحمد الخطيب وغيره من المرضى دون أن يشملهم العفو، ولماذا لم يفرج عن شوكان وأحمد عبدالرحمن؟!