رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بريطانيا تستعيد ذاكرة الإرهاب .. وتلدغ من الثعابين الكامنة

29-3-2017 | 12:42


بقلم –  العميد : خالد عكاشة

لم ينتظر الأمن البريطاني وغيره من المتابعين الأوربيين طويلا، حتى يخرج في هذا الإطار إعلان “تنظيم داعش” الخميس الماضي مسئوليته، عن الهجوم الذي وقع قرب مبنى البرلمان البريطاني في لندن وأسفر عن مقتل ٥ أشخاص بينهم منفذ الهجوم، وما يتجاوز ٢٠ مصابا بعد أن دهس بسيارة يقودها عدد من المارة على جسر ويستمنستر في قلب لندن، (وكالة أعماق) التابعة لداعش والتي تقوم بنشر بياناته الإعلامية ذكرت في حسابها على تطبيق تليجرام: “منفذ الهجوم أمام البرلمان البريطاني في لندن نفذ العملية، استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي”، هذا في الوقت الذي حرص فيه قيادات سكوتلاند يارد أن تكون تصريحاتهم مقتضبة وتتروى في تداول المعلومات مع الرأي العام البريطاني، حيث استقبل هذا الأخير الأمر بصدمة لم يكن يتوقعها رغم ما تشهده عواصم أوربية من هجمات مماثلة.

 

ملخص البيانات الأمنية الرسمية والمعلومات التي صدرت عن سكوتلاند يارد منذ الساعة التالية لوقوع الهجوم وحتى الآن، ذكرت أن رجلا يقود سيارة على جسر ويستمنستر قد اقتحم الرصيف وأطاح بالمارة، مما أدى إلى إصابة العشرات، ثم طعن شرطيا أحد المكلفين بحراسة مقر البرلمان فقتله، وتمكنت الشرطة من إطلاق النار عليه وقتله على الأرض داخل حرم مبنى البرلمان، وأن التحقيقات مازالت مستمرة في برمنجهام ولندن وأجزاء أخرى من بريطانيا، واعتقاد الأمن البريطاني أن المهاجم تصرف منفردا متأثرا بالإرهاب الدولي، وحرصت القيادات الأمنية على التأكيد كل يومين تقريبا أنه ليس لديهم في هذا المرحلة معلومات عن مزيد من التهديدات تتعرض لها المدن البريطانية، هذا على الرغم أن سكان لندن بدأوا من اللحظات الأولى للحادث رؤية المزيد من ضباط الشرطة في الشوارع، بعد الإعلان عن إلغاء إجازات قوات الشرطة وتمديد ساعات عملهم، وعلى الرغم أيضا أن إحدى المداهمات التي نفذتها الشرطة المسلحة ولها صلة بالهجوم، قد تمت في شارع هيجلي بمدينة برمنجهام وأسفرت عن اعتقال ثلاثة أشخاص، حيث توافر لدى الشرطة ما يشير إلى أن السيارة التي استخدمت في الهجوم قد استؤجرت من مكان ما في برمنجهام، ولاحقا بدأت سكوتلاند يارد تنشر معلومات شخصية تخص منفذ الهجوم الذي تأكد أن اسمه الحقيقي المسجل عند ولادته هو (أدريان راسل اجاو) وهو من مواليد بريطانيا، لكنه اتخذ العديد من الاسماء المستعارة منذ اعتناقه الإسلام في العام ٢٠٠٣م أشهرها (خالد مسعود) وهو يبلغ من العمر ٥٢ عاما، وولد مسعود في “مقاطعة كنت”، ويعتقد أنه كان يقيم في منطقة “ويست ميدلاندس”، لم يكن مسعود يخضع لأي تحقيقات من قبل الشرطة، لكنّ له تاريخا جنائيا في سجلاتها يضم أحكاما قضائية نتيجة حوادث اعتداء وملكية سلاح، حكمه القضائي الأول عام ١٩٨٣ أدين بالتسبب بأضرار عامة، وتحول إلى العنف في عام ٢٠٠٠ عندما طعن شخصا في وجهه بسكين بحانة جنوب بريطانيا تحت تأثير الكحول، بسبب مشاجرة قيل إنها بسبب تعليقات عنصرية، أما حكمه الأخير فكان عام ٢٠٠٣ بسبب ملكيته سكيناً، ولم يحاكم مسعود بتهم مرتبطة بالإرهاب، لكن ضباط جهاز المخابرات الداخلية (إم.آي ٥) استجوبوه من قبل لمخاوف بشأن التطرف العنيف.

منذ أيام كشف عن إحدى المفاجآت في مسيرة حياة خالد مسعود صادرة رسميا عن السفارة السعودية بلندن التي تقدمت إلى سكوتلاند يارد بمعلومات تفيد أن منفذ الهجوم الذي استهدف مبنى البرلمان البريطاني خالد مسعود أقام في السعودية للعمل مدرسا للغة الإنجليزية مدة سنتين، وإنه لم يكن معروفا بأي نشاط مخالف للقانون لدى أجهزة الأمن السعودية في تلك الفترة. حيث عمل خالد مسعود مدرسا لمدة سنة من نوفمبر٢٠٠٥ إلى نوفمبر ٢٠٠٦، ثم عاد بعدها للمملكة للتدريس أيضا بين إبريل ٢٠٠٨ وإبريل ٢٠٠٩، وأن مسعود الذي يملك تأشيرة عمل في السعودية عاد مرة أخرى للمملكة، في رحلة دامت ستة أيام في شهر مارس ٢٠١٥، وأن الرحلة كانت من تنظيم شركة رحلات سياحية مسجلة.

مؤخرا نشرت صحيفة “صنداي تايمز” مارس ٢٠١٧م ملخصا لدراسة هي الأولى من نوعها في أوربا، صدرت في لندن وتناولت “خريطة الإرهاب في بريطانيا” بدراسة العمليات والتهديدات الإرهابية منذ ١٩٩٨ إلى عام ٢٠١٦م، وتجيب الدراسة الواقعة في ألف صفحة عن أسئلة من قبيل: أين يعيش الإرهابيون؟ ما الذي أثر فيهم؟ وما طبيعة الأحياء والمناطق التي نشأوا فيها؟ وذلك عبر دراسة تفاصيل (٢٦٩ قضية) أدين فيها إرهابيون و(٤٠٠ اعتداء) اعتبر إرهابيا، كشفت الدراسة بأن الأغلبية من هؤلاء ليسوا “ذئابا منفردة” بل ارتبطوا بجماعات إرهابية، وقد وصف “أليكس يانجر، مدير وكالة الاستخبارات البريطانية” ديسمبر ٢٠١٦م حجم التهديدات الإرهابية ضد بريطانيا بأنه غير مسبوق، حيث ذكر أن الاستخبارات البريطانية وأجهزة الأمن أحبطت عددا كبيرا من الهجمات المحتملة، وأضاف أن “تنظيم داعش» لديه هيكل منظم تنظيما جيدا للتخطيط للهجمات الخارجية، وقد اضطلع بالتخطيط لهجمات ضد المملكة المتحدة وحلفائها من دون اضطراره إلى مغادرة سوريا، وقد حصلت الاستخبارات البريطانية على وثائق سرية مسربة تحمل ختم “راية الخلافة” السوداء والتي تكشف هويات المقاتلين الأجانب في صفوف داعش، أظهرت الوثائق بصورة مؤكدة أن التنظيم نجح في تجنيد مواطنين بريطانيين من الجنسين شباب وفتيات. فضلا عن أشرطة للفيديو احتوت تهديدا من قبل التنظيم باستهداف بريطانيا، إذ أظهر الفيديو لقطات أرشيفية لشوارع ومعالم العاصمة البريطانية لندن للتهديد بأن الدور القادم على لندن، وتشير المعلومات إلى أن مقاتلي داعش البريطانيين قد أوكلت إليهم المهمة من قبل قيادات داعش البارزين، للعودة إلى بلادهم وتنفيذ الهجوم حيث تأكد حينها أن تنظيم داعش يرغب فى ضرب بريطانيا.

ما شكل مفارقة ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق فيما هو يتم على الأراضي البريطانية ويستدعي وقفة مدققة منهم ومنا أيضا، إنه كان هناك تزامن بين الهجوم الذي شهدته العاصمة البريطانية لندن الأربعاء، وبين استقبالها وفدا من التنظيم الدولي للإخوان لتنظيم نشاطات ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. أسئلة كثيرة قد يكون من المهم طرحها بشأن تلك المصادفة وكيف يمكن للأجهزة البريطانية أن تنظر إليها الآن بعد وقوع الحادث الإرهابي، هل مازالت تنظر إلى تنظيم الإخوان وأعضائه باعتبارهم النموذج المسالم الصحيح للإسلام السياسي الذي مازالت بريطانيا تراهن عليه، أم أن المشهد اليوم يحتاج إلى وقفة مراجعة مع النفس من قبل النخبة الحاكمة والأجهزة الاستخباراتية في الداخل البريطاني ؟، هذا بالنظر إلى أن مجلس العموم البريطاني والذي كان هدف الهجوم لندن الأخير، كان قد أصدر قبل تلك الزيارة للإخوان قرارا طالب فيه الحكومة بالسماح بزيادة تنامي نشاط الجماعة على اعتبار أنها لا تشكل أي تهديد لأمن البلاد !!! إلا أن ما حدث في نظر كثيرين ليس من قبيل الصدفة، بل هو ثمن إيواء بريطانيا لتنظيمات إرهابية، وفاتورة غالية تدفعها وستدفعها مستقبلا أيضا لرفضها تصنيف جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا.

ما نحاول أن نضعه في ميزان التقدير المستقبلي، أنه ربما يدفع الحادث الإرهابي الأخير بريطانيا إلى إعادة النظر في رهاناتها على التقلبات السياسية في الوطن العربي، واستراتيجيتها القائمة على مد الجسور مع جماعة الإخوان وعدم تصنيف تنظيمهم إرهابيا تحسبا لتوليهم السلطة يوما ما، نموذج الحالة المصرية ربما يبدو كاشفا لما نلقي الضوء بشأنه، فعقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر صدرت من لندن إشارات قبول فاتر، لم تستوعب أسباب وحجم التغيير الذي طرأ في مصر عقب ثورة يونيو ٢٠١٣م، وحقبة الإخوان المرفوضة شعبيا على نطاق واسع، فالمتمعن في مشهد التعاطي البريطاني مع مصر طوال تلك السنوات القليلة الماضية سيتأكد أن لندن كانت تراهن على الحقبة السابقة. والمثال البريطاني الثاني كان داخليا فبعد تسويف وتردد وبالتأكيد بعد الكثير من الضغط، جاء الإعلان أخيرا في لندن عن المراجعة الحكومية التي طلبها رئيس الوزراء السابق “ديفيد كاميرون”، التي تضع أنشطة الإخوان تحت المجهر الأمني خشية وجود أي صلة لها بالتطرف العنيف. لكن النظرة البريطانية الأمنية المتفحصة لم تغير من واقع الحال، فبريطانيا كانت ولا تزال الواحة الآمنة التي تؤوي الجماعة منذ أكثر من ستة عقود، بل أصدرت حكومة “تريزا ماي” أغسطس الماضي قرارا يتيح لأعضاء التنظيم، ممن اعتبرتهم غير متورطين في أعمال عنف حق الحصول على اللجوء السياسي، على الرغم من الأصوات العديدة التي خرجت تحذر من أن بريطانيا تدفع ثمنا كبيرا لوجود جماعات متطرفة على أراضيها، ووجود شركات ومكاتب أيضا تعمل داخل بريطانيا لصالح الإخوان تروج للعنف، وتنشر التشدد والتطرف من داخل المساجد المنتشرة في المدن البريطانية (خالد مسعود نموذجا)، النظر إلى الإجراءات الاستخباراتية والأمنية البريطانية نجدها محكمة وليست ضعيفة بالمرة، لكن يظل السبب وراء تلك الاختراقات هو وجود ما يشبه الصفقة ما بين الإخوان والحكومات البريطانية المتعاقبة، حيث يبدو للمتابعين أن كلمة الاستخبارات البريطانية هي المتحكم النهائي في المشهد، ويرون أن بريطانيا غير راغبة في ترويض الإخوان فهي لن تستغني عنهم بالأساس، لأنهم باختصار ورقة مهمة في يدها تضغط بها وتناور جميع الأنظمة التي تريد إخضاعها لهيمنتها، وأقصى ما يمكن أن تفعله هو إعلان بعض المعايير لقبول اللاجئين السياسيين من التيار المتطرف لا أكثر؛ لكن في حال تمسكها بتلك المحددات وذات المراهنة عليها في المقابل أن تتحمل التبعات ويبقى مواطنوها وشوارعها تحت التهديد.