رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


خبراء علم الاجتماع السياسى:الأغنياء .. متهربون من واجبهم الوطنى

29-3-2017 | 13:10


تقرير: شيرين صبحى وسلوى عبد الرحمن

لا يرد رجال الأعمال فى مصر الجميل إلى وطنهم. يراكمون الثروات فى جيوبهم وبطونهم، وبيوتهم. يتربحون فقط. يهربون من مسئولياتهم الاجتماعية. الفقراء فقط، وأبناء بقايا الطبقة الوسطى المتهدمة فى البلد، هم من يدفعون الثمن، ويتحملون فاتورة البناء. السؤال المباشر هنا: لماذا يتهرب رجال الأعمال من دورهم على عكس نظرائهم فى أغلب بلدان العالم؟.

فى هذا التقرير نستطلع آراء خبراء علم الاجتماع، فى محاولة للإجابة عن السؤال الصعب. الدكتورة سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع السياسى جامعة عين شمس، تقول إن الحكومة تتعامل مع الفقر بسياسة الأمر الواقع»، مضيفة أن «الطبقة الوسطى تلاشت، ومع كل أزمة اقتصادية تظهر فئة جديدة من الفقراء تضاف على التى قبلها.

وتوضح «بدأ الانشطار الطبقى فى مصر ما بين غنى وفقير مع بداية سبعينيات القرن الماضى مع سياسة الانفتاح الاقتصادي، وزادت معدلاتها ووتيرتها فى ثمانينيات القرن العشرين مع سياسات جديدة انتهجتها الدولة تسمى بالتكيف الهيكلى أو الإصلاح الاقتصادي، بدأ معها دخول فئات كثيرة تدخل فى هامش الفقراء، منها على سبيل المثال التخلى عن تعيين الخريجين فاصبحوا يعملون فى القطاعات غير الرسمية، وإلغاء الدعم عن كثير من السلع، ومع تسعينيات القرن العشرين والثقافة الاستهلاكية ودخول العولمة وآليات السوق، وفكرة أن من يدخل سوق العمل هو المؤهل والمدرب، تراجعت فئات كثيرة من المجتمع بسبب عدم تأهيلها وعدم تمكينها لدخول هذا السوق، ومع كل أزمة اقتصادية تظهر فئة جديدة من الفقراء تضاف إلى التى قبلها.. وملخص ذلك هو أن الفقر يعود إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة.

وتستطرد أن «القيم والأخلاق تلعبان دورا مهما فى إصلاح أى مجتمع، فإذا غابت هذه القيم سيكون لها تداعيات على الأغنياء والفقراء ومن اغتنوا ومن افتقرو، ويتجلى ذلك فى استغلال بعض الفئات الذين اغتنوا عن طرق غير مشروعة، أو «شبع بعد جوع» لهذه الشريحة الكبيرة من الفقراء، فبعد أن كان ينظر لهذه الشريحة باعتبارها مشكلة اجتماعية يجب مساعدتها والإحسان إليهم، صار النظر إليها باعتبارها مسألة اجتماعية اقتصادية تستهدف تحقيق استغلال أفضل لطاقات الفقراء عن طريق رفع إنتاجية الفقراء تتحسن دخولهم وطرق معيشتهم، وفى نفس الوقت يتعزز النمو الاقتصادى وتتحقق عدالة أكبر فى التوزيع.

وتذهب «قدري» إلى أن أكبر دليل على أن الشعب المصرى لديه ثقافة «وضع الفلوس تحت البلاطة» هو مشروع قناة السويس عندما ناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى الشعب، وجدنا بالفعل الأموال خرجت من تحت البلاطة، وهذا لا يدل على الفقر أو الغنى، لكن نحن كشعب لدينا ثقافة الزمن والقرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود، وثقافة التكنيز واستثمار المال، وأيضًا الصرف فى المناسبات والأعياد ببذخ، فمصر شعبها لديه ما يكفيه ولديه ثقافة التحايل على المعايش، التى ينفرد بها دون الشعوب الأخرى، بأن يُشبع احتياجاته بكل طرق التحايل، فمن الممكن أن نجد الحكومة مفلسة، لكن الشعب لم يفلس لذلك لم نشعر بأزمات اقتصادية أو مجاعات ككثير من الدول، رغم أن القاهرة وحدها بها أكثر من ١٠٠ مجتمع عشوائي، يسكنه أكثر من ستة ملايين شخص، مما يشير إلى وجود خلل اقتصادى واجتماعى واضح.. ومنذ أن ظهرت سياسة الانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٤ ثم تبنى سياسات التكيف الهيكلى فى ١٩٩١ تضاعف معدل الفقر فى الأرياف وزاد فى المدن بمعدل مرة ونصف، كما تم تصنيف نصف القاهرة والجيزة تقريبا إما كمناطق فقيرة أو مدقعة الفقر أوائل التسعينيات، مما أدى إلى تخفيض معدل استهلاكهم والعمل ساعات أطول، ودفع المرأة والأطفال لسوق العمل وشراء أطعمة ذات نوعية رديئة وتقليل عدد الوجبات وغيرها من آليات وسبل يستخدمها المصريون للتكيف.

الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي، يُرجع اختلاف تصرف وسلوك الطبقة البرجوازية، إلى أن «البرجوازية التى تكونت فى أوروبا أحدثت تغييرات فى شكل الحياة، حيث كانت حركتها نتاج تحولات كبيرة فى البنية الاجتماعية والفكرية والاقتصادية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فكانت لديهم رسالة نحو قيام النهضة والعمل على تغيير المجتمع، والشعور بالمسئولية تجاه البلاد التى نشأوا فيها. أما البرجوازية المصرية فكونت رأسمالها من مضاربات والحصول على الأرباح من أعمال غير منتجة مثل الاستيراد والتصدير، وعدم المشاركة فى الصناعة بل الاكتفاء بتجميع ما صنعته الدول الأخرى وإعادة طرحه فى الأسواق، وكل هذه الأمور لا تعمل على تراكم الثروة فى الداخل».

ويوضح «زايد» أن هذا الفارق الكبير فى النشأة والتطور هو ما يجعلنا لا نرى دورا لطبقة الأثرياء والأغنياء فى تنمية المجتمع والمساعدة على نهوضه».

ولا يجمع د. زايد طبقة الأغنياء ورجال الأعمال، فى سلة واحدة، بالطبع ليسوا سواء، بل مجموعات من الناس تتراوح فى درجة إخلاصها، ولا يمكن وسمهم بأنهم غير أمناء. هم مختلفون عن الأوروبيين، ليس لديهم هدف واضح، لذلك تتغلب لديهم الأهداف الشخصية الضيفة على الأهداف العامة، فالمهم هو ما يتراكم من الربح داخل جيوبهم وليس داخل المجتمع، المهم ما يتراكم داخل حساباتهم البنكية وليس ما يتراكم فى بنك الوطن.