د. عبد الحميد أباظة رئيس لجنة إعداد مسودة القانون: التأمين الصحى بوابة إصلاح المنظومة الصحية فى مصر
بقلم – الدكتور عبدالحميد أباظة
بداية السؤال الذى يتبادر فى الأذهان لماذا الآن قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل؟
والإجابة: لأن القانون السارى يغطى ٥٨٪ فقط من الشعب، والباقى غير مؤمن عليهم، وحسب دراسات عالمية أجريت مؤخرا فأن ما ينفقه المصريون من دخولهم على الرعاية الصحية يبلغ نحو ٧٢ ٪ من إجمالى الإنفاق على الصحة، كما أن القانون السارى فيه عدة مشكلات ويواجه شكاوى من خدمة ونقص التمويل، مما يؤثر على الخدمة المقدمة، بالإضافة إلى سوء حال المنظومة الصحية عموما سواء فى القطاع الخاص أو العام، وهنا لابد من رقابة حقيقية ووجود قانون يضمن جودة الأداء، والرقابة الصارمة، كما أن قانون التأمين الصحى هو البوابة الرئيسية لإصلاح المنظومة الصحية بنسبة ١٠٠٪، فهو ليس لمجرد دخول فئات جديدة، لأن لو أن هذا هو الهدف فقط كان من الممكن دخولهم فى النظام السارى، لكن الهدف هو الارتقاء بالمنظومة الصحية بصفة عامة، فنحن نضع استراتيجيات للإصلاح الصحى منذ أكثر من ٤٠ سنة لكن لا تنفذ، ويوجد قصور فى التنفيذ، ووجود القانون الجديد يلغى هذا القصور ويلزم مختلف الجهات بالاستراتيجيات الصحية، ويلازم تطبيق القانون تطوير القطاع الصحى عموما.
أصحاب المعاشات والمسنون يتخوفون من استبعادهم من مظلة التأمين الصحى عقب إقرار القانون الجديد!
عندما بدأنا فى عام ٢٠١٢ وأجرينا الدراسة الأكتوارية وقتها كانت التكلفة نحو ٩٠ مليار جنيه، وحاليا تجرى دراسة أكتوارية أخرى تنتهى خلال شهر مارس وابريل، ومن المتوقع زيادة المبلغ لنحو ١٤٠ مليار جنيه،
بالنسبة للتمويل فالمقترح فى القانون يغطى التكلفة المطلوبة، لكن إذا تمسكت وزارة المالية برفضها لبعض مصادر التمويل والرجوع للمصادر البسيطة فلن نستطيع تنفيذ القانون، والمصادر المقترحة ليس بها ضرائب جديدة، لكننا نقتطع منها جزءا يسيرا جدا نعتبره فتات يوجه لصالح قانون التأمين الصحى، منها تحديد نسبة ١٥ ٪ من سعر البيع للسجائر والتبغ بكافة أنواعه والكحوليات واللجنة متمسكة بهذا المقترح، واختيار النسبة هنا لأن القيمة تقل مع مرور السنين، بينما النسبة تظل محتفظة بقيمتها، لكن التغيير الذى تم فى هذا البند ضمن بنود بسيطة تم تغيرها فى اللجنة الوزارية بالاتفاق بين وزارة والمالية ووزارة الصحة وسجلت اللجنة اعتراضها على هذا البند، أيضا اعترضنا على اختصار مصادر التمويل، وكذلك على عدم قبول وزارة المالية مقترح الضرائب الموجهة والقول بدخول الضرائب للخزينة العامة ومن ثم صرفها التأمين الصحى، وهو أن تخصص بالكامل لصالح التأمين الصحى ضريبة أو غرامة عن ملوثات البيئة من النواتج الصناعية الملوثة والضارة من المصانع والورش دون اتخاذ الإجراءات الملزمة لها من جهة الاختصاص، والفكرة كلها أن مبدأ الضرائب الموجهة لصالح التأمين الصحى معترض عليه من وزارة المالية، وبالتالى فأن معظم مصادر التمويل المقترحة لاقت اعتراضا، ويبدو أن الأمر سينتهى بعدد مصادر تمويل بسيطة.
بالنسبة لبعض الانتقادات ومنها مسألة رفع نسبة اشتراك الأطفال من ٠.٥ ٪ إلى ٠.٧٥ ٪ كان مطلب هيئة التأمين الصحي، ويأتى هذا فى إطار ما حدث برفع قيم الخدمات عموما، وبالنسبة للجزء الثانى وربطه بالقيد فى المدرسة، فأن فلسفة هذا التوجه هو ضمان الجدية لا أكثر، وأيضا ربط دفع اشتراك التأمين بالمصالح الحكومية مثل رخص القيادة والرقم القومى وغيرها كلها لضمان الجدية والاستمرارية، وبالنسبة للقول بأن هذا سيؤدى لمزيد من التسرب من التعليم فهذا كلام مبالغ فيه.
أيضاً أصرت اللجنة على وضع النص الدستورى المحدد للإنفاق الصحى بنسبة ٣٪ من الناتج القومى الإجمالى، لكن ألغتها اللجنة الوزارية وحجتهم فى ذلك أنها منصوص عليها فى الدستور وطالما أنها مذكورة فى الدستور لا داعى لوضعها على اعتبار أن الدستور أعلى من القانون.
بالنسبة لكل هذه الانتقادات فمسودة القانون هذه مجهود مجموعة تضم ١٥ عضوا من الخبراء فى مختلف التخصصات وهى نتاج نحو ٣٥ حوارا مجتمعيا، وهذا جهد نراه محمودا، وبه العديد من الإيجابيات، لكن ما أود أن أقوله أيضا إن هذا القانون ليس قرآنا ولا كتابا منزلا، فهو قانون بشرى يمكن مناقشته وتعديله بما يحقق صالح المواطن، ولا يوجد تشدد، التشدد فقط لصالح المريض، ونتمنى أن تتوفر إرادة سياسية حقيقية لتحريك القانون، فلو لم يخرج قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل للنور بأى شكل وبأى تعديل وبأى صورة لن ينصلح حال الصحة فى مصر.
الفلسفة الأساسية لمشروع القانون هى أنه نظام إلزامى يقوم على التكافل الاجتماعى وتغطى مظلته جميع المواطنين وتتحمل الدولة أعباء غير القادرين وإلزامية النظام هى أساس استدامة التأمين الصحي، ويكون الاشتراك على إجمالى الدخل، ووحدة التأمين هى الأسرة وليس الفرد، وأرسى القانون مبدأ أساسيا وهو فصل التمويل عن تقديم الخدمة، وهذا الفصل يمثل حجر الزاوية فى إيجاد تنافس بين مقدمى الخدمة، ولتحقيق هذا المبدأ سيتم إنشاء هيئة عامة تسمى الهيئة المصرية للتأمين الصحى الاجتماعي، وهى غير هادفة للربح، وتقوم على إدراة تمويل التأمين الصحى وتكون لها شخصية اعتبارية وهيئة الرعاية الصحية وتتولى تنظيم خدمات الرعاية الصحية والعلاجية وتشمل جميع منافذ تقديم التابعة لهيئة التأمين الصحة والتابعة لوزارة الصحة والجامعية وكافة المستشفيات الحكومية، ويتم ذلك تدريجيا وفق تطبيق معايير الجودة وتظل تابعة للدولة، وتعتبر هيئة الرعاية الصحية هى أداة الدولة الرئيسية فى ضبط وتنظيم تقديم الخدمات الصحية التأمينية، كما تلتزم الدولة برفع جودة وكفاءة المنشآت الصحية التابعة لها تدريجيا قبل البدء فى تطبيق النظام فى المحافظة المقرر البدء فيها حتى تحصل على الاعتماد، بالإضافة إلى الهيئة المصرية للجودة، واعتماد المنشآت الصحية مختص بوضع معايير الجودة واعتماد تطبيقها على منشآت تقديم الرعاية الصحية والتى تهدف ضمان جودة الخدمة الصحية المقدمة والتحسين المستمر لها.
الهدف هو أن يغطى القانون الجديد جميع المواطنين فى مراحل حياتهم مع تكفل الدولة بأعبائه المالية عن غير القادرين، ويوفر النظام حماية للمؤمن عليهم من جميع الأمراض، وأُعد القانون ليحل تدريجيا محل قوانين التأمين الصحى المعمول بها حاليا، كما أن القانون الجديد يعالج سلبيات القانون السارى حيث يتبنى تغطية جميع المواطنين تحت مظلة التامين الصحى الاجتماعى الشامل مع تكفل الدولة بغير القادرين لتحقيق التكافل الاجتماعى، فالنظام السارى لا يغطى جميع فئات المجتمع وخاصة العمالة الموسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى فصل تمويل نظام التأمين الصحى عن تقديم الخدمة الصحية وتطبيق نظام رقابى محايد على جودة الخدمة المقدمة، أيضا إتاحة حرية المؤمن عليه فى الاختيار بين أى من مقدمى الخدمة سواء القطاع الحكومى أو غير الحكومى المدرجين فى المنظومة، مع ضمان استدامة التمويل عن طريق مراجعة المركز المالى والأكتوراى لممول الخدمة بشكل دورى من قبل جهة مستقلة، وإرجاء أية تعديلات لازمة لضمان استدامة التمويل، وأيضا زيادة خروج المشتركين ذوى الدخول المرتفعة مما يؤثر سلبا على النظام، وهذا تمت معالجته فى القانون الجديد فمن خرج من النظام السارى سيتحتم عليه العودة للنظام، والإلزام هنا يهدف لضمان استدامة المالية للتمويل ولتحقيق مبدأ التكافل بعدم السماح للقادرين ذوى الصحة الجيدة والدخول المرتفعة بترك النظام، كما أن عدم الرضا عن مستوى جودة الخدمة الطبية المقدمة أدى إلى توجه شريحة كبيرة من المواطنين للقطاع الخاص.
بالنسبة للتطبيق فيعتمد على التدرج الجغرافى والزمنى، والتدرج هنا لعدة أسباب، منها اختبار كفاءة النظام الجديد فى قدرته على تقديم الخدمة بشكل جيد، وإتاحة الفرصة لرفع كفاءة الخدمات الصحية بجهات التطبيق، وضمان استكمال البنية الأساسية بالمحافظات التى يتقرر بدء التطبيق بها، واستكمال نظم المعلومات الجارى بناؤها، كما أن الأمر يتطلب تهيئة المحافظة للدخول إلى النظام، وإعادة الهيكلة لجميع مكونات النظام، مما يتطلب التركيز فى بعض المناطق والانتهاء منها ثم الانتقال إلى أخرى، كما أنه قد تظهر بعض المشاكل غير المتوقعة والتى تستدعى إيجاد حلول سريعة لها قبل التعميم على مستوى الجمهورية، ومقترح مدة ما بين ٦ سنوات إلى ١٠ سنوات لتطبيق النظام فى جميع المحافظات وتعتمد المدة على الإرادة السياسية والمجتمعية والتنفيذية لمدى الإسراع وتوفير التمويل اللازم.