مقابر اليهود بالبساتين .. "قمامة وكلاب ضالة"
ربما لا يدرك كثير من المصريين أنه توجد مقابر لليهود داخل مصر تمتد على مساحات واسعة من منطقة البساتين الواقعة فى الجهة الشرقية للقاهرة، والتى يعتبرها اليهود ثانى أقدم مقابر يهودية فى العالم بعد جبل الزيتون بالقدس، وتضم رفات اليهود المقيمين بمصر قبل هجرتهم الجماعية منها عقب مشاركة إسرائيل فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.
إلا أنه طغى عليها الآن سكان عزبة النصر بذات المنطقة، وشيدوا بيوتهم وورش الرخام عليها، واستولى عليها جامعوا الروبابيكيا، وقام الأهالى بتفريغ الصرف الصحى فيها فنمت بها الأشجار بكثافة وسكنتها الكلاب الضالة ومتعاطى المخدرات وحقن الماكس، وتتم بها صفقات بيع الأسلحة غير المرخصة، وتُمارس فيها الرذيلة والأعمال المنافية للآداب ، وانتشرت بها القمامة، وذلك بحسب رواية وشهود أهالى المنطقة لـ"الهلال اليوم" .
وقال محمد التربي، المكلف من كارمن وينشتاين رئيس الطائفة اليهودية بمصر سابقا، إن "الجزء المتبقى من مقابر اليهود يمثل 30 % من المقابر التى كانت موجودة حيث قام الأهالى الوافدين من خارج القاهرة بالإقامة بها، ومع الوقت تغيرت معالمها وامتدت حولها المبانى العشوائية من جامعى الروبابيكيا وورش الرخام بالإضافة إلى مناطق شاسعة تم إقامة عمائر عليها".
وتابع " الصرف الصحى فى المنطقة تم تنفيذه بشكل خاطئ ودائما الأهالى يقوموا بتوزيع الصرف على مقابر اليهود حتى نمت بها الأشجار الكثيفة وسكنتها الكلاب ومتعاطى المخدرات ليلاً ويستخدمونها فى أعمال الرذيلة".
وقامت "الهلال اليوم" باستطلاع آراء أهالى المنطقة الذين أقروا بقيامهم بتوزيع الصرف الصحى عليها ووجود أعمال مخالفة للآداب داخلها بالإضافة إلى تعاطى المخدرات وبيع الأسلحة غير المرخصة فيها، ولفتوا إلى قيام محمد التربى المكلف بحراسة المقابر بتمكين بائعوا الروبابيكيا وورش الرخام وبعض الأهالى من السطو على المقابر والبناء عليها مقابل مبالغ مالية، خاصة بعد مرض ووفاة كارمن وينشتاين رئيس الطائفة اليهودية التى كانت ترعى المقابر وتوليها اهتماما خاص.
وكانت الجالية اليهودية فى مصر قد أقرت بأن مقابر البساتين كانت بتبرع من أحمد بن طولون فى القرن التاسع، عندما كانت جزءا من الصحراء، وفى عام 1978 أطلقت كارمن وينشتاين رئيس الطائفة اليهودية فى القاهرة سابقا نداءً لليهود فى العالم، خلال وسائل الإعلام، من أجل إنقاذ مقابرهم وبالفعل استجاب اليهود فى فرنسا من خلال جمعية المحافظة على التراث والتى تضم فى عضويتها يهود مصريين وأرسلوا أموالا من أجل بناء سور حول المقابر بالإضافة إلى تعيين 3 حراس لمقابرهم، إلا أن هذا السور حاليا تم هدم أجزاء منه وزحف الأهالى مجددا على المقابر.
ومن أهم الشخصيات التى تأثر بها اليهود ودُفن فى مقابر البساتين، "أبو حصيرة"، وهو حاخام يهودي، توفى عام 1880، فى قرية "دميتوه" التابعة لدمنهور بمحافظة البحيرة، والذى يعتقد عدد من اليهود أنه شخصية مباركة، ويحتفل اليهود بمولده فى 26 من ديسمبر، وتستمر طقوس الاحتفالات حتى الثانى من يناير من كل عام ، ويزوره عدد من السائحين اليهود من إسرائيل، والدول الغربية سنويا، وذلك قبل قرار منع إقامة المولد من قبل السلطات المصرية.
وتدور الرواية حول حاخام يهودى صاحب كرامات، من أصل مغربي، استقل مركبا لزيارة الأماكن المقدسة اليهودية فى فلسطين، فغرقت فى عرض البحر المتوسط ، فما كان من صاحب الكرامات إلا افتراش حصيرته فوق مياه البحر، والإبحار بها إلى سوريا، ومنها إلى القدس، وبعدها حملته هذه الحصيرة إلى مدينة الإسكندرية، وهناك راقت له الإقامة فى شمال مصر، فاستقر فى قرية دميتوه، حتى توفى فوق حصيرته، ودفن فى ضريحه الحالي، على حد زعمهم.
ودُفن أيضا "سعيد الفيومي"، وهو من اليهود المصريين الذين كتبوا الكتاب المقدس باللغة العربية، ووضع أسس النحو العبرى، واعتبر دوليا بوصفه الشخصية اليهودية البارزة والأدبية والسياسية فى العصور الوسطى، و عائلة "موصيري" ، وكارمن وينشتاين رئيس الطائفة اليهودية بمصر سابقا، و"ستة الماسفى" من أغنى اغنياء الجالية اليهودية عام 1900، ويأتى سبب شهرتها عندما تبرعت بقطعة أرض بمنطقة العباسية للجالية اليهودية، وعقب وفاتها جمع أبناء الطائفة مبالغ كبيرة من الأموال لبناء معبد تدفن داخله بمبادرة من الحاخام طوبيا، رئيس الطائفة فى مصر فى ذلك الوقت، وبالفعل تم بناؤه عام 1925، وأطلق عليه اسم "موسى الدرعى".
كما دُفن بها "شحاتة هارون" ، وهو يهودى مصرى يسارى معارض لإسرائيل، مات عام 2001 عقب إصابته فى أواخر حياته بمرض "الزهايمر"، وعندما توفى رفضت عائلته أن يصلى عليه السفير الإسرائيلى بالقاهرة، واستأجرت حاخامًا من فرنسا، ليصلى عليه حتى لا يحضر حاخام من إسرائيل، الذى ظلّ طوال حياته يهاجم وجودها ويرفضه، ولحقت به ابنته "نادية هارون" نائب رئيس الطائفة اليهودية، وهى بنت اليسارى المصرى شحاتة هارون، وتوفيت عام 2014، وتم دفنها داخل مقابر البساتين، وشهدت مراسم جنازتها أحداث غريبة، كان أولها تأخر مراسم الجنازة خمسة أيام لتعذر حضور حاخام يهودى كى يصلى عليها قبل دفنها، بالإضافة إلى الحالة الهستيرية، من قبل شقيقتها ماجدة هارون.