تقرير: إيمان رجب
تشهد ألمانيا ثلاثة انتخابات محلية مهمة فى هذا الربيع يعتبر كل منها اختباراً مهماً للمستشارة أنجيلا ميركل ومنافسها فى انتخابات المستشارية القادمة مارتن تشولتز زعيم الحزب المسيحى الاجتماعى وتعقد أولى هذه المعارك فى الأسبوع القادم فى إقليم زار لاند وفى شهر مايو فى شليزفيج هولشتاين ثم نورد راين نيستفالين.
كل واحدة من هذه الجولات الانتخابية تعتبر مرآة للأوضاع السياسية سواء بالنسبة للسياسيين المحليين أو الانتخابات المستشارية المزمع عقدها بعد بضعة أشهر خاصة وأن استطلاعات الرأى تشير إلى ارتفاع فى أسهم الحزب المسيحى الاجتماعى بحيث يتساوى مع الحزب المسيحى الديمقراطى وفى إقليم زار لاند على سبيل المثال من المحتمل أن يتولى الحكم يميل إلى أحزاب اليسار.. وترأس الحكومة الآن السيدة اينجرات كرامب- كارينباور زعيمة الحزب المسيحى الديمقراطى فى الإقليم بائتلاف محافظ يسارى وهو الوضع الذى تأمل ميركل فى استمراره إلا أن تأثير منافسة شولتز فى انتخابات المستشارية يهدد هذا الائتلاف حيث من المتوقع أن يؤثر تعافى الحزب المسيحى الاجتماعى بحيث يصبح فكرة ائتلاف يسارى يسارى احتمالاً لا يمكن تجاهله، وهو الأمر الذى يعتبر بداية مريرة للمستشارة ميركل فى عام الانتخابات ويجعل المعركة أكثر سخونة.
نفس المشهد يتكرر فى إقليم نوردراين فيستفالين حيث يخشى الحزب المسيحى الديمقراطى من منافسة حليفه فقبل بضعة أشهر كانت استطلاعات الرأى تشير إلى تقدم مرشح الحزب المسيحى الديمقراطى أرمين لاشيت بالنسبة لرئيسة وزراء الإقليم هانيلورا كرانت إلا أن الوضع تغير بعد إعلان شولتز ترشحه لانتخابات المستشارية وتراجعت أسهم لاشيت بصورة ملحوظة ويعتبر نموذج نوردراين فيستفالين مشكلة حقيقية للحزب المسيحى الديمقراطى ففى حالة فشله فى تحقيق ائتلاف محافظ يسارى فإن مما لاشك فيه ستكون الفرص أقوى للحزب الديمقراطى الاجتماعى فى تحقيق ائتلاف أوسع يشمل أحزاب اليسار مع الخضر وفى هذه الحالة سيشكل النموذج المثالى لانتخابات المستشارية.
أما فى شليزفيج هولشتاين فيأمل حزب الخضر فى تحقيق مشاركة أكثر قوة فى الحكومة.
فى إطار المعركة الانتخابية يرغب سياسيو الحزب المسيحى الديمقراطى الحاكم فى وضع قواعد جديدة لتحديد أعداد اللاجئين.
وفقاً لمجلة دير شبيجل فإن الحزب المسيحى الديمقراطى سوف يضع قواعد صارمة تحد بصورة قاطعة من سياسة الترحيب التى بدأت عام ٢٠١٥ وأشارت المجلة إلى أن الورقة التى أعدها بيتر بويت وزير داخلية هيسين تحد من أعداد اللاجئين لأدنى مستوى وإن الوضع الذى عاشته البلاد فى خريف ٢٠١٥ لن يتكرر.
وتتضمن ورقة العمل المكونة من عشرين صفحة تكثيف تأمين الحدود والتعامل بحسم مع اللاجئين الذين يخفون أوراقهم وهويتهم ووقف المعونات المالية لفئات عديدة من اللاجئين.
وتتضمن الورقة التى تحمل عنوان “الحياة فى ألمانيا بأمن وحرية” انتقادات حادة للولايات التى تتعامل مع هذه المسألة بإجراءات رخوة.
كما طالب سياسيو الحزب باتخاذ الضغوط اللازمة على الدول الأخرى التى تتوانى عن استقبال اللاجئين وتقليل مساعدات التنمية التى تقدمها ألمانيا لهم وأيضاً الأخذ فى الاعتبار إيجاد بديل ثالث للتوطين بعيداً عن ألمانيا وأوربا فمثلاً عقد اتفاقيات مع الدول الإفريقية لاستقبال المهاجرين القادمين عبر البحر الأبيض المتوسط للاستقبال بدلاً من إيطاليا فى مراكز إقليمية وذلك على غرار الاتفاقية مع تركيا وفى هذا الشأن أجرى وزير الخارجية توماس دو مازيار عدة مباحثات فى دول شمال إفريقيا إلا أنه لم يعلن حتى الآن أى نتائج لهذه المباحثات.
وفى نفس هذا الإطار يعمل الحزب المسيحى الديمقراطى على تشديد القيود على الجنسية المزدوجة وتعديل قوانين الجنسية الحالية بحيث لا يتمتع الجيل الثالث من المهاجرين سوى بالجنسية الألمانية حيث ولد ونشأ.
وقد أثارت هذه النقطة بالذات خلافا مع تركيا بحيث يعيش فى ألمانيا نحو ثلاثة ملايين من أصول تركية سيكونون الأكثر تأثيراً بهذا القرار وزاد من حدة الخلاف الأزمة الأخيرة بين تركيا وهولندا والموقف الألمانى المؤيد لهولندا.
ولا شك أن المزاج الألمانى العام تغير بدرجة كبيرة تجاه اللاجئين حيث خسرت هذه القضية تعاطف عدة منظمات مدنية مهمة وتأييد حزب الخضر الذى كان يناصرهم ويدافع عنهم خاصة بعد أن نفخت بعض أجهزة الإعلام فى فزاعة الصراع الثقافى والعرقى وازدادت الضغوط على المستشارة ميركل حتى خضعت فى النهاية لحزمة القوانين التى تقدم بها هورست زبهوفر بشريكها فى الائتلاف المسيحى زعيم الحزب المسيحى البافارى الاجتماعى ورئيس ولاية بافاريا، فأقرت الحكومة حزمة تشريعية لتغيير قوانين اللجوء والهجرة تتضمن ترحيل طالب اللجوء فوراً حال إدانتهم فى جنح أو جرائم تحرش ووقف طلبات لم الشمل لأسر اللاجئين السوريين ورفض أى طلبات للجوء من دول المغرب العربى وقد قبلت ميركل تغيير سياسة الترحيب التى آمنت بها لتغلق أبواباً فى وجه الحالمين بحياة آمنة جديدة فى ألمانيا بعد أن ضاقت عليهم بقايا بلداتهم التى مزقتها الحروب والصراعات.
ومن الطبيعى أن تستغل الأحزاب المتصارعة فى المعركة الانتخابية فضيحة كولونيا وملف التعامل مع اللاجئين لتحقيق مكاسب وقد وجدت قوى اليمين على اختلاف أنواعها بل بعض شركاء ميركل فى الائتلاف الحاكم من الطامعين فى منصبها فرصتهم للانقضاض.
وفى كل الأحــوال فإنه مما لا شك فيه أن التاريخ سيسجل أن المستشارة أنجيلا ميركل الملقبة بالمرأة الحديدية الجديدة والتى حصلت بجدارة على لقب أقوى امرأة فى العالم والتى نجحت بجدارة فى حماية ألمانيا من تداعيات أكبر زلزال مالى واقتصادى عصف ببلدان القارة العجوز وضعت كل ماضيها ومستقبلها السياسى على المحك عندما انحازت فى موقف إنسانى فريد إلى احتضان مئات الآلاف من اللاجئين من مختلف الأعمار وفتحت أبواب ألمانيا فى صيف عام ٢٠١٥ لاستقبالهم.