رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


برمنجهام والسجون حاضنة للإرهاب فى بريطانيا

30-3-2017 | 11:03


تقرير: سناء حنفى

تفجرت الشكوك والمخاوف من أبعاد العملية الإرهابية التى تعرضت لها بريطانيا مؤخراً.. ويكثف المحققون البريطانيون جهودهم للتوصل إلى السبب الحقيقى الذى دفع خالد مسعود -٥٢سنة- لتنفيذ هذه العملية وما إذا كانت هناك صلة تربط بينه وبين أى من المنظمات الإرهابية التى شجعته على القيام بها أو أنه قام بها منفرداً فيما يعرف بالذئاب المنفردة.

مرة أخرى تكتوى بريطانيا بنيران الإرهاب بعد الهجوم الذى تعرضت له لندن والذى يعد الأسوأ منذ تفجير شبكة النقل فى يوليو عام ٢٠٠٥ حيث قاد مسعود سيارة مسرعة على جسر ويستمنستر فى أواخر الأسبوع الماضى ودهس بها عدداً من المارة ثم نزل وجرى باتجاه البرلمان وطعن شرطياً قبل أن تطلق عليه الشرطة النار وترديه قتيلاً.

وقد راح ضحية هذا الحادث نحو خمسة أشخاص وجرح نحو أربعين شخصًا فى ذكرى مرور عام على الهجوم الذى تعرض له مطار بروكسل وبعد سلسلة من العمليات الإرهابية التى تعرضت لها فرنسا وبلجيكا وألمانيا خلال عامين فقط والتى أدت إلى مقتل نحو ٢٨٠ شخصاً، وكان مرتكبو هذه الحوادث من الذئاب المنفردة، وهذا الأسلوب يمكن أن يكون له نفس التأثير السيكولوجى للهجمات الأضخم.. فالهجمات باستخدام السيارات فى مناطق عبور المشاة تحد فريد من نوعه للسلطات، لأنه من المستحيل توقعه ولا يحتاج هذا الأسلوب إلى تدريب أو استخدام مواد خاصة.

ويمكن لمن يقوم بهذه العملية استخدام سيارته أو استئجار سيارة.

وقد ذكر أحد الخبراء فى التطرف والعنف السياسى أن ما يجعل مثل هذه الهجمات مرعبة هو الأسلوب البسيط الذى تنتهجه وكانت تتبعه القاعدة قبل احتضان تنظيم الدولة له ومن الصعب مقاومته.

وتحاول الشرطة البريطانية من خلال التحقيقات معرفة الدافع وراء ارتكاب رجل متوسط العمر لا يعرف عنه أى ارتباط مع الجماعات الإرهابية لتحويل سيارته المستأجرة والسكين إلى أدوات إرهاب، بالإضافة إلى معرفة ما إذا كان اتخذ هذا التحرك منفرداً بدافع «البروباجاندا» الإعلامية أو أن آخرين شجعوه ودعموه.

ولد مسعود فى بريطانيا فى الخامس والعشرين من ديسمبر عام ١٩٦٤ فى مدينة كنت باسم أدريان راسل أجاو. ووفقًا لزميله فى الدراسة كان شخصاً لطيفاً يحب المرح ومتواضعاً للغاية يحبه كل من حوله وكان لاعباً رياضياً جيداً، كما عرف عنه أيضاً حبه للنباتات وزراعتها.

بدأ مسعود سجله الإجرامى عام ١٩٨٣ عندما أدين بتهمة التسبب فى أضرار عامة وتحول إلى العنف عام ٢٠٠٣ عندما طعن شخصاً فى وجهه بسكين فى حادنة جنوب بريطانيا وهو تحت تأثير الكحول بسبب مشاجرة قيل أنها بسبب تعليقات عنصرية، وقد قضى بسببها فترة فى الاعتقال، إلا أنه لم يحاكم فى السابق بسبب قضايا إرهاب.

ورغم أن مسعود كانت له صلات مع أشخاص يشتيه فى أن لهم اهتمامًا بالانضمام لجماعات جهادية فى الخارج إلا أنه لم يفعل ذلك قط.

وقد عمل خالد مسعود مدرساً للغة الإنجليزية فى السعودية لمدة عامين، وكانت محطته الأخيرة فى منطقة ويست ميدلاندز فى برمنجهام لم يكن معروفاً هناك.

وقد قامت المخابرات البريطانية بالتحرى عنه وذكرت سكوتلانديارد فى تقريرها أنه لم يتعرض لأى تحريات مؤخراً ولم يتهم بأى هجوم إرهابى ولم يعرف لماذا اتجه من برمنجهام إلى برايتون ماراً بلندن، وقد قطع نحو ١٨٠ ميلاً لقضاء ليلة قبل قيامه بالهجوم على العاصمة، وذكر العاملون فى الفندق والذى قضى فيه هذه الليلة أنه كان نزيلًا لطيفاً.

الغريب مع كل هذه التحريات حول شخصية خالد مسعود إلا أنه لم يعرف عنه متى تحول إلى الديانة الإسلامية، ويتوقع بعض المراقبين أنه اعتنق الإسلام فى الفترة التى سجن فيها وأنه اعتنق أيضاً نفس الأفكار التى يؤمن بها المعتقلون من أصحاب الأفكار المتطرفة: ويرى المراقبون أن السجون البريطانية أصبحت مناخاً خصباً لعمل الخلايا المتطرفة على توسيع أعدادها واستقطاب عناصر جديدة مستخدمة أساليب مختلفة من ترهيب وغسيل أدمغة. فى نفس الوقت الذى تعانى فيه الأقليات الإثنية السود والآسيويون من الانتهاكات التمييزية وعدم الحصول على المعاملة الإنسانية التى يجب أن تسود بغض النظر عن سبب الوجود فيها.

وربما كان هذا ما دفعهم للتحول إلى الإسلام الذى احتل المرتبة الثانية فى سرعة انتشاره داخل السجون، فى محاولة منهم للحصول على حمايتهم والدفاع عنهم.

وتشير التقديرات إلى أن عدد المسلمين فى بريطانيا تجاوز نحو ثلاثة ملايين لأول مرة فى مطلع العام الحالى وقد تضاعف تعدادهم خلال العقد الماضى نتيجة ارتفاع معدلات الهجرة والمواليد، ويمثل هذا العدد نحو ٪٥.٤ من سكان البلاد البالغ عددهم نحو ٦٥ مليون نسمة.

ومن جهة أخرى ألقى الحادث الإرهابى الأخير الضوء أيضاً على مدينة برمنجهام وسط إنجلترا والتى كانت المحطة الأخيرة التى أقام فيها خالد مسعود. وتصف وسائل الإعلام البريطانية هذه المدينة بأنها عاصمة الإرهاب فى البلاد، وقد صدر مؤخراً تقرير لجمعية هنرى جاكسون للأبحاث الأمنية والذى كشف أن واحداً من كل عشرة إرهابيين مدانين فى بريطانيا جاء من منطقة صغيرة فى برمنجهام، هذا على الرغم من أن عدد المسلمين البريطانيين فى برمنجهام كلها أقل كثيرًا من عددهم فى مناطق أخرى تشهد اندماج المسلمين فى المجتمع، كما بين التقرير أيضاً أن الأغلبية من هؤلاء ليسوا ذئاباً منفردة، بل ارتبطوا بشكل أو بآخر بمنظمات إرهابية وتمثل مجموعة «المهاجرين» التى يتزعمها أنجم مشودرى المرتبة الأولى.

ومع استمرار التحقيقات فى هجوم البرلمان يصعب حتى الآن معرفة دور شركاء للمهاجم الوحيد، سواء من برمنجهام أو غيرها لكن كثيراً من المحللين يرون أن بيئة ومناخ وتجمعات المتشددين فى تلك المدينة لها دور أساسى فى تطرف مسعود وغيره من الإرهابيين المدانين أو المشتبه بهم فى بريطانيا، وإن كان ما يعزز من فكرة وجود بصمات تنظيم الدولة فى هذا الحادث من وجهة نظر بعض المحللين هو تزامنها مع ذكرى تفجيرات بروكسل التى أعلنت «داعش» عن انتماء الخلية المنفذة لها، كما أن داعش تتبنى أسلوب الدهس كرد فعل على تراجع موقفها فى الموصل فى العراق والرقة فى سوريا، وربما تكون قد بدأت فى اللجوء إلى التوسع فى الهجمات الإرهابية ضد الغرب.

وتشير توقعات المحللين أن تنظيم الدولة يمكن أن يتجه إلى التمدد الإرهابى والتركيز على نشر الجانب العقائدى له على أوسع نطاق ممكن والانتقال إلى الدول الفاشلة مثل ليبيا واليمن والصومال والساحل الأفريقى كبدائل لخسارة قواعده فى سوريا والعراق مع تحينه لفرصة العودة إليهما لاحقاً، وذلك إذا اتيحت له الفرصة، والأمر الأكثر أهمية فى هجوم لندن هو تزامنه أيضاً مع الوقت الذى تستعد فيه بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوربى وما يثيره ذلك من مخاوف حرمانها من استخدام بيانات يوروبول وتعرضها للمزيد من هجمات المتطرفين، وبريطانيا أحد أكثر ثلاثة مستخدمين لبيانات يوروبول: وهى ليست عضواً فى منطقة شنجن للحدود المفتوحة. لكنها لا تزال تشارك نظراءها فى الاتحاد الأوربى المخاوف والمعلومات بشأن إسلاميين يتحولون فى الغالب إلى التشدد عبر الإنترنت ويعودون إلى بلادهم بعد تلقيهم التدريبات فى الشرق الأوسط أو أفغانستان، وقد حذر مسئولون بريطانيون من مخاطر الخروج من يوروبول ونظام أوامر الاعتقال الأوربى الذى يلزم جميع حكومات الاتحاد الأوربى بالقبض على المشتبه بهم المطلوبين فى دولة أخرى من الاتحاد.

إلا أن رئيسة الوزراء البريطانية حاولت أن تهدئ من المخاوق بتأكيدها أن قدرات بريطانيا فى مجال المخابرات فريدة من نوعها وأن مواردها العسكرية ستساعدها فى الحصول على اتفاق خروج أفضل وأن لديها بالفعل اتفاقات أمنية ثنائية مع قرينتها فى الاتحاد الأوربى فرنسا وألمانيا، وكذلك هناك اتفاق تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.