رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


زيارة ماكرون لمصر.. دفعة جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين

24-1-2019 | 09:10


للمرة الأولى منذ توليه مهام منصبه عام 2017 كرئيس للجمهورية الفرنسية، يقوم ايمانويل ماكرون بزيارة إلى مصر يوم الأحد المقبل حاملا مزيدا من التعاون والاستثمارات لمصر . 

وتكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى حيث تأتي في الوقت الذي يشهد فيه البلدان تطورا غير مسبوق في العلاقات الثنائية وذلك منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم في يونيو 2014 .

كما تتزامن الزيارة مع بداية العام الثقافي "فرنسا-مصر 2019” -والذي أطلق بقرار من رئيسي الدولتين - بمناسبة مرور 150 عاما على افتتاح قناة السويس. 

وتعد زيارة الرئيس ماكرون لمصر هي الزيارة الرئاسية السادسة بين البلدين خلال أربع سنوات؛ حيث كان الرئيس السابق فرانسوا اولاند قد حل ضيفا شرفيا خلال حفل افتتاح قناة السويس الجديدة عام 2015 قبل أن يقوم بزيارة رسمية لمصر عام 2016؛ بينما زار الرئيس عبد الفتاح السيسي باريس عامي 2014 و 2017 ، فضلا عن مشاركته عام 2015 بقمة المناخ بباريس ممثلا للقارة الأفريقية ؛ بالإضافة إلى لقاء جمع بين رئيسي الدولتين بنيويورك على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014.

كما شهد البلدان خلال الأربع سنوات الماضية نحو 11 زيارة متبادلة بين وزراء الخارجية، وزيارتين متبادلتين على مستوى رئاسة الوزراء، بالإضافة إلى عشرات الزيارات للمسئولين ووزراء الدفاع والاقتصاد والمالية والتعليم والثقافة والفرانكفونية والتجارة والسياحة في كلا البلدين. 

ومما لا شك أن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي الثاقبة والحكيمة إزاء كيفية حل أزمات الشرق الأوسط وأفريقيا قد أسهمت بفاعلية في تطور الشراكة الاستراتيجية بين باريس والقاهرة، وذلك بجانب الجهود المكثفة لوزير الخارجية سامح شكري في توطيد العلاقات الثنائية ومواصلة الحوار السياسي المنتظم بين الجانبين.. كما أن لمصر بعثة دبلوماسية كبيرة بفرنسا يترأسها السفير إيهاب بدوي سفير مصر بفرنسا ومندوبها الدائم لدى منظمة اليونسكو، و كان لهذه البعثة دور كبير في تنسيق العمل المشترك وفي الارتقاء بمستوى العلاقات المصرية - الفرنسية إلى درجة التميز والخصوصية.

وتتفق كل من مصر وفرنسا في الرؤى والأهداف تجاه عدد من التحديات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والأزمة الليبية والوضع في سوريا ومنطقة الساحل والصحراء، والهجرة غير الشرعية وعملية السلام في الشرق الأوسط وتنمية القارة الأفريقية، فضلا عن التعاون الوثيق في مختلف المجالات.

وعن زيارة ماكرون، يقول الخبير الأمني الدكتور خالد عكاشة رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية - في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن زيارة رئيس دولة فرنسا لمصر دائما ما يكون لها قدر عال من الأهمية في كلا البلدين، موضحا أن لقاء القيادة السياسية المصرية مع نظيرتها الفرنسية قد اتخذ منذ العام 2014 شكلا متطورا من درجات الأهمية ، فضلا عن حجم التعاون الذي أصبح على قدر عال جدا من التنسيق في كثير من الملفات.

واعتبر الخبير الأمني أن حرص الرئيس ماكرون على القدوم إلى مصر وإتمام الزيارة ولقاء الرئيس السيسي في هذا الموعد على وجه التحديد أي وسط ما تمر به فرنسا من اضطرابات يتابعها العالم يدل على أهمية الملفات المشتركة التي تعمل عليها كل من الدولة المصرية والفرنسية، مضيفا أن هناك الكثير لدى الرئيس الفرنسي للتباحث فيه مع الجانب المصري والاستماع إلى رأي القيادة المصرية إزاء عدد من القضايا.

وأوضح الدكتور خالد عكاشة أن من بين الملفات الملحة ذات الاهتمام المشترك التي تضفي أهمية خاصة على زيارة ماكرون لمصر هي رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، مذكرا بان "الرئيس ماكرون قد قال وهو يعلن عن هذه الزيارة أنها تأتي تزامنا مع تولي مصر لرئاسة الاتحاد الأفريقي".

ولفت الخبير الأمني إلى أن فرنسا لديها اهتمام كبير بالقارة السمراء لاسيما أن بها عددا كبيرا مما يطلق عليهم "الدول الفرانكوفونية" ، وكذلك لديها مصالح كبيرة وممتدة في أكثر من دولة أفريقية وهذا يجعلها لديها الرغبة والطموح بل ربما تراهن أيضا على أن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي ستحمل نقلة حقيقة كبيرة للقارة وللكثير من ملفاتها المعقدة والمتشابكة.

وأضاف إن عملية السلام في الشرق الأوسط ستكون كذلك إحدى القضايا الهامة في المباحثات بين البلدين، موضحا أن فرنسا تنسق مع الجانب المصري منذ سنوات في عملية السلام ما بين فلسطين وإسرائيل، وأن المواقف متقاربة لحد كبير، وأنه بين حين وآخر تستمع فرنسا بإنصات شديد للتقديرات المصرية حول مسارات هذا الملف على وجه التحديد و تثمن الجهود المصرية في هذا الشأن. 

وتابع: إن قضية الهجرة غير الشرعية ستكون كذلك محل بحث خلال هذه الزيارة، مشيرا إلى أن هناك درجة عالية من الإشادة بجهود الدولة المصرية في مكافحة هذه الظاهرة ذات الطابع الإقليمي والدولي. وأضاف أن قضية الهجرة غير الشرعية تحتل مساحة اهتمام كبيرة للدول الأوروبية خاصة دول جنوب أوروبا أو شمال المتوسط ؛ وفرنسا من أكثر هذه الدول تأثرا بهذه القضية ولذلك فهي تنسق العمل على هذا الملف مع الجانب المصري بشكل كبير. 

وقال إن فرنسا تثمن الجهود المصرية التي بذلت في هذا الشأن خلال الثلاثة أعوام الماضية والذي كانت نتائجها تقليص ظاهرة الهجرة إلى أدنى مستوياتها بل وتم منعها من مصر تماما بنسبة صفر في المائة.

وأوضح أن باريس تنسق أيضا مع القاهرة للعمل على نقاط الضعف الأخرى ومنها الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب ، وتولي اهتماما كبيرا لهذين الملفين ولديها قوات لمكافحة الإرهاب في أكثر من دولة أفريقية خاصة في دول الساحل والصحراء ، وهذه الدول ستكون محل رعاية مصر أثناء رئاستها للاتحاد الأفريقي. 

وتابع إن هناك شراكات بين مصر وفرنسا ستنسج خيوطها خلال زيارة الرئيس ماكرون للقاهرة في مجال مكافحة الإرهاب بمنطقة هي المرشحة في الفترة القادمة لكي تكون المنطقة التي تشهد تنامي للظاهرة الإرهابية أو معاودة لظهور التنظيمات الإرهابية في دول الساحل والصحراء خاصة بعد انحصارها في سوريا والعراق. 

ولفت الخبير الأمني إلى أن هذه المنطقة تاريخيا تمتلك فرنسا فيها مشروعات كبيرة ولها ارتباطات مع الدول الموجودة في هذا الحزام أسفل الدول العربية وشمال الدول الأفريقية، معربا عن اعتقاده بأن ملف مكافحة الإرهاب لاسيما في أفريقيا سيكون على رأس الملفات الهامة الذي سيتم التباحث فيها ما بين الرئيس المصري والرئيس الفرنسي. 

من جانبه، قال السفير منير زهران رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية - في تصريحات له - إن مصر وفرنسا تربطهما علاقات طويلة وقديمة وكذلك مصالح مشتركة ، وقد أخذت هذه العلاقة في التطور إلى أن وصلت اليوم إلى مرحلة الازدهار في مختلف المجلات.

ففي مجال الأمن والدفاع ، نظرا لكون مصر شريكًا أساسيًا لفرنسا في مكافحة الإرهاب - حيث عاني البلدان منه - فقد شهد هذا المجال تعاونا وثيقا بين البلدين، وذكر السفير زهران أن مصر أبرمت مع فرنسا العديد من الصفقات العسكرية خلال السنوات الأربع الماضية تشمل توريد طرّادات وفرقاطة متعددة المهام وقذائف، و أربع وعشرين طائرة رافال، وكذلك سفينتي القيادة والانتشار من طراز مسترال اللتين كانتا مخصصتين لروسيا، و وسائل للاتصالات العسكرية ، فضلا عن التعاون في صيانة المعدات العسكرية والتدريبات المشتركة .

وفيما يتعلق بالتعليم والثقافة، لفت السفير منير زهران إلى وجود العديد من المدارس الفرانكوفونية بمصر وعدد من أقسام اللغة الفرنسية بالجامعات المصرية ، بالإضافة إلى الجامعة الفرنسية بمصر. وأعاد إلي الأذهان في هذا الصدد البعثات العلمية و الدراسية للمصريين إلى فرنسا منذ عهد محمد علي و المستمرة حتى يومنا هذا، كاشفا عن أنه كان من ضمن المستفيدين من هذه البعثات حيث حصل على الدكتوراه من جامعة باريس؛ كما يتواجد بالقاهرة والإسكندرية المعهد الفرنسي الذي يقوم بتنسيق التعاون والنشاط الثقافي لفرنسا في مصر ويقدم برامج تعليمية و ينظم الفعاليات الثقافية.

وشدد على أن هناك رابطا تاريخيا بين البلدين، مشيرا في هذا الصدد إلى كتاب "وصف مصر" الذي تركته الحملة الفرنسية والذي يعد من أدق الكتب التي كتبت عن مصر وتاريخها وحضارتها وتوجد منه نسخ في العديد من مكتبات العالم، فضلا عن اكتشاف شامبليون لحجر رشيد الذي فك الرموز الخاصة باللغة الهيروغليفية.

وفيما يتعلق بالتجارة والاقتصاد، فأكد السفير منير زهران ان العلاقات التجارية بين البلدين قد شهدت تطورا ملحوظا لاسيما في السنوات الأخيرة ؛ كما أن فرنسا تعد شريكا اقتصاديا من الدرجة الاولى حيث تأتي في المراتب الأولى لقائمة المستثمرين في مصر ولديها الكثير من الاستثمارات في القطاعات الواعدة في الاقتصاد المصري مثل الصناعة والصناعة الزراعية والأجهزة الكهربائية والصيدلة و المحروقات والسياحة والبنية التحتية ، و تساهم كذلك في مشروعات التنمية الاقتصادية.

وبحسب بيانات الخارجية الفرنسية (نقلا عن الجمارك)، فقد سجّلت المبادلات التجارية بين فرنسا ومصر زيادة بنسبة 21،8 في المئة في عام 2017 لتبلغ 2،5 مليار يورو.

وقال السفير زهران إن زيارة الرئيس ماكرون للقاهرة تأتي في الوقت الذي تنطلق فيه مصر في الإصلاح الاقتصادي، متوقعا أن تحمل هذه الزيارة مزيدا من الدفع للعلاقات الاقتصادية والتجارية، و أن يكون لفرنسا مشروعات هامة بالمنطقة الاقتصادية العالمية لقناة السويس.

وأشار السفير إلي أن أول خطوط مشروع مترو الأنفاق في مصر تعاقد عليها الرئيس الراحل أنور السادات في السبعينيات مع الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان ؛ ثم استمرت العلاقات الطيبة مع فرانسوا ميتران ومن بعده چاك شيراك و نيكولا ساركوزي، وصولا الى العلاقات المتميزة في عهد فرانسوا اولاند وإيمانويل ماكرون لنشهد اليوم سادس زيارة رئاسية بين البلدين خلال أربع سنوات.

ولفت رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية كذلك الى تعاون البلدين في منطقة البحر المتوسط والذي يعد نموذجا للتعاون في هذه المنطقة التي تهم البلدين.

وأشار إلى التشاور و التنسيق الدائم بين البلدين الصديقين في مختلف المحافل الدولية وإلى قدرتهما على تحقيق الكثير إقليميا و دوليا لا سيما و أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن وكذلك عضو هام ونشيط في الاتحاد الأوروبي بينما تعد مصر دولة رائدة عربيا وأفريقيا و تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال عام 2019 .

وقد اجمع المراقبون على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين مصر وفرنسا لاسيما فى ضوء التحديات الجسيمة التى تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية ؛ وما يستطيعان القيام به معا بما يحقق مصالح الطرفين ويسهم فى إرساء قواعد السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والعالم أجمع.