ورأى راخمن – في مقاله بصحيفة الفاينانشيال تايمز- أننا لا نزال في البواكير، لكن يبدو أن مؤرخي المستقبل سيعتبرون أحداث عام 2016 بمثابة تكريز لبداية حقبة جديدة من التاريخ الدولي يمكن أن تستمر زمنا طويلا – 30 عاما في المتوسط، على نحو كفيل بأن يزيد من تأزُّم الليبراليين.

ونبه الكاتب إلى أنه ومنذ التصويت لبريكست وصعود ترامب والحركة الشعبوية العالمية تكتسب زخمًا؛ وإذا كانت حقيقة احتقار معظم المؤسسات ووسائل الإعلام الغربية يمكن أن تقلل من وضوح هذا الزخم، إلا أن الرئيس ترامب يحظى بالكثير من المعجبين الذين يدير بعضهم حكومات حول العالم.

وإذا كانت حالة الفزع التي صاحبت بريكست تعني أن عددا قليلا من الأحزاب الشعبوية الأخرى في أوروبا يدفع صوب الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن التوجه المناوئ للمؤسسات -الذي أوجد بريكست بالأساس- لا يزال يكتسب زخما في أوروبا؛ وقد جعل هذا التوجه يُعبر عن نفسه في صور مختلفة: من حركة السترات الصفراء في فرنسا إلى صعود حزب البديل من أجل ألمانيا.

ورأى صاحب المقال أنه وبحسب التاريخ، فإن "الحقبة الشعبوية" إذا ما أظهرت ثباتًا، فقد تستمر ثلاثة عقود على غرار حقبة "الثلاثين المجيدة" التي امتدت في الفترة بين 1945 إلى 1975 والتي شهدت نموا اقتصاديا قويا في أنحاء الغرب حتى انحسرت، وحقبة "الليبراليين الجُدد" الممتدة من 1978 إلى 2008 والتي شهدت صعود دينج شياوبينج في الصين وتدشين سياسة إصلاح وانفتاح قائمة على السوق، فضلا عن بداية تصدّع الحائط الشيوعي في أوروبا مع تشكّل "حركة تضامُن" في بولندا، إلى أنْ انحسرت تلك الحقبة بالأزمة المالية العالمية عام 2008.

ولفت الكاتب إلى أن السنوات القلائل الواقعة بين نهاية حقبة وبداية أخرى عادة ما تتدثر بحالة من عدم اليقين وظهور حركة أيديولوجية جديدة؛ وهذا ما حدث عام 2016 بانتخاب ترامب والتصويت لصالح بريكست.

لكن لماذا ينبغي أن تستمر الدورات في التاريخ الحديث 30 عاما؟ ثمة تفسير محتمل هو أن الأيديولوجيات والحركات السياسية الناجحة الناجمة عنها تدور في حلقة من المحاكاة المعقوبة بالمغالاة.

وأوضح صاحب المقال بأنه إذا ما صادفت حركات جديدة أو ساسة جُدد قدرًا من النجاح، فإنها تحظى بمقلدين حول العالم، ويخلق هذا النوع من الزخم الأيديولوجي طلبا على الأفكار الأصلية التي انبثقت عنها الحركة من أجل الإمعان فيها وتسريع وتيرتها، وهذا بدوره يقود إلى مرحلة المغالاة وتجاوز الحد الذي يحمل في طياته عوامل نهاية الحقبة التاريخية.

ورأى راخمن أن حقيقة محاكاة أحزاب شعبوية وقومية حول العالم لأيديولوجية ترامب إنما توحي بأن مرحلة المحاكاة جارية على قدم وساق؛ فلقد باتت من قبيل الممارسة المعيارية لدى ساسة من أمثال فكتور أوربان في المجر أو سالفيني في إيطاليا أو بولسونارو في البرازيل أن يقلدوا نموذج ترامب في إدانة العولمة واتهام الإعلام بنشر أخبار كاذبة وازدراء منظمات دولية تحاول معالجة مشكلات كالتغير المناخي أو إعادة توطين اللاجئين.

ورأى الكاتب أن الانتشار السريع لهذا الأسلوب السياسي الجديد يمكن أن يكون مجرد بداية لحقبة جديدة قد تستمر عقودًا.