«الأخوة الإنسانية».. وثيقة جديدة تتوج سلسلة وثائق الأزهر التاريخية
"لتكون وثيقتنا رمزا للعناق بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وبين كل من يؤمن بأن الله خلقنا لنتعارف ونتعاون ونتعايش كإخوة متحابين".. بهذه الكلمات شهد العالم مساء أمس الرابع من فبراير 2019 حدثًا تاريخيًا لا يصنعه إلا رجال مؤمنون بالعدل والرحمة والتسامح كلغة نفتقدها في مجتمعاتنا المعاصرة.
فعلى أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وقع فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، "وثيقة الأخوة الإنسانية"، الوثيقة الأهم في العلاقة بين الإسلام والمسيحية، وكأنهما يرسمان للعالم خارطة طريق نحو عالم ملئ بالتسامح والمحبة والإخاء، بعيدًا عن الحروب والنزعات والكراهية البغيضة وأعمال العنف والإرهاب المروعة.
ولم تأت هذه الوثيقة، التي كانت نتاج جهد مشترك وعمل مخلص استمر لأكثر من عام ونصف العام بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس، من فراغ، فهي تتوج سلسلة من الوثائق التاريخية التي أصدرها الأزهر الشريف في السنوات الثماني الأخيرة، حيث اعتمد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، منذ وصوله لمشيخة الأزهر في مارس 2010، نهجا يقوم على الحوار وفتح الباب للنقاش مع كل الأطياف والتوجهات الوطنية والفكرية، وهو ما نتج عنه سلسلة من الوثائق التاريخية، التي تعكس نهج الأزهر الشريف القائم على الوسطية والاعتدال، وتبلور موقفه تجاه عدة قضايا وملفات محورية، ومن أبرز هذه الوثائق:
- "وثيقة مستقبل مصر": صدرت هذه الوثيقة في 17 رجب 1432هـ الموافق 19 يونيو 2011م.
وأكدت الوثيقة على دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، ووضعت كل الأطر الناظمة لتكوين دولة ديمقراطية حديثة من خلال الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، واحترام الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وتأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، واعتبار التعليم والبحث العلمي قاطرة التقدم الحضاري في مصر. بالإضافة إلى إعادة بناء علاقات مصر بمحيطها العربي والإسلامي والأفريقي والعالمي، ومناصرة الحق الفلسطيني، وتأييدُ مشروع استقلال مؤسسة الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء.
- "بيان إرادة الشعوب العربية": إيمانًا من الأزهر الشريف بحق الشعوب العربية في العيش بسلام وحرمة الدماء، أصدر الإمام الأكبر هذه الوثيقة في 3 من ذي الحجه سنة 1432هـ الموافق 30 أكتوبر 2011م. وجاءت الوثيقة في ستةِ مبادئَ كبرى، وأعلنت المناصرةَ التّامة لإرادة الشعوب العربية، واعتبرت أن المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي حق أصيل للشعوب، ونفت صفة "البغي" عن المعارضينَ الوطنيينَ "السلميين"، وعارضت القهرَ والفسادَ والظلمَ.
- "وثيقة القدس": صدرت هذه الوثيقة، نوفمبر 2011، في إطار الاهتمام البالغ الذي يوليه الأزهر الشريف بالقضية الفلسطينية وتزامنًا مع تصاعد وتيرة التهويد الصهيوني لمدينة القدس الشريف، وهي تؤكد على عروبة القدس التي تضرب في أعماق التاريخ لأكثر من ستين قرنًا، وساقت الوثيقة الأحداث التاريخية التي تبرهن على عروبة مدينة القدس، كما كررت رفض الأزهر الشريف وكافة المسلمين مشروعات الكيان الصهيوني التي تهدف إلى تهويد القدس وطمس هويتها العربية.
- "وثيقة منظومة الحريات الأساسية": أصدر الأزهر الشريف تلك الوثيقة، في يناير 2012، لتكون بمثابة نص مرجعي يسهم في حماية الحريات الأساسيٍة، إذ تضمنت التأصيل الشرعي والفلسفي والدستوري لحرية العقيدة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، فضلا عن حرية الإبداع الأدبي والفني.
- "وثيقة الأزهر لنبذ العنف": جاءت هذه الوثيقة حرصًا من الأزهر الشريف على وأد أسباب الفرقة والانقسام بين أبناء الشعب المصري، وصدرت في 19 ربيع أول ســـنة 1434 ﻫ الموافـق 31 يناير سـنة 2013م. وجاءت الوثيقة في 10 بنود رئيسية، أكدت على حقُّ الإنسان في الحياةِ، وشددت على حُرمَةِ الدِّماءِ والمُمتَلكاتِ الوَطَنيَّةِ العامَّةِ والخاصَّةِ، وواجبِ الدولةِ ومُؤسَّساتِها الأمنيَّةِ في حِمايةِ أمنِ المواطنينَ وسَلامتِهم وصِيانةِ حُقوقِهم وحُريَّاتِهم الدُّستوريَّةِ، والحِفاظِ على المُمتَلكاتِ العامَّةِ والخاصَّةِ، ونبذُ العُنفِ بكلِّ صُوَرِه وأشكالِه والتحريض عليه، فضلاً عن إدانةُ التحريضِ عليه أيضًا، أو تسويغِه أو تبريرِه، أو التَّرويجِ له، أو الدِّفاعِ عنه.
- "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك": انبثق هذا الإعلان التاريخي عن المؤتمر الدولي "الحرية والمواطنة التنوع والتكامل"، المنعقد في مارس 2017م. وأكد الإعلان على ضرورة تبني مصطلح "المواطنة" بدلًا من مصطلح "الاقليات" وما يحمله في طياته من معاني التمييز والانفصال. وأدان الإعلان كافة التصرفات التي تقوم على التمييز وتتعارض مع مبدأ المواطنة والمساواة، كما أدان كل ما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات من ضغوطٍ وتخويف وتهجير، وشدد على تبرئة كافة الأديان من الإرهاب بشتى صوره.
- "إعلان الأزهر العالمي لنصرة القدس": صدر هذا الإعلان في ختام مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس، يناير 2018، وقد شدد على أن القدس هى العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المستقلة ويجب العمل الجاد على الاعتراف الدولى بها، وأن عروبة القدس أمر لا يقبل العبث أو التغيير، مؤكدا على الرفض القاطع لقرارات الإدارة الأمريكية بشأن اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، لكونها لا تعدو أن تكون حبرًا على ورق، كما شدد الإعلان على مؤازرة صمود الشعب الفلسطينى الباسل ويدعم انتفاضته فى مواجهة القرارات المتغطرسة بحق القضية الفلسطينية ومدينة القدس والمسجد الأقصى.