رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تحلية مياه البحر ليست لنا ولا نحن قدر تكلفتها!

31-3-2017 | 10:39


مر اليوم العالمي للمياه الذي تحتفل به جميع دول العالم منذ عام ١٩٩٣ - يوم ٢٢ مارس من كل عام- دون أي اعتناء في مصر ولم تبرزه أي وسيلة إعلام، رغم مسيس الحاجة إلى إيقاظ الوعي العام في مصر بالنقص الحاد في مواردنا المائية والعجز المائي الحالي البالغ ٣٠ مليار متر مكعب سنويا وتراجع نصيب الفرد في مصر من المياه إلى ٦٧٠ مترا مكعبا سنويا بدلا من الحد الأدني اللازم للحياة الكريمة والبالغ ألف متر مكعب للفرد سنويا، وما ينبغي مراعاته في ترشيد استخدامات المياه في المنازل والمصانع والحقول وجميع مؤسسات الدولة، ثم تنمية الموارد المائية المتاحة وحسن استغلالها وتقليل تلوثها والبحث الحثيث عن مياه جوفية جديدة تعوضنا جزءا من هذا العجز، ثم إعادة هيكلة السياسات الزراعية لتخفيض استخدام الزراعة للمياه والتي تلتهم وحدها مايزيد عن حصتنا الكاملة من نهر النيل، والإنفاق على البحث العلمي الزراعي لإستنباط أصناف جديدة تتحمل ارتفاع الحرارة والاحترار العالمي وتتحمل أيضا العطش وملوحة مياه التربة وتنتج محصولا أكثر من مياه أقل وتقل فترة مكوثها في الأرض..إيقاظ الوعي العام والتعريف بمشكلة ندرة المياه في مصر أصبح أحد أهم الهموم الوطنية.

في الأسبوع الماضي جمعني صالون ثقافي مع وزير ري أسبق وابنه العامل في نفس المجال وفوجئت به يتحدث عن أن تحلية مياه البحر هي الخيار الاستراتيجي العريض والمفتوح لمصر!! وسألته عن حجم المياه المحلاة في العالم وعن تكاليفها واقتصادياتها فاكتفى بالقول بأن ٦٠٪ منها ينتج في منطقة الخليج العربي!! وفي الأسبوع الماضي فوجئت بوزير الإسكان يتحدث في ندوة عن تحلية مياه البحر ومستقبل الأمن المائي في مصر!! (وزير الإسكان وليس وزير الموارد المائية!!) ويتحدث عن كيف أن تحلية مياه البحر أصبحت الخيار الإستراتيجي والمفتوح لمصر وليس له بديل وستخوض فيه بكل قوة!.

في كل من الحالتين السابقتين كانت تصريحات الوزيرين السابق والحالي خاطئة وبدون معرفة أو دراسة أو حتى مجرد قراءة لأحوال المياه المحلاة في العالم وكمياتها وتكاليفها وللأسف الشديد فإنه يبدو أن اختيار الوزراء حاليا وسابقا يعتمد على قلة علمهم.

ياحضرات الوزراء المحترمين المبدأ العالمي لتحلية مياه البحر هو الحفاظ على حياة البشر وليس لإحداث تنمية، لذلك لا تزيد كمية المياه المحلاة في العالم كله عن ٢٤ إلى ٣٠ مليار متر مكعب في العام وهو ما يمثل ٠.٦٪ فقط من حجم المياه العذبة المستغلة حاليا في العالم!!، وأن أكبر دولة في العالم في التحلية هي المملكة العربية السعودية وتليها الولايات المتحدة الأمريكية ثم دولة الإمارات العربية المتحدة ثم إسبانيا واليابان والكويت. أرجو أن نلحظ حجم الثراء والقوة الاقتصادية للدول السابقة وهل فيها دولة واحدة وفقيرة أو تشبه في أحوالها أحول الاقتصاد المصري الحالي لكي يقول الوزراء بأن تحلية مياه البحر اختيار استراتيجي وأيضا مفتوح!! أي والله مفتوح أي بلا منتهي ويمكن أن نغرف منه مانشاء من المياه وكأنه يادوب نركب حنفية ولا محبس على مياه البحر المتوسط أوالأحمر لتنزل منها المياه محلاة زلالا.

الأمر الآخر هو ما ينبغي للوزيرين معرفته هو حاجة تحلية مياه البحر إلى مصدر كبير ورخيص من الكهرباء لأنها تمثل ٤٤٪ من تكاليف التحلية وأن كل متر مكعب من المياه المحلاة يحتاج إلى ٢.٥ كيلووات/ساعة لتحليته فهل ياترى لدي مصر مصادر كهربية وفيرة ورخيصة لتوفير هذا الكم من الكهرباء وبالسعر المنخفض بينما هي تسير في طريقها لرفع الدعم نهائيا عن الكهرباء خلال خمس سنوات مر منها ثلاث وستبدأ الرابعة في يوليه القادم، وأعادها ارتفاع أسعار الدولار إلى نقطة الصفر لنبدأ خمس سنوات جديدة من رفع أسعار الكهرباء بعد انتهاء الخمس سنوات الحالية.

نأتي بعد ذلك إلى اقتصاديات وتكلفة تحلية المياه حيث تتراوح تكاليف التحلية في العالم حتى الآن بين ٤٨ سنتا أمريكيا في أفضل التقنيات وحتى ٦٥ سنتا أمريكيا وطبقا لملوحة مياه البحر الذي ستتم منه التحلية فمياه البحر الأحمر مثلا أعلى في الملوحة من البحر المتوسط وهذا أعلى في الملوحة من المحيطات ويسبقهم جميعا ملوحة الخليج العربي، أي أن المتوسط لتكاليف التحلية بالجنيه المصري نحو ١٠ جنيهات للمتر المكعب من المياه!! ولو تخيلنا بأن مصر وبإمكانيات السعودية أو الإمارات أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أسبانيا واليابان ستقوم بتحلية خمسة مليارات متر مكعب سنويا (أي قدر نصف استهلاكنا الحالي من المياه في المنازل وما يعادل ري مليون فدان فقط بالري المقنن) وهي الكمية المماثلة لما تقوم بتحليته دولة الإمارات العربية المتحدة وبتكاليف ١٠ جنيهات للمتر المكعب فإن ذلك سوف يكلفها ٥٠ مليار جنيه مصري سنويا بخلاف تكاليف إنشاء محطات التحلية وتكاليف إنشاء محطات توليد الكهرباء اللازمة لمحطات التحلية ثم شبكة التوصيل من المواسير إلى الأماكن المطلوب إيصال هذه المياه إليها، فهل تمتلك مصر مثل هذه الميزانية الكبيرة للتحلية سنويا وبمثل هذه التكاليف؟!.

وتأكيدا لأن التحلية للحفاظ على حياة البشر أولا وليس للتنمية أو للتنمية المحسوبة وعالية العائد نجد أن ٥٧٪ من مياه التحلية في العالم تذهب للاستهلاك المنزلي والمحليات أي المستشفيات والجامعات والمدارس والمباني الحكومية والحدائق العامة والحفاظ على البيئة، وتذهب ٢٣٪ للصناعة والطاقة ولا يستخدم في الري والزراعة إلا ١٪ فقط بمعني أن الزراعة والتي تصنف على كونها المستهلك الأول للمياه في مصر والعالم ليست مستهدفة ولا مجزية وليس هناك أي جدوى اقتصادية لاستخدام المياه المحلاة في إنتاج الغذاء. ولكي نوضح هذا الأمر والإجابة عن التساؤل في عدم جدوى استخدام المياه المحلاة في الزراعة في مصر أو في العالم نوضح أن السبب هو أن العائد المادي من الزراعة منخفض دائما لأن الغذاء ينبغي أن يظل رخيصا وفي متناول الفقير قبل الغني تطبيقا لمبدأ الحق في الطعام وبالتالي فإن متوسط العائد من استخدام المتر المكعب من المياه في الزراعة يتراوح بين ٥ إلى ١٠ جنيهات كحد أقصى بينما تكاليف التحلية وحدها ١٠ جنيهات ثم بإضافة تكاليف خطوط الإمداد والتوزيع من المواسير لكي تصل إلى حقول استخدامها يكون السعر قد وصل إلى ٢٠ جنيها. ولأن متوسط استهلاك الفدان الواحد في مصر من المياه ورسيما تحت ظروف الري بالغمر الغالب الأعم في الزراعة المصرية يتراوح بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف متر مكعب في السنة وبالتالي فإن تكاليف وسعر المياه المستخدمة في الزراعة سوف تتراوح بين ٦٠ إلى ١٢٠ ألف جنيه للفدان في السنة الواحدة؟! وهو مبلغ غير مقبول ولا معقول ولا يمكن أن يتحمله ولا أن يسدده الفلاح ثمنا للمياه فقط بينما هو لا يتحصل من زراعته على أكثر من ١٠ آلاف جنيه ربحا للفدان في السنة أو عائدا لا يزيد على ٢٠ ألف جنيه في السنة قبل خصم التكاليف منها والتي تشمل التقاوي وأسمدة ومبيدات وعمالة وإيجار الأرض وزراعة وحصادا ودراسا وتعبئة.

وفي المقابل وإذا نظرنا إلى قطاع الصناعة فسنجد أن العائد من المتر المكعب من المياه في هذا القطاع لا يقل عن ٥٠ جنيها وبالتالي فقد يكون من المقبول إمداد المصانع بمياه التحلية رغم أنها تحصل عليها الآن بسعر يقل عن خمسة جنيهات فقط لأن هناك تكاليف أخرى في الصناعة مثل المرتبات والطاقة بشقيها كهرباء ووقود ومواد خام وتعبئة وتسويق وتحصيل. أما إذا نظرنا إلى قطاع السياحة والفنادق فسنجد أن العائد من المتر المكعب من المياه في هذا القطاع قد يصل إلى ٥٠٠ جنيه بسبب ارتفاع العائد من قطاع الفندقة وارتفاع أسعاره السياحية وأنشطته المتعددة من الإقامة والمطاعم والرياضات والترفيه وغيرها وبالتالي فهو القطاع الأول دوما والمؤهل للاستفادة من مياه التحلية وتحمله لأسعارها المرتفعة ولذلك فإن منتجعات وفنادق جنوب سيناء والتي لا يصل إليها مياه النيل ولا توجد حولها مياه جوفية تمتلك محطات صغيرة لتحلية مياه البحر الأحمر بكميات لا تزيد على ١.٥ مليون متر مكعب سنويا على قدر استهلاكها فقط للمياه وبدون زيادة تنتفع بها ما حولها من مساكن الأهالي المقيمين في المنطقة لارتفاع التكاليف.

وإذا مافكرت الدولة فى إمداد المنازل الموجودة في المدن الساحلية بالمياه المحلاة مثل الإسكندرية والسلوم ومطروح ورشيد وبلطيم وجمصة ورأس البر ودمياط وبورسعيد ثم مدن القناة والبحر الأحمر من الإسماعيلية والسويس وسفاجا ودهب ورأس غارب وصولا إلى مرسى علم وحلايب وشلاتين وما يتبعهم من مناطق فرعية فعلى الدولة أن تدعم هذه الأسعار فليس من المتصور أن تتحمل متوسطات دخول الأسرة الواحدة التي لا يقل استهلاكها عن متر مكعب واحد في اليوم أي ٣٠ مترا مكعبا في الشهر بتكلفة ٣٠٠ جنيه شهريا للمياه فقط بتكاليفها وبدون تكاليف شبكة التوصيل والتي يمكن أن ترفعها إلى ٦٠٠ جنيه شهريا وهو فوق احتمال معدلات الدخول المنخفضة في الأسر المصرية ولا يتناسب أبدا مع معدلات الدخول والمرتبات في مصر وبالتالي فيصبح على الدولة دعم هذه المياه بحيث لا يزيد سعرها للمنازل عن ٥ جنيهات فقط للمتر المكعب و ١٥٠ جنيها للشقة السكنية ولا أظن أن الظروف الاقتصادية الحالية للدولة والتي تسير سريعا نحو رفع الدعم عن الكهرباء والمياه والمحروقات والغذاء والمواصلات وشقق محدودي الدخل ويكفي أن نصيب الفرد من دعم الغذاء كان من ثلاث سنوات يصرف للمواطن “اثنين كيلو أرز واثنين كيلو سكر ولتر ونصف زيت “والآن وبعد ثلاث سنوات فقط أصبحت الدولة تصرف نصف هذه الكمية تماما بكيلوجرام واحد أرز ومثله سكر وعبوة زيت ٨٠٠ مللي!! يأتي هذا وسط ارتفاع أسعار الغذاء وارتفاع نسبة التضخم ونسبة الفقر وتزايد نسبة البطالة بما يعني أن البعد الاجتماعي وحق الفقراء على الدولة في تناقص وفي طريقه إلى الانتهاء بينما يحدثنا الوزراء عن تحلية مياه البحر الخاصة بالأغنياء من أجل مصر الفقيرة.

لا هي لنا ولا نحن قدر احتمال تكاليفها وأعبائها.